سلطة «الجيش الحرّ» في حلب وريفها
فاروق البرازي
ما إن تخرج من منطقة «الأمن السياسي« في حي تلفون الهوائي بحلب حتى تدخل وأنت تسير باتجاه الشرق إلى منطقة الجيش الحر. الوضع يختلف عن الوضع السابق. علم الثورة ذو النجمات الثلاث هو علامة التنبيه بأنّك في مناطق تحت سيطرة الجيش الحرّ، بالإضافة إلى الأبنية المهدمة على طرفي الطريق، والطرق المقطوعة بأكوام الرمل أو براميل القمامة، وبين مئة متر ومئة أخرى عربة مدنيّة أو عسكرية محروقة. هذه العلامات هي علامات «دولة« الجيش الحر. في منطقة المعارضة كل شيء خراب أو معرض للخراب، أما في منطقة السلطة وهي باتت قليلة المساحة، ما زال الوضع كما هو. إلاّ انّ هذه المنطقة، وان كانت محافظة على شكلها الظاهري، فهي تشارك شقيقاتها الأخرى بغلاء الخبز والطاقة (بنزين-مازوت). سكان منطقة السلطة في حلب يشاركون بقيّة الحلبيين المأساة والخوف، ويشاطرون المعارضة في رؤية الطائرة الحربية حاملة مئات الكيلوغرامات من القنابل، وهم أيضاً يرفعون رأسهم للأعلى ويراقبون حركة الطائرة ويتساءلون، ترى، أين ستقصف هذه الطائرة؟ وأين ستلقي حمولتها؟ كل قصف لا يبعد عن الموالي والمعارض سوى بضعة أمتار في الفضاء الحلبي الذي ما زال يقبل أن تحلق الطائرة في أحضانه. الجيش الحر يمتلك الإرادة والقوة، ويمتلك مقومات المقاومة.. وليس صحيحاً أنّهم يتسترون خلف الأطفال والنساء أو المدنيين. بل انّ سكان تلك المناطق صاروا في مكان آخر.. وهم إما استشهدوا أو فرّوا أو لجأوا إلى المدارس حيث تحوَّلت كل مدرسة إلى مدينة قائمة بذاتها من حيث تعدد ألوان لاجئيها ، ومن حيث حجم العائلات المتكدسة في غرفها الضيقة كغرف السجون. ويقوم الشباب وبينهم الكثير من (الكُرد) بخدمتهم وتقديم العون لهم من دون تلكؤ أو تأفف.
في حلب، وأنت تسير في الطريق الدولي، وهو ما يسمى بطريق «رودكو» (نسبة إلى شركة الطرق الدولية «رودكو») إلى «عين عيسى» التابعة لمحافظة الرقة لا توجد أي ملامح لنظام الاستبداد، ولا عسكري للنظام، ولا جيش، غير أنك تجد دوريات وحواجز الجيش الحرّ. قد تصادف من يوقفك في الطريق وينبهك بأنّ القائمين على حاجز مدينة منبج لا يعرفون التعامل السلس، إلا انّ هذا الأمر مفهوم، إذ لا يمكن التوقع أن يكون الإنسان ملاكاً دوماً. لم تقف حدود خدمة الجيش الحر في إقامة الحواجز والسهر على أمن المواطن فحسب إنّما يحاول أفراده أن يقدموا أنفسهم كنظام بديل لكن يبدو أنهم ما زالوا بحاجة إلى الوقت حتى يجيدوا فن إدارة المجتمع.
والحق انّ إدارة الكُرد لمناطقهم أحسن أداءً من أداء الجيش الحر في المناطق الأخرى، ولعل السبب انّ الشارع الكُردي خاضع لإدارة الأحزاب، وهم لديهم مسبقاً خبرة الإدارة من خلال ممارسة الحياة الحزبية، ولذلك لا تصادف دورية راجلة توحي بأنّها من اللجان الشعبية وبعد ذلك تدرك إنها قطاع الطرق. إنّما في منطقة الجيش الحر، وبسبب غياب خبرة الإدارة، وكون غالبية المتطوعين من فئات العمر الصغير فمن الصعب أن يميز الواحد منهم بين كيفية حماية أمن المواطن، وكيفية تأدية وظيفة المعارضة. وهذه الفئة تعرف المعارضة بأنها مجرد وقوف على الحواجز فقط، وهذا، بحد ذاته ، يشكل نقطة ضعف في الاداء بوجهيه المدني والعسكري.
السؤال الذي تواجهه دائماً في المجالس الأهلية في القرى، هو، متى سيغربل الجيش الحرّ نفسه وكيف سيميّز نفسه عن بعض «المارقين«؟ الجواب على هذا سؤال يجيب عليه بعض المنضوين في الجيش الحر وهم كانوا أعضاء في الفرق الحزبيّة، يقولون :» إن همّ تنظيف الذات يوازي همّ مواجهة النظام» وهذا الوعي يشكل ملمح تفاؤل لدى المجتمع الذي يعيش تحت سلطة المعارضة. ولعل من مسؤولية المعارضة أيضاً ان تخصص جهدها لأجل هذه المنطقة الشمالية وهي المنطقة التي تشكل اليوم موطئ القدم والجغرافيا التي يعوّل عليها لتأسيس سياسة ناضجة للوطن ككل، وثمّة من يقول بأن لو صرفت المعارضة السياسيّة وقتاً لضبط الشارع العسكري لديها لأصبحت تلك المناطق نموذجاً إدارياً ناجحاً وشكلت جاذبية للتعاطف الكلي مع الثورة..، والسؤال الذي يطرح نفسه ، ترى، متى تأخذ مجالس المعارضة السياسيّة وضع القطاعات العسكرية في المناطق التي خرجت من أيدي النظام، بقوة إرادة ناسها، في الاعتبار وتولي العناية اللازمة لمسألة الانضباط من جهة، ولتنظيم شؤون المدنية من جهة ثانية.
المستقبل