“سقطة” لؤي حسين/ إياد الجعفري
يمكن وصف البوست الذي كتبه رئيس تيار “بناء الدولة” السوري المعارض، لؤي حسين، تعليقاً على حدث تحرير مدينة جسر الشغور بريف إدلب من قبضة النظام، بأنه “سقطة”، تعبّر عن نَفَسٍ طائفي لا يساعد على التأسيس لحالة معارضة تمثل الأقليات بسوريا، يمكن لها أن تكون شريكاً مستقبلياً في إعادة ترميم النسيج الاجتماعي للبلاد.
لا يُعاب على لؤي حسين، العلوي المذهب، أن يخشى على أبناء جلدته في الساحل من تقدم فصائل معارضة إسلامية نحو منطقتهم الجغرافية بعد تحرير مدخل الساحل، جسر الشغور…بل ما يُعاب عليه، من وجهة نظري، طريقة طرحه لتلك المخاوف بلغة استعلائية، وإقصائية، وتفتقد للحس السياسي، في آن.
فقد علّق لؤي حسين في صفحته بـ “فيسبوك”، على تحرير جسر الشغور من جانب “جيش الفتح”، قائلاً: “جسر الشغور سقطت بيد النصرة وأشباهها.. النظام تنهار أطرافه.. جسر الشغور على مرمى العين من قرى العلويين..”.
وأضاف “لا تغيير إيجابي جدي في البلاد من دون مشاركة العلويين بشكل فاعل وحقيقي.. مشاركتهم وليس إخضاعهم أو حتى تقديم ضمانة لهم”.
وختم قائلاً “العلويون لا يجدون في النصرة حليفاً بل عدواً، وهم محقون في ذلك. وعلى من يريد مشاركتهم في التغيير أن يشاركهم مخاوفهم المحقة، ويقول لهم إن النظام كاذب في حمايتهم، وأن يشاركهم بحماية أنفسهم وحماية سوريا من كل طغيان بديل لطغيان النظام”.
في كل جملة من تعليق لؤي حسين، سابق الذكر، نجد “سقطة” لا تُغتفر، سواء قسنا ذلك الكلام بمقياس المصلحة الوطنية التي تمثل كل السوريين في مستقبل موحد لهم، أو بمقياس مصلحة العلويين في أن يكون لهم قيادات قادرة على تمثيلهم في حال سقوط النظام، بصورة تضمن لهم الحد الأدنى من الأمان، وتتيح لهم سبيلاً للمشاركة السياسية في سوريا المستقبل.
أبرز “سقطة” لـ لؤي حسين في تعليقه حينما تحدث عن “النصرة” وشريكها الرئيسي “أحرار الشام”، بصيغة “تسخيفية”، لا تخلو من نَفَس طائفي، يماثل تماماً النَفَس الطائفي الذي يتحدث به “عوام” مقاتلي النُصرة وأحرار الشام حينما يستخدمون تعبير “النُصيرية” حيال العلويين.
وإن كان لؤي حسين مُحقاً بأن لا “حُكم رشيد” في سوريا المستقبل، إن كانت ستُؤسس على إقصاء العلويين أو غيرهم، فإنه، في الوقت نفسه، يطلب من الساعيين للتغيير من المعارضة أن يُقصوا التيار الجهادي الإسلامي، الذي يملك مساحة لا يمكن إنكارها من التأييد في الشارع السوري اليوم، خاصة في الداخل، والأهم، أن ممثلي هذا التيار هم الفاعلون الحقيقيون بالميدان السوري في مواجهة نظام الأسد.
وبخصوص الحيثية الأخيرة تحديداً، يظهر تعليق لؤي حسين بأنه يفتقد للحس السياسي والواقعية السياسية، فإن كان أمثال جبهة النُصرة، من أحرار الشام مروراً بجيش الإسلام وليس انتهاءاً بجند الأقصى…إلخ، هم الفاعلون الحقيقيون في الميدان السوري في مواجهة نظام الأسد، فإن الطلب ممن يريدون التغيير بسوريا، إقصاءهم، ضربٌ من الخيال.
لا يعني ما سبق أنه لا يمكن تفهم مخاوف لؤي حسين من تقدم فصائل إسلامية إلى مناطق تمركز العلويين بالساحل، كما سبق وذكرنا. لكن كان الأجدى بالرجل أن يكون أكثر واقعية، وأن يلعب على وتر رغبة تلك الفصائل في إبداء اعتدالٍ يُزيل الصورة السيئة التي رسمها تنظيم الدولة الإسلامية للجهاديين الإسلاميين.
كان الأجدى بـ لؤي حسين أن يفتح قنوات التواصل مع هذه الفصائل، سواء عبر الخطاب الإعلامي، أو عبر التواصل السياسي المباشر أو عبر وسطاء، بصورة تسمح بدفع تلك الفصائل إلى إبداء أكبر قدر ممكن من الاعتدال والمرونة حيال الأقليات، وخاصة العلويين، في حال دخلوا مناطق تمركزهم الجغرافي بالساحل السوري. وكما نعلم، سبق أن حدث ذلك في مرتين سابقتين، ورغم ما أُشيع حينها، لم يُسجل حجم انتهاكات ضخم بحق المدنيين إذا أردنا أن نقارنه بانتهاكات نظام الأسد.
في نهاية المطاف، فإن الواقعية السياسية ومراعاة موازين القوى في الميدان السوري، تدفع من يريد أن يكون في الجانب الآخر، جانب المعارضة، ويريد لها أن تنتصر، تدفعه لأن يعمل على استيعاب الفصائل الإسلامية ودفعها أكثر للمزيد من الاعتدال، خاصة أن تلك الفصائل باتت تميل للاعتدال بالفعل، لمواجهة فوبيا “داعش”، التي أضرت بالإسلاميين كثيراً.
أما أن نُطالب جانب المعارضة بالتخلي عن تلك الفصائل، علماً أنها الأقوى على الأرض، دون وجود بدائل علمانية لها، لا يبدو أنه طرح واقعي معقول أبداً.
في نهاية المطاف، وجود شخصيات معارضة من أمثال لؤي حسين، هي ضرورة حيوية لمستقبل سوريا، بغية إيجاد حكم رشيد يمثل كل السوريين. لكن في الوقت نفسه، على أمثال هذه الشخصيات، لؤي حسين أحدها، أن تخرج من بوتقة “فوبيا” الأقليات، وأن تنظر بواقعية إلى الطرف الآخر، وأن تطرق بابه، فهي على الأغلب ستجد مُجيباً. ولنا في نموذج وليد جنبلاط مثلاً للسياسة. فالرجل، ورغم تهديدات جبهة النُصرة الميدانية القريبة من قرى درزية في جبال لبنان، لم يتخذ موقفاً سلبياً حيال الفصيل المذكور، مراهناً على حكمة قادته، ورغبتهم البادية باتخاذ سلوكيات سياسية معتدلة تساعد على أن يحظوا بالقبول محلياً وإقليمياً، وربما أيضاً دولياً.
المدن