صفحات العالم

سقوط الأسد مسألة وقت.. وثلاثة سيناريوهات لـ»عسكرة» الأزمة السورية


خالد العويجان

بدأت القناعة تترسخ لدى دول العالم أن النظام السوري زائل بدون أدنى شك، فبعض هذه الدول التي كانت حليفاً لنظام الأسد، باتت الآن تنتظر الحسم، والتفكير بما سيعقب مرحلة بشار الأسد.

فالمراقب لردود أفعال كلٌ من طهران وحلفائها في المنطقة، وتركيا وإسرائيل، في التعاطي مع الأزمة السورية ضمن حلولٍ عسكرية، يلمس تلك القناعة، أو كما يرى الدكتور عبد العزيز بن صقر رئيس مركز الخليج للأبحاث، أن تركيا منذ البدء كانت واعيةً لزوال النظام السوري بلا شك، فيما بدت إسرائيل خلال الفترة الأخيرة على قناعةٍ أن النظام السوري غير قابل للبقاء، وإن بقاءه “مسألة وقت” ليس إلا.

ولوحظ كما يرى بن صقر، تحولٌ جذري في مواقف الدولتين (تركيا وإسرائيل)، وبدأ الحديث علناً عن مرحلة ما بعد سقوط النظام، فتركيا حالياً تلعبُ دوراً مُهماً في توفير الدعم للجماعات المعارضة في سورية المدنية والعسكرية على حدٍ سواء، ولكن المرحلة المقبلة تتطلب من إسرائيل وتركيا، ضرورة التعامل مع نتائج الثورة بعقلانية. أما إيران فتُعاني حالياً وتعيشُ حسرةً وألماً على فقدانها أحد أهم أوراقها في منطقة الشرق الأوسط، بسقوط نظام بشار الأسد.

ونتيجة التفكك الذي يحصل ويهدد نظام الأسد بالزوال، اقتضى من طهران أن تقوم بتحويل بوصلتها، وبدأت ترسمُ لمرحلة ما بعد الأسد، وتعزز نفوذها في العراق، واستئصال أي دور لقوى ليست موالية لها.

ايران تعوض الخسارة بسيطرة أكبر على العراق

وطبقاً لرؤية الدكتور عبد العزيز بن صقر أن “الموقف الإيراني يختلف جذرياً عن الوضع في تركيا وإسرائيل، فإيران بدأت تشعر أنها على وشك فقدان أهم حليف إقليمي لها، فلا يوجد لإيران بديلٌ عربي تتوافق مصالحه مع المصالح الإيرانية، فسقوط النظام السوري يمثلُ خسارةً كبيرةً ذات بُعدٍ استراتيجي لطهران، وستضطر طهران لأن تُحول بوصلتها إلى العراق، عبر محاولات ترسيخ سيطرة ونفوذ الجماعات السياسية والمليشيات المسلحة الداعمة لإيران داخل التشكيلة السياسية العراقية.

وتوقع الصقر أن تبدأ إيران بالتحضير للعملية التعويضية التي تهدف إلى تهميش دور العرب السنة في السلطة بالعراق.

“الشرق” بحثت في مسألة “عسكرة الأزمة السورية” مع الصقر، ورأى أن الأزمة السورية في طريقها إلى نبذ نظام الأسد، لكن، سقوطه سيُكلف وقتاً أطول، على نقيض التجربة الليبية التي أدت إلى سيطرة الثوار على البلاد وقتل القذافي في وقتٍ وجيز.

وبالرغم من أن بشار الأسد سعى جاهداً في محاولة إلغاء الواقع ذهنياً، ليتسنى له مواصلة الحياة الخاصة، من حيث بقائه على رأس السلطة في البلاد، دون أن يكترثُ لعدد الضحايا الذين قتلهم “شبيحته” وتخطوا ستة آلاف مواطن، إلا أن المؤشرات كما يظهر، تُعطي دلالات واضحة بأن نظام الأسد زائلٌ لا محالة، ولكن زواله سيستدعي عملاً عسكرياً سترسمه الأيام القادمة.

وكما يبدو أن النظام السوري بات يستشعر خطأه في الركض خلف طهران التي جندته ووضعته لاعباً أساسياً في مواجهة ما يُسمى بــ”دول الاعتدال” لتصفية حساباتها مع دول المنطقة، كونها لعبت يوماً دور المُعين مع نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين في حربه مع إيران، والقطيعة التي عاشها الأسد مع الدول العربية، خلال السنوات الماضية دليلاً واضحاً على ذلك.

سقوط بشار سيأخذ وقتاً طويلاً

بشار الأسد لن يختار التنحي بسهولة عن الرئاسة، بالرغم من أن إسقاطه بات مطلباً للشعب السوري، مع مواصلة الثورة في البلاد، التي دخلت شهرها الحادي عشر، دون إذعانٍ من الأسد الذي يعيش تحت سيطرة أوهامه.

ويجد الدكتور بن صقر أن سقوط نظام الأسد سيستغرق وقتاً طويلاً نوعاً ما، وليس كما يتصوره البعض بأيام أو أسابيع، وبتكلفة أكثر من التي اقتضاها سقوط النظام الليبي، للاختلاف بين طبيعة النظامين، واختلاف الخريطة الجغرافية والديموغرافية للدولتين.

عملياً، الأيام المقبلة ستكون شاهدةً على عدة سيناريوهات ستفرض نفسها بقوة، والسيناريو الأبرز والأهم هو عزل الأسد من منصبه حتى إن كان هذا المطلب يستدعي تحركاً عسكرياً، مدعوما بقرارٍ دولي من مجلس الأمن التي ستتولى كما يبدو مهمة الجامعة العربية التي بدت مُنهكةً من عدم جدوى الطرق والمبادرات التي استنفذتها.

وإن انتهى الأمر واستدعى توجيه ضربةً عسكرية لعزل النظام، فسيبرز عدد من المُعضلات من الناحية العملية أو “التكتيكية”، ويأتي أبرزها في صعوبة استخدام الأراضي اللبنانية أو العراقية، كما حدث في التجربة الليبية، مع مراعاة الفروقات بين التجربة الليبية والسورية، كون كل دولةٍ منهما تملك ظروفها الخاصة، من حيث الطبيعة الجغرافية وتداخل تركيبتها السُكانية.

ويقرأ بن صقر أن دول الجوار السوري، باتت تتعامل حالياً مع مرحلة ما بعد سقوط الأسد، لكنه في ذات الوقت اشترط ضرورة تعامل “تركيا وإسرائيل” بعقلانية مع نتائج الثورة السورية.

ثلاثة احتمالات لسقوط النظام

وتكتيكياً، رسم الدكتور بن صقر ثلاثة تصورات وسيناريوهات لـ”عسكرة” الأزمة في سورية، شريطة وجود موقفٍ دولي واضح، من شأنه أن يحسم معركة الشعب السوري مع نظامه بشار.

وأسهب في شرح السيناريوهات التي تقتضيها الأزمة السورية، وقال “في تقديري هناك ثلاثة سيناريوهات أساسية محتملة قد تحول الأزمة من حركة احتجاجات شعبية، سلمية إلى مواجهة عسكرية تكون وسيلة الحسم النهائي:

الأول: حدوث تمرد وانشقاقات واسعة ضمن صفوف القوات المسلحة والأجهزة الأمنية السورية، وبروز ضباط كبار يقودون وحدات عسكرية فعالة ضد النظام، وهو ما سيؤدي إلى تطوير الأزمة لتصبح مواجهات عسكرية بين أطراف محلية سورية.

ويضيف في قراءته لـ”لأزمة السورية”

الثاني: يتمحور حول تدخل قوات عربية لحماية المدنيين، وسيتطور الموقف إلى مواجهات مسلحة بين القوات العربية مدعومة بعناصر الثورة السورية من جهة، وقوات النظام السوري من جهة أخرى، وهنا نتحدث عن التدخل العسكري العربي – الإقليمي”.

الثالث: هو “حدوث تدخل عسكري دولي، تحت مظلة الأمم المتحدة، أو ربما خارج إطار الأمم المتحدة كـ”إطار اتفاقي بين عدد من الدول”، تحت غطاء دوافع التدخل العسكري، كالدوافع الإنسانية على سبيل المثال، وهنا ستتولى القوات العسكرية حماية الشعب والمدنيين من بطش السلطة، كما حدث مؤخراً في الملف الليبي، وقبلها في شمال العراق، وكوسفو وغيرهما”.

فروقات كثيرة بين النظام السوري والليبي

وفي ذات السياق، فأن الخطوة الأولى لتطور هذا السيناريو، تتمحور حول الموافقة أو الاتفاق على إنشاء منطقة أو مناطق عازلة لحماية السكان المدنيين “ملاجئ آمنة” ويتطلب ذلك إنشاء منطقة حظر طيران داخل الحدود السورية، وهو الأمر الذي سيقود إلى مواجهةٍ بين القوات الدولية وقوات النظام السوري، وتحول الحسم بالقوة العسكرية، كما شاهدنا في الملف الليبي مؤخراً”.

وتوقع أن تكون عواقب المواجهات وخيمة، كون سورية تختلف عن ليبيا من حيث الكثافة السكانية العالية، فالحرب في ليبيا جرت معظمها في أراضي صحراوية غير مأهولة، أما الوضع في سورية سيختلف جذرياً، فالخسائر البشرية ستكون عالية بسبب الطبيعة الجغرافية والديموغرافية للدولة، لذا فان كلفة عسكرة الأزمة وتحولها إلى مواجهة عسكريةٍ سيكون ثمنها عالياً نسبياً. وعن الاحتياجات التي ستتطلبها التطورات الميدانية على الأرض، توفير الأرضية الميدانية لعسكرة الأزمة، مدعومٌ بموقفٍ من المجتمع الدولي، ليكون عاملاً حاسماً في هذا الأمر، خاصة في حالة استمرار الثورة داخل سورية، واستمرار الارتفاع في عدد الضحايا البشرية، يظل النجاح أو الفشل يعتمد في جزء مهم منه على الموقف الإقليمي والدولي، فعنصر الإسناد والدعم الخارجي، دبلوماسياً وعملياً، لأي مواجهة عسكرية داخل سوريا يُعدُ عاملاً مُهماً.

ويجد بن صقر تشابها في المبدأ حيث الثورة ضد نظام دكتاتوري شمولي، وضد سيطرة عائلة رئاسية بشكل غير شرعي على السلطة، لكن الاختلاف بين سورية وليبيا، في تركيبة المجتمع السوري التي تختلف عن المجتمع الليبي، وطبيعة وهيكلية السلطة تختلف كذلك أيضاً، فسورية لديها حزبٌ حاكم، ولديها طائفة محتكرة للسلطة، أما النظام في ليبيا فكان يعتمد على شخص القذافي، لا يوجد أي حزب سلطوي حاكم، ولا توجد قوات منظمة وعالية الكفاءة لحماية النظام، كقوات النظام السوري، التي ربما ستقاوم طويلاً، لكونها تدافع عن مصالحها وليس فقط شخص بشارالأسد، لذا فإن طبيعة المواجهة ستختلف في بعدها السياسي والطائفي”.

واستخلص الدكتور بن صقر حديثه، بأن إسقاط النظام السوري أمرٌ مُمكن، ولا يوجد نظام في العالم غير قابل للسقوط، لكن الكلفة البشرية والمادية في سوريا ستكون أعلى، والوقت سيكون أطول.

النظام السوري أصبح منهكاً

وكانت الأزمة السورية، بمثابة عامل استنزافٍ للقوى والطاقات الاقتصادية على الأرض في سورية، كما يرى الباحث في الشؤون والعلاقات الدولية الدكتور عبد الله هاجس الشمري، الذي تحدث هو الآخر لـ”الشرق” عن طبيعة أزمة الأسد، ولم يبق أي خيار عملي يمكن التعامل معه عبره، وتطرّق لما أهدره تعنت النظام السوري من أموال، تُقدر طبقاً لوزير النفط السوري بأكثر من ملياري دولار، بما يؤكد أن العقوبات أثبتت فاعليتها، وأن ما يظهره النظام السوري من لا مُبالاة بهذا الأمر، لم يكن على وجهه الصحيح، فالتأثير على اقتصاد البلاد بات واضحاً، لا سيما بعد أن أوقفت عديد من الدول صادراتها ووارداتها من وإلى سورية.ويجد الشمري أن الخيار العسكري، بات هو الوحيد المتوفر، عن طريق تدخل قواتٍ عربية، وتسليح الجيش الحر، بالإضافة إلى إمكانية تدخل أن يطرأ على المشهد تدخلاً دولياً عبر تركيا وحلف الناتو. الشمري قال “كنت متيقنا منذ بداية الأزمة أن الأسد إن طال الوقت أو قصر، فلا مصير له غير الزوال، وهو الخيار الذي بات مطالباً للشعب السوري، ولا يمكن التنازل عنه تحت أي ظرف وبأي ثمن، بل يتجاوز الأمر أكثر من ذلك، عند إصرار الشعب على محاكمة الأسد ونظامه، وكررت أكثر من مرة أن الأمور تتجه لسقوط الرئيس، مع مراعاة الاختلاف في الطرق والأساليب التي شهدتها تونس، ومصر، وليبيا، واليمن مؤخراً”.

وستبقى الأنظار موجهة نحو اجتماع اللجنة الوزارية العربية في القاهرة اليوم وما سينتج عنه بعد الاطلاع على تقرير المراقبين العرب الذين انتهت مهمتهم كمرحلة أولى يوم أمس الأول.وحتى إن أبقت الجامعة العربية على فريقها في سورية، فإن ما يلوح في الأفق يبدو أنه سيكون أكثر تعقيداً مما مضى، وتبقى الرواية السورية كما رسمها ثوارها ومعارضوها، تضع نصب عينيها ضرورة إسقاط الرئيس ومحاكمته.

– صحيفة الشرق السعودية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى