سلامة كيلة: الثورة السورية بين متنازعين؛ والعمل الشعبي ما زال هو الأساس
عــ48ـرب
*الثورة السورية بين متنازعين: الاول شعبي مدني والثاني عسكري مسلح
*السعودية تدعم جماعات أصولية في سوريا خوفا من وصول الثورة اليها
*الحديث عن حرب أهلية في سوريا هو حديث مٌضلل
*الإنشقاقات في بنية السلطة ما زالت ضعيفة جدا
*بشار الاسد ليس الحاكم الحقيقي بقدر ما هو واجهة للدولة
*هنالك أصوات في المعارضة تخدم خطاب النظام في تخويف الأقليات
*من الصعب توحيد المعارضة كون مصالحها متناقضة
*الشباب الفلسطيني مشارك في الثورة منذ البداية
*في سوريا يوجد طُغم مالية امبريالية روسية بدل الامريكية
*اليسار الحقيقي بدأ يُنظم نفسه خلال الثورة
*إسقاط النظام يجب أن يقضي الى تأسيس دولة مدنية ديمقراطية معنية بالصراع مع الإمبريالية والصهيونية
* هل بإمكاننا القول اليوم إنّ الثورة السورية انتقلت من ثورة سلمية مدنية إلى ثورة عسكرية مسلحة ذات ارتباطات خارجية إقليمية ودولية؟
بالتأكيد، أصبح العمل المسلّح بارزًا بشكل كبير ويتزايد دوره، كما يبدو، بفعل الدور الوحشي الذي يمارسه النظام، لكن لا زال الدور والحراك الشعبي قائمًا وموجودًا.
إذا نظرنا من الأساس في معنى الانتفاضة وفي معنى اي حراك شعبي، يمكننا أن يتطوّر هذا الحراك إلى أشكال عمل متعددة وأن لا يلتزم بشكل واحد، بمعنى أنّ الثورة انطلقت بالاحتجاج والمظاهرات، والنظام واجه أول احتجاج في درعا بالرصاص، وهذا الرصاص هو الذي أدى اصلا إلى توسع الثورة، وكسر حاجز الخوف عند الناس.
ومن هذا المنطلق أراد الثوار أن تكون الثورة سلمية كي تنجح مثل ما شاهدوا في تونس ومصر، لكن توسّع العنف الذي ارتُكِب من قبل النظام بدأ يغذّي التفكير لدى بعض القطاعات بضرورة المواجهة المسلحة للنظام، وبدأ الميل لاستخدام العمل المسلح يتبلور بشكل أكبر في شهر 10 تقريبًا. كان هدف العمل المسلح في البداية هو حماية التظاهرات، حيث كان يجب معالجة هجمات الشبيحة والأمن على المتظاهرين.
استخدام السلاح في حماية المظاهرات نجح في المناطق التي استخدم فيها، لكن زيادة عنف السلطة بعد ذلك بعدما بدأت استخدام الدبابات والصواريخ والطائرات أسّس لنشوء فكرة لدى قطاع من المنتفضين هي أنّ النظام لن يسقط بالنشاط السلمي، وهذا الاتجاه مرحّب به من قبل الجماعات الأصولية، وجماعة الإخوان المسلمين كانت منذ البداية تؤيّد العمل المسلح وتحمّس الشباب عليه لكنها لم تلقَ تجاوبًا، وهذا الأمر أدى إلى حدوث أخطاء كبيرة في عدة مناطق مثل باب عمرو، فأدّى “تحرير” باب عمرو من قبل الثوار إلى دور عسكري قامت به السلطة أفضى إلى تدمير شامل للعديد من مناطق حمص كما حدث شيء شبيه في منطقة الزبداني وغيرها.
توصّل الشباب الذي يمارس العمل المسلح إلى ان هذه الطريقة في العمل العسكري ضارة، وأنّه لا يجوز التمركز في مناطق حيث النظام سيطبق عليهم، لكن هنالك بعض المجموعات التي تتّسم بطابع أصولي استمرت في هذا النهج، أي السيطرة على بعض المناطق وكانت النتيجة تدمير شامل لهذه الأماكن.
هناك اتجاهان يتنازعان الثورة في سوريا الآن؛ الأول، يريد استمرار التظاهر الشعبي والاحتجاج السلمي، وأن يخدم العمل المسلح هذه الصيغة، أي أن يكون تعزيزًا للتظاهر الشعبي والمدني، والاتجاه الثاني، يريد أن يحوّل الثورة من ثورة شعبية جزء منها عمل مسلح إلى عمل مسلح ضد النظام وحرب عسكرية فقط.
لا زال العمل الشعبي أساسيًا رغم الدور العسكري في الكثير من المناطق، لكن نحن بحاجة الآن إلى وقفة تقييمية من أجل تحديد الأخطاء الماضية فيما يتعلق بكل الممارسات السلبية التي حدثت، وأيضًا لوضع إستراتيجية واضحة لكيفية إسقاط السلطة، ومن ضمن ذلك تحديد ما هي أعمال العمل المسلح الضرورية في إطار الثورة الشعبية.
* وماذا بالنسبة إلى ارتباط العمل المسلّح بالجهات الخارجية؟
فيما يتعلق بالارتباطات الخارجية وجدنا بعض الدول الخليجية تحاول أن تدفع باتجاه تحويل الثورة الشعبية إلى صراع مسلح وظهر ذلك في تصريحات عديدة لمسؤولين سعوديين واستعدوا للدعم العسكري والمالي، وهؤلاء يدعمون بالأساس الجماعات الأصولية والإخوان المسلمين ويعملون على إدخال بعض المجموعات السلفية إلى الداخل، رغم أنّ هذا الدعم العسكري والمالي يخضع لسياسة تقضي عدم تمكين الجيش الحر من التحوّل إلى قوة عسكرية كبيرة قادرة على تحقيق التغيير وبالتالي يطيل أمد الصراع.
وإذا حاولنا تحليل سبب ذلك، نجد أن السياسة السعودية تجاه الثورات العربية قامت على أساس الخوف الشديد من ان تصل إليها، فالوضع السعودي مُهيأ جدًا، لذلك تعمل السعودية على إفشال هذه الثورات، وتعمل في سوريا، كما يبدو، على تحويل الصراع من صراع شعبي إلى عمل مسلح ذي طابع طائفي، ولهذا تحاول أن تلعب اليوم دور الداعم لهذه الجماعات الأصولية المتواجدة في سوريا وهذا خطر يجب أن يلقى الضوء عليه وأن يُكشف.
ورغم ان المجموعات الاصولية ليست هي المحرك الأساسي للثورة إلا أنّ وحشية النظام من جهة وإطالة أمد الصراع من جهة، والدعم المالي الخارجي، هذا كله ممكن أن يقود إلى الانزلاق، كما أرجّح إلى مزيد من الموت وشهداء ودمار أكثر، ولهذا أظنّ أنّه علينا أن نكشف السياسية الخليجية والسعودية المدعومة من قبل الدول الامبريالية الغربية وأن نعزل القوى الأصولية عن الجيش الحر، وهذا هو التكتيك الضروري الآن كي تتطور الثورة في الطريق الصحيح وأن تحقق انتصارها.
* هل تتفق، إذًا، مع تقييم الصليب الأحمر، يأنّ ما يحدث وفقا للتوصيف القانوني هو حرب أهلية؟ هل ترى ان الثورة السورية تتجه نحو الحرب الأهلية في ظل بعض الممارسات النابعة عن المعارضة المسلحة والتي انحرفت عن مسار الثورة؟ وأن نبوءة النظام حول المؤامرة التي تستهدف وحدة سوريا وموقعها الاستراتيجي بدأت تتحقق؟
يجب أن ننطلق من أن الحرب الأهلية هي حرب بين أطراف مختلفة من نفس الشعب وليست حرب شعب ضد نظام، ما يجري في سوريا إلى الآن هو حرب شعب ضد نظام رغم كل محاولات السلطة إلى جر الصراع إلى صراع طائفي، وهذا ما كنا نشاهده في حمص ومناطق أخرى، إلا أنه ظل واضحًا للشباب المنتفض أنّ الثورة هي ثورة شعب ضد السلطة بغضّ النظر عما تستخدم السلطة في هذه الحرب كأدوات.
الحديث عن الحرب الأهلية هو حديث مضلّل وذو استنتاجات سيئة، أصبح الحديث في العناوين الرئيسية للصحافة الأجنبية عن حرب أهلية، وربما هنا نشير الى أن الأمر يُعبر عن رغبات وليس عن واقع، وقد يكون هذا الأمر متسقًا مع ما أشرت إليه فيما يتعلق بالسياسة السعودية والخليجية.
طبعًا، هنالك ممارسات من قبل بعض مجموعات الجيش الحر تعزّز هذا القول، وهنالك أخطاء عسكرية أيضًا، لكن لا زال الصراع هو صراع ضد السلطة وأدواتها الأمنية والعسكرية، وهذه نقطة واضحة لدى الشباب المنتفض، المعركة الأساسية هي مع السلطة وليس مع طائفة او دين، وما جرى على الأرض من فرز ليس عموديًا، الشباب المنتفض لا يُلقي اللوم على هذه الطائفة، بل يلقيها على النظام ذاته رغم أنّه يمتعض من عدم مشاركتها في الثورة، وهو يتمنى مشاركتها من أجل أن نقترب من سقوط النظام.
لا شكّ في أنّ الدور العسكري الذي تصاعد في الفترة الاخيرة وظهور جماعات أصولية يعزز حديث المؤامرة والخطاب الاعلامي الأساسي الذي تبنته السلطة منذ البداية، لكن ما يجب أن يكون واضحًا هو أنّ الثورة هي ثورة شعبية منذ البداية وأصبح واضحًا أنها تشمل كل سوريا، وظهور بعض الجماعات الاصولية بعد كل هذه الدموية التي مارستها السلطة يعني أنّ السلطة ذاتها هي التي فتحت الأفق لهذا النمط من العمل، وبالتالي هذا الأمر لا يثبت شيئا إلا إصرار السلطة على هذا القمع الوحشي سمح لقوى دولية وإقليمية بالتدخل.
* مؤخرًا، حدثت انشقاقات تعتبر من الصف الأول، سواء كان الحديث عن العميد مناف طلاس أو اللواء عدنان سلو والسفير نواف الفارس ومؤخرا سفيرا سوريا في الإمارت وقبرص، كيف تقيّم سير الانشقاقات عن النظام؟
الانشقاقات في بنية السلطة ضعيفة وهذا يعود بالأساس لتركيبة السلطة التي صاغها حافظ الاسد كدولة أمنية بامتياز، فمثلا في الجيش كل صلاحيات الجيش خاضعة لسيطرة أمنية كما في كلّ مؤسسات الدولة، وما ظهر خلال الثورة لدى السلطة والمؤسسة العسكرية او شبه العسكرية هو قوى مافيوية وهي مؤسسة غير رسمية وتُستخدم المافيا من قبل آل مخلوف وآل الاسد، وهي مدرّبة على القمع الوحشي وكان لها منذ بدأ الثورة دور أساسي لضبط البنية الداخلية للسلطة، لم نشهد حتى الآن انشقاق فرق أو ألوية عسكرية كاملة)، فأفرادها هم الذين كانوا يشرفون على كل العمل العسكري والأمني وهم الذين كانوا يقتلون بدم بارد كل من يرفض الأوامر، أو يرفض السياسية العامة للسلطة، وهم الذين قاموا بكل المجازر.
هذا الوضع كان يجعل إمكانية الانشقاق من داخل الجيش والسلطة عملية صعبة جدًا، ولا أظن أن ما حدث مؤخرًا يعبر عن شق حقيقي داخل السلطة لأنّ هؤلاء ليسو بأصحاب مراكز أساسية في السلطة حتى مناف طلاس، لأن ماهر الأسد قد طلب منه الجلوس في البيت لأنه كان ضد هذا الشكل من مواجهة الثورة وكان مع الاصلاح.
هذا لا يعني أنّ بنية السلطة متماسكة وقوية إذ أن الانشقاق طال كل بنى السلطة المختلفة ويوجد ميل لدى العديد من الضباط وأجهزة الدولة لتغيير السلطة، لكن طبيعة السلطة الأمنية لا تسمح بتشكيل تكتل من داخل السلطة يمكنه أن يلعب دورًا من خلاله.
* ما هي ارتدادات العملية الأخيرة في دمشق التي استهدفت ما يُعرف بـ”خلية الأزمة” على مسار الثورة؟
هنالك توجهين متداولين حول عملية دمشق واستهداف خلية الأزمة: الأول يقول إن النظام من قام بذلك بهدف التخلص من آصف شوكت، كون النظام شعر أنه يتم ترتيب انقلاب ضده، رغم أن خلية الأزمة ليست في موقع مقرر بالسلطة وهي ضعيفة، والشق الثاني هو أنّ الأمر وصل في داخل بنية السلطة إلى لحظة مخترقة في مرافق أساسية فيها، واستطاع بعض الافراد أن يقوموا بهذه العملية وهذا يعني أن السلطة باتت ضعيفة إلى حد كبير.
انا أميل إلى الشق الثاني وليس الأول، أي أنّ الامر يتعلق بتشقق داخلي رغم أنّ من أُستهدفوا لم يكونوا الحكّام الفعليين أو المؤثرين في مسار الصراع، مثل ماهر الاسد وبيت مخلوف وجميل حسن، مسؤول المخابرات الجوية، فهم الحكام الفعليون، وبشار الأسد ليس حاكما حقيقيا بقدر ما هو واجهة للدولة، ويقوم بتغطية لبنى مافيوية حقيقة من خلال ظهوره كأنه يتعامل بشكل حضاري فيما يحدث.
* كتبت في أحد مقالاتك مؤخرا “لكي تنتهي المجازر صار لزاماً إسقاط السلطة”، وذلك يتمثل بالانضمام العلني الواضح للساحل (بعد ان انضم جبل العرب) في الثورة و كف الدعم الروسي للسلطة. كيف ترى امكانية تحقق هذين المطلبين؟
النظام ومنذ اللحظة الاولى عمل على تخويف الاقليات الدينية وعلى تخويف الاقلية الكردية من خلال اظهار ان الثورة هي ثورة غير سلمية يقودها الاخوان المسلمون ويعملون على استيلاء على السلطة وبالتالي الانتقام مما جرى في سوريا عام 1982. وكان يعمل على تخويف العلويين الذي يبدو انهم مستهدفون من خلال مجموعات اصولية اسلامية تعمل على الانتقام منهم. للأسف كانن هنالك أصوات في المعارضة منها العرعور وبعض الاخوان المسلمين تخدم هذا التوجه لدى السلطة القائل ان الثورة اسلامية تواجه نظام علوي. هذا الامر جعل العلويين خائفين وهذا الامر جعلهم التمسك بالسلطة بشكل قوي (الحديث عن الكتل الشعبية وليس افراد ونخب)، وهذا يظهر من جديد بسبب اخطاء كثيرة للمعارضة التي لم تعمل على اشراكهم في الثورة الأمر الذي كان سيعجل في تفكك السلطة كون القوى الأمنية تتشكل منهم بشكل كبير.
اعتقد الان ان العلويين اصبحوا في وضع من جهة ليسو مع النظام تماما ولكن الذي ما يحكم منطقهم هو الخوف من المستقبل لذلك يعملون على الانكفاء وليس المشاركة في الثورة، لذلك يجب العمل على دفعهم في المشاركة بالثورة ضمن خطة مدروسة ان كان على صعيد الخطاب وأيضا على صعيد الدور العملي،وهذا ما لم تعمل عليه المعارضة طيلة الثورة حتى اليوم.
اما بالنسبة للمسيحيين فالحديث الامبريالي وخطاب التدخل العسكري.. دفعهم للتمسك بالسلطة في البداية خوفا من المستقبل خصوصا وأن التجربة العراقية ماثلة أمامهم فيما حصل للمسيحيين هناك من عمليات قتل وتشريد. لهذا وقفوا في الفترة الاولى مع النظام بالرغم من مشاركة الكثير من المسيحيين بالثورة. لكن اتضح فيما بعد انه لا يوجد تدخل امبريالي ويوجد عنف كبير من قبل السلطة لذلك انفكوا عن دعم النظام وبدأت قطاعاتهم تشارك في الثورة بشكل اكبر.
وأيضا لدى الدروز كان هنالك مشاركات في البداية بسيطة لكن الكثير من الشباب الدرزي متواجد خارج سوريا ويوجد قطاعات مقربة في السلطة وممكن ان تؤدي الى تناحر داخلي، لكن في الاونة الاخيرة هنالك مشاركات كبيرة في الثورة.
اما عن الدور الروسي: الروس يدعمون النظام بشكل قوي، لكن في الشهر الحادي عشر بدأ يظهر تطرف في دعم النظام لهذا السلطة، وروسيا عملت على نقل الملف السوري الى المحافل الدولية (المعارضة وقعت في هذا الفخ) من اجل ان تظهر ان السلطة السورية محمولة على الوضع الاقليمي والدولي، وهذا ما ظهر في خطابات حسن نصر الله الداعم للسلطة والدور الايراني المتزايد.
الدور الروسي الدولي الذي يدعم هذا النظام كان يساعد في استمرار تماسك السلطة ومنع تفككها. الان في حال تحول الموقف الروسي سيكون تفكك السلطة اسرع، وسوف يدفع هذا الأمر باتجاه تحقيق تغيير ومن داخل السلطة نفسها، حيث سيستعد العديد من أفرادها التضحية ببشار الأسد كي يحافظوا على مصالهم في ظل ضعف النظام دون الحماية الروسية.
التخلي الروسي يفتح الأفق لهذا الباب، وكان هنالك الى أكثر من تلميح أن الروس لا يتمسكون ببشار الأسد، لا أعرف ما جدية هذا الموقف لكن الدور الروسي ما زال يخدم السلطة ويخدم استمرار عمليات القتل.
*الا يقلقك شرذمة قوى المعارضة وغياب الخطاب السياسي لديها، وعدم وجود تصور وبرنامج لمرحلة ما بعد الأسد؟ البعض وصف المرحلة بمجهول جديد سوف تدخله سوريا في ظل هذا التشرذم؟
هنالك مشكلة تعانيها الثورة السورية منذ البدء هي مشكلة غياب الاحزاب السياسية التي تلعب دورا حقيقيا في الواقع، وبالتالي يمكنها ان تبلور رؤية واضحة للثورة مع الخطاب والتكتيك السياسيين. وفي هذا الكلام اشارة الى كل قوى المعارضة القائمة التي ليس لها اي تأثير حقيقي، وهذا ناتج طبعا عن الاستبداد الطويل الذي عزلها عن الجماهير وأضعفها.
ضعف قدرة الاحزاب بالأساس وعدم تكيفها مع هذا التغيير الاجتماعي الذي فُرض عليها هو سبب رئيسي لغياب خطاب موحد، لذلك عندما انطلقت الثورة كان الشباب حديث السن وغير المُسيس هو الذي يلعب الدور الاساسي فيها، وهنا وقعت مشكلة كبيرة في طرح برنامج سياسي متعلق بالثورة، وهذا الأمر خلق تشوش داخلي وخارجي حول الثورة.
اعتقد أنه من الصعب على قوى المعارضة ان تتوحد لان لديها مصالح متناقضة ورؤى مختلفة الى حد كبير، رغم التوافق العام الان على ضرورة اسقاط النظام، فهنالك من يرفض التدخل الخارجي والخطاب الطائفي ويؤيد فتح حوار مع السلطة من اجل خلق مرحلة انتقالية، وهناك من يريد التدخل الخارجي لحسم الموضوع سريعا على غرار التجربة الليبية ولا يرى اي طريق اخر الا عبر التدخل الخارجي. وهذا الخلاف واضح في جذر كل الخلافات في اطراف المعارضة.
في كل الاحوال المسألة تتعلق في الثورة ذاتها في تطوير وسائل وأدوات من داخلها تسمح لها بالانتقال الى مرحلة جديدة تقود الانتصار.
* خرجت المخيمات الفلسطينية في سوريا مؤخرا بمظاهرات شبيه جدا لمظاهرات المدن السورية، كيف يجب أن يتعامل الفلسطيني مع ما يجري في سوريا حسب اعتقادك؟
الشباب الفلسطيني مشارك في الثورة السورية منذ البدابة وظهر ذلك واضحا في مخيم درعا وفي مخيم الرمل، لكن كان دور غير واضح في المخيمات الاخرى نتيجة ان الشباب الفلسطيني لم يكن ينظم تظاهرات داخل المخيمات بل يشارك خارجها مثل حمص حماة ودمشق. كما لعب الفلسطينيون دورا مهما في كسر الحصار الغذائي التي كانت تفرضه السلطة على المدن مثل درعا وحمص.
لكن يبدو ان الوضع في دمشق قد انتفض اذ اصبح مخيم اليرموك جزءا من الحراك الشعبي السوري، اذ أصبح هنالك مظاهرات يقوم بها فلسطينيون داخل المخيمات. حيث ان ظروف الفلسطينيين في سوريا هي ذاتها للسورين من حيث القمع الطويل او نتيجة الوضع الاقتصادي المعيشي الذي كان يجعلهم مفقرين بالتالي كان من الطبيعي ان يكونوا جزءا من هذه الثورة.
التنظيمات الفلسطينة نادت بموقف الحياد الونأي عن النفس لانها تنظيمات علنية على الاراضي السورية وبالتالي من الصعب علينا ان تطرح برنامج ضد النظام وهي تطرح بالأصل برنامج ضد الصهيونية.
لكن المشكلة ان التنظيمات لم تقف على الحياد حيث كان بعضها يشارك في عمليات القمع مثل احمد جبريل والصاعقة، والقسم الاخر كان يطلق بيانات دعم للنظام ويكرر خطاب المؤامرة على سوريا، لهذا فهم لم يقفوا على الحياد.
في نهاية المطاف نحن لا نستطيع أن نمنع الفلسطيني الذي يعاني كالسوري من البطالة وغلاء المعيشة من عدم الإحتجاج . وأيضا من منظور أن الفلسطيني يريد تحرير فلسطين ويرى ان السلطة تمنع العمل العسكري له ولا تحرر الجولان وأن استراتيجيتها السياسية تقوم على أساس السلام. وبالتالي لا يمكن الاسهام في تحرير فلسطين الا من خلال تغيير هذا النظام.
* ما هي أسباب الإنقسام الحاصل حول الموقف من الثورة السورية لدى قطاعات شعبية عربية وأيضا داخل العديد من الأحزاب اليسارية والقومية حسب اعتقادك؟ فهذا الإنقسام نراه بحدة أيضا في الداخل الفلسطيني.
الانقسام الاكبر هو لدى بعض النخب (ذو طابع قومي ويساري) وبعض قواعدها السياسية. واذا نظرنا الى الوضع العربي في السنوات الاخيرة نرى الى انه منقسم الى محورين: الدول التي تصف في مصاف اميركا والغرب الامبريالي مثل مصر وتونس والمغرب والسعودية وغيرها، والدول التي تقف في الوضع المقابل التي تقف ضد الغرب وهنا خصوصا وبالتحديد كانت سوريا ان لم يكن الوحيدة من بقي في هذا الموقع.
ومن منظور اخر كان التحالف مع المقاومة في لبنان (حزب الله) وحركة حماس مع النظام السوري يعطي هذا النظام في تموضعه على الصعيد العربي أهمية وقيمة من منظور انه نظام معادي لإسرائيل والغرب رغم انه كان يسمي نفسه نظام ممناعا وليس مقاوما، والممانع يعني رفض بعض الشروط وليس رفض كل العلاقة ان كان مع اميركا واسرائيل وهذا ما كان تعبر عنه السلطة السورية حتى عام 2005 وحتى فوز اوباما في انتخابات الرئاسة الأمريكية.
وهذا الوضع كان ينعكس على الوضع الشعبي العربي الرافض الى هذا الانسياق للغرب والداعم للمقاومة، لذلك كان يقوم بتقييم ايجابي للنظام السوري وبالتالي كان يجعل اي حراك داخل سوريا يبدو وكأنه مؤامرة امبريالية على عكس الثورات في تونس ومصر حيث كانت تبدو انها نظم عميلة وبالتالي لاقى تأييدا كبيرا.
وهذا الموقف موقف قطاع من اليسار والشيوعيين الذيين يدعمون النظام السوري والأحزاب الماركسية السوفيتية التي تحلل أن الصراع هو صراع مع الامبريالية وكل الباقي تفاصيل صغيرة. وبما أن سوريا معادية للامبريالية لذلك يجب الوقوف معها.
لكن في اعتقادي هذا تحليل سطحي يعتمد على الموقف السياسي ولا ينطبق على تحليل ماركسي حقيقي ولا ينظر الى الواقع القائم الى أن النظام يعتمد نظام اقتصاد ريعي مافيوي وأن هنالك طُغم مالية امبريالية روسية بدل الامريكية، وأن روسيا اليوم دولة امبريالية وليست روسيا الأمس الاشتراكية، ناهيك عن تداخل رأس المال الخليجي والتركي.
نشير أيضا الى وجود شباب يساري مشارك في ثورة وبدون تنظيم وبدأ الان بتنظيم نفسه خلال الثورة من اجل تطوير دور اليسار في الثورة.
اما على الصعيد الشعبي هنالك قطاعات ما زالت تتعلق بحلم ما لا يتم الا من خلال هذا النظام وأن ما يجري ضده هو محاولة لإدماجه في المشروع الإمبريالي.
وأيضا أحد الاسباب هو أخطاء المعارضة وتبني البعض خطاب طائفي والدعوة للتدخل العسكري، هذا الأمر ساهم في دفع العديد من الناس في الوقوف ضد الثورة.
* تم اعتقالك والتحقيق معك وتعذيبك ومن ثم ترحيلك من سوريا بعد أن ساهمت في احدى المنشورات التي كُتب فيها أن تحرير فلسطين مرتبط بإسقاط النظام. كلمة أخيرة عن تحرير فلسطين في سياق الثورات العربية.
عمليا اسقاط النظام يجب ان يقضي الى تأسيس دولة مدنية ديمقراطية معنية بالصراع مع الامبريالية والصهيونية وتلعب دورا في تحرير فلسطين. وهذا الفكرة يمكن ان نتلمسها لدى القطاعات الشعبية التي قادت الثورات في الدول العربية، ففي تونس وبعد سقوط بن علي كان الهتاف: الشعب يريد تحرير فلسطين، في مصر شاهدناه أيضا وشاهدنا أحداث السفارة الإسرائيلية، وحتى في ليبيا والتي جرى بها تدخل عسكري من قبل الناتو شاهدنا بعض الثوار يقولون بعد سقوط القذافي أن المرحلة القادمة فلسطين.
النهوض الشعبي الذي بدأ يتلمس ترابط المسائل اكثر مما تتلمسها الاحزاب السياسية والنخب، ينطلق من منطق وجود ترابط عربي واضح يسعى لتغيير النظام عنده ويهدف لتأسيس لترابط عربي أوسع، وهو خطوة في اطار مشروع عربي اوسع، يرى أن من أجل النهوض والتقدم يجب أن نكون في مواجهة مع العدو الصهيوني والقوى الامبريالية العالمية وعلى رأسها امريكا.
هذا الوعي العربي الشعبي البسيط بحاجة الى بلورة سياسية ومشروع سياسي يجب ان يُعمل عليه في المرحلة القادمة، بالارتكان أن هكذا مشروع يوجد لديه قاعدة شعبية يمكن ان تحمله. فالشباب المفقر المُهمش يريد ان يحقق التطور والتنمية ويعرف ان تحقيق ذلك مرتبط بالصراع مع الامبريالية والصهيونية ومن هذا المنظور سوف يُطرح تحرير فلسطين ويصبح جزءا من البرنامج وتعود فلسطين الى أن تكون قضية عربية بعد ان هُمشت طوال السنوات الماضية.