صفحات العالم

سقوط أم انكفاء الى “المربع الفئوي” المُوسَّع؟


    سركيس نعوم

حسم الأوضاع في دمشق وريفها سواء في معركة أو اكثر يمكن نظرياً ان يكون في مصلحة النظام الحاكم. اما عملياً فانه وفي رأي مؤيدي هذا النظام واعدائه لن يكون الا في مصلحة الثوار. فالجمهورية الاسلامية الإيرانية التي تدعمه بكل امكاناتها لم تستطع منع سيطرة الثوار على اجزاء واسعة من سوريا. وهي ليست على استعداد لإرسال جيوشها لمساعدته اولاً لأن ذلك يطلق حرباً اقليمية لا تريدها. وثانياً، لأنه يطلق حرباً مذهبية ليست في مصلحتها. وثالثاً، لأنه يكتّل القوى الخارجية ضدها. ومن شأن ذلك تعريضها  الى خطر شديد. فضلاً عن ان سوريا الاسد المهمة لمشروعها الاقليمي ليست المدى الحيوي لها، كالعراق مثلاً، الامر الذي يجعلها تختار التخلي عنه اذا اضطُرت. طبعاً قامت هذه الجمهورية بواجبها حيال الاسد وكذلك “الجزء” اللبناني منها “حزب الله”. لكن الى متى؟ وهذا سؤال مشروع، لأن الاثنين اي الأصل والفرع ليسا من هواة الانتحار المجاني. وروسيا الاتحادية لا تدافع عن نظام الاسد وبجدارة لأنها مغرمة به.، بل لأن لها مصالح معينة في المنطقة وخارجها تريد من اميركا الاعتراف بها واحترامها. والورقة السورية هي الوحيدة المتاحة لها اليوم. علماً انها تعرف ان تفاهماً بين واشنطن وطهران، وذلك غير مستحيل، من شأنه ان يحل الأزمة السورية وإن كانت موسكو بعيدة منه. اما الصين، فدعمها للاسد مختلف كثيراً عن دعم روسيا. في أي حال، وبالعودة الى الجواب عن الذي يمكن ان يحصل في سوريا بعد حسم الاوضاع لمصلحة الثورة، فإنه وفي رأي متابعين وخبراء عرب ومسلمين وأجانب جوابان. الأول، هو انهيار النظام تماماً. لكن ذلك مستبعد في رأي هؤلاء في المستقبل المنظور لأن “جيش” الاسد بالمعنى الفئوي وميليشياته عددهم كبير ولا يزال تسليحهم جيداً بفضل الروس طبعاً وربما ايران، ولا يزالون يتمسكون بالنظام بسبب الخوف الاقلوي من الأكثرية الراديكالية الاسلامية وذلك رغم اصابة بعضهم بالانهاك. ولذلك يصبح الجواب الثاني اقرب الى المنطق وهو انكفاء النظام بقواته الى مربعه الجغرافي الفئوي اساساً، ولكن بعد توسيعه لتأمين اتصال جغرافي بينه وبين ايران عبر العراق، واتصال مماثل بينه وبين حليفه اللبناني الاول “حزب الله” عبر بلدات او قرى معينة هي الآن في يد الثوار. وطبيعي ان يترافق الانكفاء المذكور مع دمار كبير في المناطق المُنسَحَب منها. وفي هذه الحال، فان الثوار يستولون على الاراضي السورية الواقعة خارج “المربع” المشار اليه اعلاه. لكن الاسئلة التي يطرحها المتابعون والخبراء انفسهم هنا كثيرة ابرزها نوعان. الاول، هل يستطيع الثوار إقامة نظام على غالبية الارض السورية بعد تحريرها يعيد اليها الاستقرار والامن، ويفتح الباب امام إعادة بنائها وأمام العمل لاستعادة المناطق الباقية مع “النظام”، ويؤسس لديموقراطية ما؟ أم ان الفوضى ستعم فيها جراء التنافس بين التيارات الاسلامية والديموقراطية والمدنية وبين الالوية العسكرية التي لا تربطها سوى تسمية “الجيش السوري الحر”؟ ام ان السوريين الفارين من الجيش، الذين يدرّبهم “العرب والعالم” في تركيا وبطريقة جدية جداً ويبلغ عددهم نحو 20 ألفاً، يستطيعون دخول سوريا في الوقت المناسب، ويشكلون النواة التي تلتف حولها الفصائل على تنوعها بحيث يصبحون قادرين على “التصدّي” للمتشددين او “للـفوضويين” من سوريين وغير سوريين؟ اما النوع الثاني من الاسئلة فهو هل تستمر “عصبية” النظام بعد انكفائه الى مربعها في تأييده، ام تختلف معه بغية ايجاد صيغة تُبعِده وتفتح الباب امام التواصل من جديد مع السوريين الآخرين تجنباً لحرب اهلية مذهبية قد تدوم طويلاً؟

طبعاً لا أحد يمتلك اجوبة جاهزة عن هذه الاسئلة. لكن ما يمكن اثارته هنا على الصعيد اللبناني هو ان “الانكفاء” المذكور اعلاه لا بد ان يدفع “حزب الله” مع حلفائه او من دونهم الى “التصرف” تلافياً لنشوء وضع داخل سوريا المحررة وتالياً داخل لبنان يهدده. و”التصرف” يعني أخذ المبادرة وفرض التواصل بين مناطقه. وذلك يعني سيطرة على قسم كبير من البلاد، بعدما كان قبل الثورة وبعد تأليف الحكومة الحالية يحاول ان يحقق ذلك بواسطة “الماكينة” الرسمية على تنوعها. ومن شأن ذلك، اذا نجح، وضع الشمال اللبناني السنّي وخصوصاً عكار، الذي اعتبره نظام الاسد مؤذياً له، محصوراً بين جهتين: البقاع الشمالي المتاخم له والحدود الشمالية مع سوريا. وطبيعي ان يفتح ذلك الباب امام تدهور لا يعرف احد مداه في لبنان.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى