صفحات العالم

ســوريا تدمــّـر


غازي العريضي

استقال كوفي عنان من مهمته في سوريا. المراقبون سيغادرون سوريا في التاسع عشر من الشهر الجاري. ما قبل عنان شيء. وما بعده شيء آخر. وبين الحالين، حالٌ من الدمار والخراب والقتل والتهجير والتصعيد. وسباق دولي دون أفق للحل.

وزير الخارجية السوري وليد المعلم في طهران، يطلب دعماً سياسياً بعد الموقف التركي المتشدد إزاء تسليم النظام السوري مناطق على الحدود التركية لحزب العمال الكردستاني والخوف من تدخل تركي أشار إليه المسؤولون الأتراك بقولهم: “من حق تركيا أن تتدخل لملاحقة المتمردين الأكراد في سوريا”.

 نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية قدري جميل في موسكو يطلب دعماً وقرضاً مالياً ويبحث في التوقيع على اتفاقات نفطية واقتصادية كبيرة لحماية النظام وتوفير القدرة على “الصمود” والاستمرار. سبقه إلى طهران وزير الاقتصاد على رأس وفد كبير طالباً الدعم أيضاً وقد تم توقيع اتفاقات هنا وهناك في الاتجاه المذكور.

بعد ذلك زيارة رسمية معلنة لرئيس مجلس الأمن القومي الإيراني سعيد جليلي إلى دمشق وبيروت وإعلانه موقفاً معبراً عن التشدد الإيراني: “لن نسمح للعدو بالتقدم في سوريا”. المشكلة ليست داخلية. هي حرب بين الأعداء ومحور المقاومة ولن نسمح بسقوط سوريا! ورسائل إيرانية إلى تركيا والعراق ومؤتمر حول سوريا في طهران.

التهديدات الإيرانية كبيرة. قوية. جدية. لكن إرباكات رافقتها. فبعد خطف 48 إيرانياً في قلب دمشق وبعد أن أكد النظام أنه حرر أحياء دمشقية وأمسك بالقرار في العاصمة، وبعد إعلان وزير الخارجية الإيراني علي أكبر صالحي أن الأجواء في سوريا هادئة، رغم كل ما يجري… بعد ذلك اتهمت أوساط إيرانية تركيا والسعودية وقطر بالمسؤولية. ثم مع جولة جليلي واتصالات صالحي بتركيا والزيارات المتبادلة التي قام بها مسؤولون أتراك وإيرانيون إلى طهران وإسطنبول، تراجعت إيران عن هذه الاتهامات.

في هذا الوقت أعلنت الحرب الكبرى على حلب، العاصمة الاقتصادية والمدينة الكبرى التي لطالما تغنّى النظام بأنها تسانده. حصلت اختراقات كبيرة في أجهزة الأمن في حلب. انقلب كثيرون على النظام. ساعدوا الثوار. دخل هؤلاء إلى مواقع أساسية في المدينة وحولها. صحيح أنهم لا يملكون سلاحاً متطوراً، لكنهم سيطروا على بعض سلاح الجيش. ومع ذلك قام الجيش باستخدام كل أسلحة ترسانته، الطائرات، والطائرات المروحية والمدافع الثقيلة والدبابات الحديثة لدك المدينة وأحيائها. إنها معركة مصير ووجود كما قال الأسد نفسه. وتحت هذا العنوان تدّمر حلب، بآثارها، وكنوزها، وأحيائها، ومناطقها المختلفة. يتقدم الجيش السوري ويصمد النظام حسب البيانات الرسمية على انقاض حلب. في وجه مسلحين سوريين معارضين أو داعمين لهم من هنا أو هناك لا يملكون شيئاً من السلاح النوعي ويتحدثون عن “حرب كونية” ضد سوريا! حلب تدمّر. تسقط كل كنوز التاريخ في الجغرافيا الحلبية. ويساء إلى التاريخ والحاضر والمستقبل. آثار حلب وإرثها وتراثها ليس ملك جيل معين. كل ما بنــي دمّر ويدمّر في حلب وغيرها والحبل على الجرار. وهذا ملك للإنسانية وللأجيال المقبلة. والأمور ذاهبة نحو مزيد من التصعيد والتدمير. ولا نسمع كلمة لا من اليونسكو المنظمة العالمية للحفاظ على التراث والمخزون الإنساني ولا من الدول المعنية. بل الكل يتحدث عن المعركة، يشاهدها، يصفها، يصورها، يتابعها، ويعلن مواقف معينة بشأنها تتلاءم مع حساباته. وكل الحسابات في النهاية تؤدي إلى هذا التدمير المبرمج لسوريا.

وعلى الأرض السورية إمساك المعارضة بمفاصل أساسية. معابر رئيسية على الحدود مع تركيا والعراق. يتدفق من خلالها كل شيء إلى سوريا وهذا سـمح بدخول “مجاهدين” ليعلنوا أرض سوريا أرض جهاد. وهذا ما يحاول النظام السوري والدول الداعمة له استغلاله للحديث عن الإرهابيين والتذكير بالعراق وغيره. وتحت هذا العنوان يمكن لأي طرف أن يقوم بما يشاء وتضيع الحقائق، إلا حقيقة واحدة وهي أن سوريا تدمّر.

إيران دعت إلى مؤتمر حول سوريا حضره ممثلو عدد من الدول. لم يحمل شيئاً ولم يكن نوعياً. إيران متمسكة بموقفها، فهي بين سقوط النظام الحالي واستمرار الحرب تختار الخيار الثاني. سقوط النظام خسارة لها. استمرار الحرب ضمان دور لها وموطئ قدم وساحة. هذا هو منطق اللعبة السياسية في سياق مصالح الدول. روسيا التي قلل المسؤولون فيها الكلام في الأيام الأخيرة بشكل لافت، لا تزال أسيرة موقفها وإن كانت بعض المعلومات تتحدث عن محاولة لفتح نافذة جدية للحوار مع أميركا والانفتاح على حل ما. لكن ثمة من يقول إن أميركا ليست مستعجلة وليس ثمة ما يناقض هذا القول. في النهاية روسيا على موقفها إن أكثرت من الكلام أو خففت من حدته. يعني الحرب مستمرة. وإذا كانت حلب “أم المعارك” كما أسموها فإن هذا لا يعني أن دمشق ستظل هادئة وكذلك غيرها من المناطق في ظل كثرة الحديث عن احتمال التقسيم وهذا ما ألمح إليه أكثر من مسؤول روسي وكان آخر كلام في هذا الاتجاه لملك الأردن الذي حذر من قيام كيان علوي، والمعلومات التي تسربت عن موافقة تركية على حكم ذاتي كردي في شمال سوريا إذا تم الاتفاق على ذلك.

وإذا كان هذا صحيحاً فإن تطوراً كبيراً جاء بعد ظهور دور الأكراد في شكل لافت في شمال سوريا وكذلك في حركة البشمركة على الحدود السورية العراقية، وفي الزيارات التركية لكردستان العراق والخلاف الكردي مع السلطة العراقية…

في قمة الاندفاعة السورية الإيرانية. انشّق رئيس الحكومة السورية رياض حجاب. وزاد عدد المنشقين الدبلوماسيين والأمنيين. هذه ضربة سياسية معنوية للنظام. واعتقل الوزير والنائب السابق ميشال سماحة في لبنان. وهذه ضربة سياسية ومعنوية أخرى للنظام ذاته وعلى قاعدة الاتهام بالتخطيط لعمليات إرهابية خطيرة في الشمال لو حصلت لكانت ستغيّر مجرى الأحداث على الحدود السورية اللبنانية وفي الداخل اللبناني نظراً لخصوصية المنطقة المستهدفة والاعترافات التي تم الإعلان عنها!

باختصار، هي حرب مفتوحة إذا صح أنها كونية فليست ضد النظام في سوريا بل هي ضد سوريا كلها. والمستفيد اليوم هي إسرائيل. والنظام شريك ومسؤول أساسي ومن يقف معه شريك ومسؤول والذي يتردد في دعم المعارضين عملياً شريك ومسؤول والحديث عن الحوار اليوم الذي دعت إليه طهران لن يؤدي إلى نتيجة ولا تنفع معه كلمة “لو”. حتى لو قيل: “لو فعلت طهران ذلك منذ البداية لكان الوضع مختلفاً”. كذلك التحذير الإيراني من عسكرة المواجهة لم يعد ينفع. لأنه لو أقنعوا النظام من الأساس بذلك لكان الوضع مختلفاً…

الاتحاد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى