باسل العوداتصفحات سورية

سفينة نوح السورية/ باسل العودات

 

 

يستحوذ مؤتمر الرياض الذي سيجمع المعارضة السورية بعد أيام على اهتمام جزء كبير من الرأي العام العالمي، على الرغم من أنه مجرد خطوة بسيطة في مسار حل الأزمة السورية التي تزداد تعقيداً يوماً بعد يوم، وهذا الاهتمام لا ينبع من اهتمام العالم بـ (تكحيل) عيونهم بشخصيات أو قيادات المعارضة، ولا لمعرفة من سيتم اختياره للوفد التفاوضي، وإنما لأن فشل أول خطوة للمعارضة يعني بالضرورة فشل ما يليها من خطوات، أي تحديداً فشل المسار الذي رُسِم في فيينا ومن قبله في جنيف.

أمام المعارضة السورية الآن احتمالان، يترتب عليهما نتائج في غاية الأهمية وربما الخطورة، وهذان الاحتمالان يعتمدان على المعارضة السورية نظرياً، وعلى الدول والأطراف الداعمة لها عملياً، وسيكون على السوريين وخاصة من هم في الداخل الاستعداد لنتائج هذين الاحتمالين لأنهما سيحددان بدقّة ما تحمله الأيام المقبلة لهم ولسورية.

الاحتمال الأول هو الأكثر تفاؤلاً، وفيه تنجح (المعارضات) السورية في اختبار مؤتمر الرياض، وتضع وثيقة أو برنامجاً سياسياً موحّداً لأسس وخطوات الانتقال السياسي في سورية، وتتفق فيما بينها على موقف نهائي من الرئيس السوري ومنظومته الأمنية، ورؤية واحدة تجاه وحدة أراضي سورية والموقف من القوميات وطبيعة النظام السياسي المطلوب، وأن يكون جنيف 1 لعام 2012 وفيينا 2 لعام 2015 أساس الحل، وتتمسك وفقهما بمرحلة انتقالية محددة المدة للانتقال السياسي عبر هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحيات، وأخيراً تُشكّل هيئة سياسية قديرة ومشهود لها تضع استراتيجية لعملية التفاوض وإدارتها، وتُشرف على الوفد المفاوض، وتقبل القوى العسكرية أن تفوّضها.

هذا الاحتمال يعني بالضرورة الانتقال إلى الخطوة التالية، وهي عملية التفاوض مطلع الشهر المقبل برعاية دولية حثيثة وصارمة وفق ما نصّ عليه بيان فيينا الأخير، وفيما لو كان المجتمع الدولي صادقاً في نيّته في حل الأزمة السورية، فإن المفاوضات ستتقدم بشكل سريع، لأن مدة الستة أشهر التي حددها بيان فيينا تتضمن فترة التفاوض وتشكيل الحكومة وإنجاز جزء كبير من المهام الأساسية الإنسانية والأمنية والسياسية وصولاً إلى دستور جديد، وهذا يعني أن فترة التفاوض ستكون قصيرة ومحدودة، وبالتالي في هذه الحالة، سيشهد السوريون في الداخل قريباً خلاصهم وانطلاق مسار الألف ميل لاستقرار بلدهم من جديد.

الاحتمال الثاني هو الأكثر تشاؤماً، وفيه (تتشاطر) هذه (المعارضات) السورية على بعضها، وتظهر خلافاتها على السطح من جديد، أو أن تتجلى في هذا المؤتمر خلافات الأطراف الداعمة لها، وأن تختلف على مصير الأسد، وتظهر الفروقات الإيديولوجية والاستراتيجية بينها، أو أن يصبح همّ معارضة الداخل والخارج البحث في أحقيتها بالريادة وقيادة الوفد المفاوض، وتبرز بلا مسؤولية النزعات الشخصية والمصلحية، أو تطغى الطفولة السياسية أو الجهل على المباحثات، ويتمسك البعض بجنيف والبعض بفيينا والبعض الثالث لا بهذا ولا بذاك، وتتضارب مرجعيات الوفد المفاوض، أو أن يختلف الأكراد مع العرب، والعلمانيون مع الإسلاميين، واليسار مع اليمين، ويشد المقربون للنظام البساط لجهتهم فيما يشد المعارضون لهم بالاتجاه الآخر، ويخرجون بالنهاية بوثيقة هشّة يمكن لكل طرف أن يفسرها فيما بعد كما يريد، وهذا يعني بالضرورة الخروج بنتائج متواضعة ينتج عنها وفد تفاوضي مخلخل غير منسجم لا بالبرامج ولا بالأشخاص ولا بالأهداف، وهو ما سيريح النظام ويجعله مؤهلاً لكسب الجولة الثانية من (لعبة) فيينا.

بهذه الحالة على السوريين أن يتوقعوا حلاً مخيّباً للآمال لأزمتهم، يتضمن إجراء (رتوش) للنظام هنا وهناك، فهو عملياً سيكون الطرف الأقوى بالمقارنة مع ضعف المعارضة، ولن يحصل أي تغيّر جوهري في ممارساته، وستصبح مكافحة الإرهاب هي الأولوية وبتفويض دولي، وتغيير النظام جذرياً أمر غير وارد، كما يصبح الإصلاح السياسي شيء تكميلي تجميلي، والدولة الأمنية ستبقى وستكون قادرة على التمدد من جديد، ويستمر حكم الطائفة الواحدة مع بعض (المكرُمات) لهذه الطائفة أو تلك، ولن تُفتح السجون السياسية أبوابها لإخراج عشرات الآلاف من المختفين قسراً، ولن يحلم السوريون بالعدالة الانتقالية والقصاص، وستوزّع الحريات بالقطارة، وسيبقى رجل الأمن مسيطراً على العقول والمصائر، وبهذه الحالة، يمكن نصح السوريين في الداخل الذين لا يعجبهم هذا الحل أن يركبوا أول (سفينة نوح)، لأن الأمل بتغيير النظام سيكون قد تبخّر، واستعادة الكرامة باتت حلماً متبخراً.

صحيح أن نجاح المعارضة في الرياض شرط لازم لكن غير كافي لحل الأزمة وفق ما يشتهيه ملايين السوريين، وصحيح أن الاحتمالين قابلين للفشل في أي مرحلة مقبلة، خاصة وأن النظام وحلفاءه سيلعبون بكل ما لديهم من أوراق لإفشال الخطوات التالية، ولعرقلة أي نتائج يمكن أن تُهدد النظام ورجاله ودولته الأمنية وفساده وطائفته، أو تضرّ بمصالحه الحلفاء الحالية والمستقبلية، لكن وبما أن الحل هو مجموعة من الخطوات المتتالية والمعارك المتتابعة، فمن المتوقع على الأقل أن تربح المعارضة السورية خطوتها الأولى الأسهل، وأن تُثبت للعالم أنها جديرة بأن تكون واجهة لثورة غيّرت مفاهيم وأفسدت خططاً استعمارية وأقلقت دولاً وشعوباً.

لم يعد للحلول الوسطى مكان بالنسبة للأزمة السورية، ولم يعد مسموحاً تشرذم وخلاف وجهل وانتهازية و(ولدنة) المعارضة السورية، فإما أن تنجح هذه المرة في هذا الاختبار الذي سيكون في الغالب الأخير، أو أن تفشل، وبالحالة الثانية على السوريين ركوب سفينة نوح، والتي سيكون منها الكثير في المرحلة المقبلة.

المدن

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى