صفحات العالم

سلمية الثورة السورية


أيمن جزيني

تطرح مسألة سلمية الثورة السورية معادلات شائكة على الثوار أنفسهم. كيف يمكن إسقاط نظام لا يملك غير العنف واحتكاره سببا لبقائه وإدامة وجوده بتظاهرات سلمية عزلاء؟

السؤال مشروع والأجوبة التي تلهج بضرورة تحويل الثورة إلى ثورة مسلحة مبررة وذات حيثيات وازنة. مع ذلك ما زال السوريون نخبة وثوارا وشعبا يرفضون الانجرار وراء هذا المنطق. منطق العين بالعين والسن بالسن. ذلك أنهم في محاذرتهم هذه، ورغم كل المصاعب والتضحيات والآلام، إنما يريدون أن يضمنوا مستقبل بلادهم. إذ ليس أسهل من إسقاط نظام جائر كالنظام السوري بقوة السلاح.

ففي مثل هذه الأحوال يصبح الغضب قوة فاعلة. ومن حق السوري أن يغضب كثيرا من نظامه، ومن حقه أيضا أن يطالب بالعدل والانتقام. لكن الثورة السورية تريد أن تكون بديلا حقيقيا للنظام الذي يحكم بالحديد والنار والمعتقلات.

الثورة السورية تريد أن تثبت لنفسها وللشعب السوري أنها ثورة من غير الطينة التي تكونت منها الثورات المزعومة التي أتاحت لضباط الأمن التحكم برقاب العباد في أكثر من بلد عربي منذ خمسينات القرن الماضي وحتى اليوم. ذلك أنها ثورة تريد الانتصار لدولة القانون والمؤسسات. تلك التي فرغها نظام البعث من مضمونها وجرد لحمها عن عظمها طوال فترة حكمه لسوريا بالحديد والنار.

وهي لذلك ترتضي بهذا البذل الذي لا مثيل له من أجل أن لا تنزلق في المستقبل إلى تقسيم الناس بين مناضلين ومتقاعسين، أو بين وطنيين وخونة، أو بين مضحين ومستفيدين من التضحيات.

في لبنان رفعت بعض القوى السياسية من قيمتها ونصبت نفسها حكما وقاضيا على بقية الشعب اللبناني. ذلك أن هذه الفئة من الناس تحسب نفسها أفضل من غيرها لأنها بذلت من دم أبنائها في الحروب والمقاومات. وكان من نتيجة هذا التفريق أن تحول لبنان إلى فئتين: فئة تحسب نفسها أعلى من المواطنة والالتزام تحت حد القانون، وفئة أخرى تعامل كما لو أنها أقل من أن يحق لها أن تطالب بحماية القانون.

ولو حدث أن الثورة السورية انزلقت إلى هذا المنزلق الذي يحث على ولوغه العنف الذي يمارسه النظام، فقد تغامر في أن تفقد كل أسباب منعتها ووحدتها، وتتحول إلى شبيه للنظام الذي تعترض على جوره.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى