صفحات سورية

سقوط النظام السوري مبررات موجودة و الآلية مفقودة


ابراهيم ابراهيم – الدنمارك

إن مبررات سقوط النظام السوري حاضرة و بكل قوة و من جميع الاتجاهات حيث لم يعد هناك سبباً واحداً لبقاء هكذا نظام مجرم و بكل ما تحمل الكلمة من معنى , فحيثيات و وقائع الجريمة واضحة للقضاة و المحكمة و البصمات مطابقة لبصمات النظام و الشوارع و الازقة الملونة بالأحمر في المدن السورية شاهدة…!! إذا من الذي يمنعه من السقوط و من ثم محاكمته …؟؟ أهناك من القوى الدولية من تحميه …؟؟ أم أنه بالفعل له قاعدة شعبية عكس ما نتصوره ..؟ أم أنه أقوى من المحكمة و المحاكمة ..؟؟ أسئلة كثيرة تحاصر الشعب السوري و الكثير من المهتمين بالشأن السوري اقليمياً و دولياً رغم قناعة الكل بأن الجواب على الاسئلة السابقة تكمن بـ لا لتفرض أسئلة أخرى و هام و متداولة ليس فقط في العقول السورية صاحبة الشأن بل في معظم أنحاء العالم و هي التالية :

أليست المعارضة هي المسؤولة عن تأخير سقوط هذا النظام و لو بشكل غير مقصود …؟؟ أليس محاولة بعض أقطاب المعارضة استلاب الثورة و الاستحواذ عليها و من ثم إلغاء و إقصاء الاطراف الاخرى من المعارضة سبباً في بث روح الخلاف بين أطياف المعارضة السورية و بالتالي شق صفها و إضعافها …؟؟ أليس عدم وضوح بعض أطراف المعارضة بشأن قضية الشعب الكردي في سورية هو سبباً في ضعف المشاركة الكردية في الثورة السورية سيما و أن الاكراد أصبحوا كتلة بشرية هامة في سوريا من شأنها أن تقلب موازين القوى المتصارعة …؟؟ اسئلة سنحاول و بكل تواضع الاجابة عليها عبر رؤيتنا و تحليلنا لما جرى و يجري على الساحة السورية .

بعد مرور أكثر من ثمانية اشهر من الحركات الاحتجاجية و الثورة الشعبية في جميع المدن و البلدات السورية و التي انطلقت شراراتها الاولى في منطقة الحميدية في العاصمة دمشق أثناء خروج نحو 200 شاب وشابة ليهتفوا : الله سوريا حرية وبس، الشعب السوري ما بينذل، سلمية .. سلمية ظُهر اليوم الثلاثاء 8 / 3 / 2011 ليتم بعد ذلك تفريقهم بالقوة من قبل أشخاص باللباس المدني هجموا على التظاهرة وبدؤوا بضرب وملاحقة المتظاهرين واعتقال عدد منهم ، و سرعان ما بدأ شباب و شابات دمشق بالدعوة على موقع اليوتيوب وصفحات الفيس بوك إلى التظاهر في مناطق أخرى .

و بالفعل فما كان من أطفال درعا إلا ليكونوا من الاوائل ممن لبّوا دعوة شباب وشابات دمشق راسمين على جدار الازقة و الشوارع في درعا و بإحساسهم الفطري تضامنهم مع مظاهرة دمشق و رفضهم لأساليب القمع و الديكتاتورية من قبل نظام بشار و أجهزته الامنية الفاقدة لكل المعايير و المقاييس الاخلاقية و الانسانية عبر كتاباتهم المنددة و المناهضة للنظام السوري , فما كان من هذا النظام الوحشي إلا أن يعتقلهم و يزج بهم في السجون و يمارس تعذيبهم بأبشع الاساليب . لتهبّ درعا و دمشق على اثر ذلك الاسلوب الوحشي الذي مارسته الاجهزة الامنية مع الاطفال .. لتلحق بدرعا و دمشق حمص و ادلب و القامشلي و دير الزور و اللاذقية و بانياس وحلب و كل البقاع السورية متحدية بذلك أقوى و اشد الانظمة استبداداً و بطشاً على مر التاريخ , فسقط المئات من الشهداء و ما زالوا ” أكثر من 4500 شهيد و مئات المفقودين و عشرات الألاف من المعتقلين ” و تلونت شوارع سوريا بالأحمر الخصب و في خضم هذه الثورة التي انطلقت من شوارع المدن و القرى السورية حاولت و كنتيجة حتمية بعض القوى السورية المعارضة للنظام من إعلان دمشق و الحركة السياسية الكردية إلى احتضان هذه الثورة و قيادتها أو بالأحرى الانضمام إليها و تنظيمها لضمان حمايتها و قيادتها بحيث تستطيع الاستمرار و الوصول إلى التغيير المنشود في سوريا لأن معظم من بدؤوا بالتظاهر كانوا من أنصارها حتى تعرض الكثير من قيادات هذه القوى إلى الاعتقال و الضرب من قبل أجهزة المخابرات السورية فضلاً عن الكثير من القيادات التي كانت تقضي أحكاماً متفاوتة بالسجون السورية .

ثم فجأة ظهرت و بقدرة قادر و بعد أن امتدّت الثورة السورية أفقياً و عمودياً و تعنونت بالعشرات من الشهداء بعض القوى التي كانت قد أعلنت سابقاً وقف معارضتها للنظام السوري و معها العديد ممن كانوا في غفلة عن وطنهم سوريا سنين كاملة و عن ما يجري فيها من قمع و إهانة للكرامة الانسانية على أيدي النظام مكتفين بهدوء المدن الاوربية و العربية الهادئة و الهانئة – ظهر هؤلاء وبقوة عبر ما توفر لهم من أجواء الحرية و الديمقراطية في البلدان التي يعيشون فيها على عكس المعارضة التاريخية المتواجدة في الداخل السوري من كردية و عربية وآشورية و التي قوبلت بالقتل و السجن و التعذيب من قبل أجهزة النظام و الذي مازال بعض رموزها في الشجون السورية و منها ما قتل .

ظهرت هذه القوى مشكورة تركض هنا و هناك لتعبر عن تضامنها مع هذا الحراك الجماهيري التاريخي و الاول من نوعه في سورية و تؤكد أنها لم و لن تنسى وطنها و شعبها المقهور و كان هذا موضع اعتزاز و فخر من كل السوريين و بدأت أقنية التواصل تنفتح مع قوى الداخل بشكل أخوي محترم دون أن يلغي أحداً الآخر , و بادرت بعض الشخصيات الوطنية السورية في الخارج و بالتنسيق مع الداخل لعقد مؤتمر يضم كل السوريين المعارضين من أجل وضع خطة عمل أو برنامج أو آليات للتعامل مع الثورة و كيفية دعمها و حتى قيادتها من قبل نخبة واعية مدركة لحقيقة النظام السوري خاصة و التكوين المجتمعي السوري سيما و أن النظام عمل أكثر من 40 عاماً على تخريب هذا التكوين و كان مؤتمر أنطاليا هو الأول في هذا السياق ” و الذي دعيت إليه لكن لثقافة المحسوبية التي نتمتع بها تم إلغاء دعوتي بينما الذين دعوتهم أنا ذهبوا لأنني كلفتُ من قبل أحد أعضاء اللجنة التحضيرية بدعوة الكتاب و المثقفين الكرد لأفاجئ بعدئذ بإلغاء دعوتي أنا ” , المؤتمر الذي و رغم بعض الهفوات التنظيمية كان من المؤتمرات الناجحة و التي كان من الممكن أن تجتمع كل القوى السورية تحت مظلته , و كان قد تم قبوله اقليمياً و دولياً حيث تلقى المكتب التنفيذي المنبثق عنه العديد من الدعوات لزيارات الدول و مراكز القرار الدولي و قد تفاءل الكثير من أبناء الشعب السوري بهذا المؤتمر و لو كان بنسب متفاوتة , إلا أن نجاح هذا المؤتمر و تمثيله لم يُرح الاخوان المسلمين و أعوانهم رغم أنهم كانوا ممثلين بالمكتب التنفيذي للمؤتمر لأسباب كثيرة حسب ما نتصور منها :

•                    الموروث الثقافي قبل الموروث السياسي لهذه الجماعة وهو قيادة الدولة أو الامارة وبأي طريقة كانت …. !! هم يجب أن يقودوا و يَخضع الكل لهم و لقوانينهم .

•                    فرصة انتظروها منذ عشرات السنين و قتلوا العشرات لا بل و المئات من المواطنين السوريين في حماه و حلب و دمشق من أجلها و هي السلطة و النظام .

•                    عدم ارتياح النظام التركي لنتائج المؤتمر ” وهو الاهم ” و ما تمخض عنه من مكتب تنفيذي يغلب عليه الطابع العلماني و القومي أكثر من الديني و كان الوجود الكردي القوي المؤتمر من الأسباب الهامة في عدم ارتياح الدولة التركية من نتائج هذا المؤتمر .

قرر الاخوان المسلمين الدعوة لمؤتمر في بروكسل ” و تم دعوتي بإلحاح لكني رفصت الدعوة ” و طبعاً لم يكن اختيارهم لبروكسل ذكاءً خارقاً لأنه كان من السهولة لأي متابع أن يكتشف إن اختيار بروكسل جاء تعويضاً عن نفس الفندق الذي عقد فيه مؤتمر انطاليا لكن …. كي يزيلوا الشبهة عن دعم الدولة التركية لهم و عن رفضها أي الدولة التركية لمؤتمر أنطاليا و نتائجه تم اختيار بروكسل ومن هناك بدأت خطة الاستحواذ التركي الاخواني على الثورة السورية و بموافقة عربية محدودة بدأت بقطر و انتهت بدول الخليج العربي باستثناء الامارات العربية المتحدة كي تبقى هذه الاخيرة الدولة الخليجية الوحيدة التي تربطها بسوريا علاقات في المستوى المقبول و تبقى الممر الخليجي إلى سوريا , فتشكلت قيادة عملياتية اخوانية تركية قطرية في كل من الدوحة و استنبول و تم التحضير للمجلس الوطني السوري المزعوم بينما الشهداء كانوا يسقطون في شوارع المدن السورية والدماء كانت تسيل و الامهات ثكلى و الاطفال يصرخون و آلة الاجرام البعثي تشتد لتقتل الشجاعة و العزيمة في شباب سوريا , و هم كانوا يخططون كيف يمكن أن يمتلكوا قرار الشعب السوري الثائر و من هم الاشخاص المقربين توجهاتهم السلطوية و الأيديولوجية و عملت و بدعم من قناة الجزيرة و التي تعتبر من أكثر الوسائل الاعلامية تأثيراً على الفعل الجماهيري و أكثرها انتشاراً في الاوساط الاجتماعية العربية و السورية خاصة ليسود خطاب فقط خطاب الاخوان المسلمين ليس فقط في سوريا بل و حتى في العالم العربي , فتم تأسيس المجلس الوطني السوري على أساس أنه يجب أن يكون الوحيد الذي سيمثل الثورة السورية و قد وضع من أجل هذا مبالغ طائلة .

و رغم أن الدعوة لم توجه للكثير من القوى السورية المعارضة أو و جهت و لم تحضر و بصرف النظر عن الاسباب إلا أن قرار تأسيس مجلس اتخذ وقرار محاربة و إلغاء كل القوى الخارجة عن إطار المجلس اتخذ وبدأت بالفعل المعركة بين المجلس و القوى الاخرى و في مقدمتها هيئة التنسيق الوطنية و مؤتمر التغيير و بعض الشخصيات الوطنية كالدكتور عبد الرزاق عيد و هيثم المناع بالإضافة إلى الحركة السياسية الكردية و محاولة المجلس الوطني استغلال شعور الشباب الكورد الثائرين و تحريضهم ضد الحركة الكردية الممثلة التاريخية للشعب الكردي في سوريا .

بدأ المجلس الوطني السوري هذه الحرب بكل هدوء و ذكاء عبر إقصاء الكل إعلامياً حيث كانت محطة الجزيرة الوسيلة المثلى لهذا الاقصاء نظراً لانتشارها العالمي و العربي الواسع و تأثيرها المباشر على المشاهد العربي فلم تقدم المحطة المذكورة و لمدة شهرين عبر شاشتها سوى أخبار هذا المجلس و أعضائه و كأن هيئة التنسيق الوطنية و الحركة الكردية و إعلان دمشق و المؤتمر التغيير و بعض الشخصيات الوطنية و العلمانية لم يعد لها وجود حيث كان خطاب المجلس هو الخطاب الوحيد السائد و أنه الوحيد الذي يمثل الثورة السورية و هذا كان منافيا للحقيقة و الواقع و هكذا ساد هذا التصور بين أوساط كثيرة من الناس . وعمل هذا المجلس لتحريض أتباعه ضد كل من لا يقف معه عبر ممارسة الارهاب السياسي و الفكري على البسطاء من أبناء شعبنا و استغلال توقه للحرية و الكرامة و عمل على ترسيخ ثقافة التخوين و التكفير مما ولد حاجزاً لا بل حواجز نفسية بين صفوف الثوار و القوى المعارضة و زادت الهوة بين الكثير من التنسيقيات المتواجدة في الداخل السوري و ما حادثة القاهرة إلا نتاجاً طبيعياً لسيادة الفكر الأيديولوجي المغامر من قبل الكثير ممن يشكلون المجلس الوطني السوري , فضلاً على التأثير السلبي الواضح على الثورة السورية عالمياً و إحداث تشويش عليها بعدما بات العطف العالمي واضحاً مع الثورة السورية .

إذا اللعبة بدأت بعد انتهاء مؤتمر انطاليا و ابتداء مؤتمر بروكسل و الرؤية و الشك الدولي بدأ يظهر في البديل الجديد القديم للنظام السوري و ماهيته الايديولوجية لتهدأ معها اللهجة و اللعبة الدولية القوية التي كانت تمارس ضد النظام السوري في البداية و التي كانت الوسيلة الأهم في الضغط على النظام لتنحييه و سقوطه بالتالي إنجاح الثورة السورية و لعل وقائع و معطيات المعارضة السورية اليوم و ما حدث في القاهرة من تعد سافر من أنصار المجلس الوطني السوري على أعضاء هيئة التنسيق الوطنية للتغيير الديمقراطي أثبت اللعبة الخطيرة الذي يمارسه بعض القوى المنضوية تحت قبة هذا المجلس عبر التصوير أن فلسفتها السياسية هي فلسفة الشعب الثائر و أن من يخالف فلسفة الشارع سوف يحاسب بنفس الطريقة التي تم محاسبة الاخوة في هيئة التنسيق , و قد أثار هذ الاعتداء موجة من السخط و الاستنكار من قبل أوساط سورية و عربية و دولية مما حدا بجيفري فيلتمان و في سياق رده على عضو اللجنة الوطنية في الكونغرس الامريكي بأن ليس هناك من المعارضة السورية من يمكن الاعتماد عليها …!!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى