سلميّة.. سلميّة.. إلى شبابنا الكرد السوريين.. مع المحبّة والانحناء لقاماتكم
هوشنك أوسي
قبل ثلاثة أعوام تقريباً، كثيراً ما انتقدت الأحزاب الكرديّة السوريّة، عبر مراجعات مستفيضة، أزعم أنها كانت سبّاقة إلى إفساح المجال أمام الكثيرين من الكتّاب والمثقفين لأن يحذو حذو المراجعات النقديّة تلك، بشكل حازم وصارم، وبكثير من الجدّة والجسارة. ولا زلت وسأبقى أوجّه النقد اللاذع إلى الحراك السياسي الكردي، ما استطعت إلى ذلك سبيلاً، في حال اصرار هذه الأحزاب على العوم في بِرك البؤس والتخبّط والميوعة والتهافت على اجترار المجترّ، والمضي في ذهنيّة الإذعان والاستجداء والتوسّل والتسوّل السياسي من النظام الحاكم، والتعويل عليه، بشكل أو بآخر، ومطالبة هذه الأحزاب لنظامٍ فاسد، بإصلاح نفسه، دون أن تصلحَ هي حالها.
لكن، والحقّ يقال: بإنه، على علل ومثالب وعيوب وقبائح هذه الأحزاب، إلاّ أنه ثمّة خصلة جد ممتازة وإيجابيّة تمتاز بها عن الحراك السياسي في كردستان الشماليّة والجنوبيّة، على حدٍّ سواء. ومفاد هذه الخصيصة الرائعة، هو أن حالات الشقاق في الحراك الحزبي الكردي السوري، لم تنتج ظواهر إسلاميّة سياسيّة كرديّة، تستلهم من فكر البنّا أو المودوي، نماذج من “جماعة الإخوان المسلمين” أو “حزب التحرير الإسلامي”. وبقيت الأحزاب الكرديّة، رغم قبليّتها، محافظة على النسغ العلماني فيها، سواء أكانت ذات توجّه قومي _ يساري، أو قومي _ يميني. لكن، يبدو لي أنه ثمّة مساعي حثيثة نحو استثمار الدين في الانتفاضة السوريّة، أو السعي نحو أسلمة الانتفاضة. ويتسرّب ذلك رويداً إلى جسد الحراك الشبابي الكردي السوري أيضاً، بشكل بطيء وناعم وسلس، خلال هذا الحراك الذي تشهده المدن الكرديّة بغربي كردستان. وإذا انزلقت الحال بالشباب الكردي أكثر نحو المظاهر الإسلاميّة، سواءً الانطلاق من أمام الجوامع، وترديد الشعارات الإسلاميّة بكثرة، انسجاماً مع المدن السوريّة الأخرى، تحت شعار وحدة الحال، على صعيد الشكل والمظاهر في تسيير المظاهرات الاحتجاجيّة، هذا الأمر، بالغ الخطورة، وسيكون له تبعات عميقة في جسد المجتمع الكردي السوري. وأقلّ ما يقال فيه، بأنه بداية بذر بذور الإسلام السياسي في غربي كردستان. وبالتالي، هنالك من يحاول جرّ الحراك الشبابي الكردي السوري إلى هذه الدوامة، ما يعني أنه ثمّة أخطار حقيقيّة محدقة تتهدد مستقبل المجتمع الكردي، على النخبة الكرديّة الثقافيّة والسياسيّة، وبخاصّة الشبابيّة الكرديّة السوريّة التحسّب لها، والحؤول دونها، وإبطال مفاعيها، بأقصى سرعة.
وقد يسأل سائل: كيف؟. والردّ بسيط، وسبق أن قلته في مقالات سابقة. وهو: عدم الاقتصار على التظاهر في يوم الجمعة وحسب. وإذا كانت المظاهرة في يوم الجمعة، يجب عدم الانطلاق من أمام الجوامع. ثمّ أنه يمكن للشباب الكرد ابتكار مظاهر عصيان مدني سلمي، جد راقيّة، منها ما يأخذ الشكل الاعتصامي الدائم. ومنها على سبيل المثال لا الحصر، يمكن أن يأخذ شكل نصب خيمة في قامشلو، وتقديم دورات تعليم للغة الكرديّة بشكل علني، مع تغطية إعلاميّة جيّدة، ومطالبة النظام بالاعتراف الدستوري باللغة الكرديّة كثاني لغة في البلاد، وإدراجها ضمن للغات التي تدرّس في مناهج التربية والتعليم، كل جانب الانكليزيّة والفرنسيّة والروسيّة…
هنالك قوى، باتت معروفة ومشكوفة، لمن يريد ذلك، تحاول جرّ الحراك الشبابي للتصادم الدامي مع النظام، بغية جرّ المجتمع الكردي إلى دوّامات الدم الدائرة في سورية. ربما لا يعرف الشباب الكرد حقيقة بعض الذين يطرحون أنفسهم على أنهم قادة الاحتجاجات الشبابيّة الكرديّة وناطقين بأسمها، والقوى التي تقف خلفهم، ومدى قذارة هؤلاء التجّار!. فثمّة من يطرح نفسه في بلاد المغترب الأوروبي أو الأمريكي على انه من أقطاب ورموز المعارضة، إلاّ أنه في واقع الحال، “شقفة” مرتزق، يقبض الأموال من هذه الجهة او تلك، ويرسل النذر اليسير إلى بعض خلايا الشباب، بغية تمويل الحراك الشبابي الكردي، ويضع الباقي في جيبه. ثمّة من كان يعمل في تهريب البشر إلى أوروبا، وصار الآن من أعلام الثقافة والسياسة الكرديّة المعارضة، ويطرح نفسه في هذا المحفل المشبوه أو ذاك، على أنه “الاسكندر” الذي سيفتح سورية، ويقتلع طغمة الأسد من جذورها. وربما أن قاطعات واسعة من الشباب الكردي، لا تعلم ذلك، وهي بالفعل؛ مغرر بها.
لقد بدأت تنكشف تباعاً خيوط اللعبة، وأحجام اللاعبين وهويّاتهم وخلفيّاتهم، من آل صنقر، إلى آل الأسد إلى آل الاخوان المسلمين، إلى آل رجب طيب أردوغان…، من الشبيحة الأسديّة إلى الشبّيحة المضادة لها… وهكذا دواليك. والخشية الكبرى أن ينجرّ شبابنا الكرد المتحمّس إلى بعض ألاعيب هؤلاء “التجّار” و”المرتزقة” و”مرتزقة المرتزقة”…!. وحسب ما وصلت إلى كاتب هذه السطور من معلومات من داخل قامشلو، أن بعض من “رموز” المظاهرات الشبابيّة الكرديّة، تخطط للإيقاع بالمناطق الكرديّة في دوّامات العنف، واستجلاب دبابات النظام السوري إلى شوارع قامشلو والدرباسيّة وعامودا وسريه كانيه. وهذا المسعى الخطير، والذي ليست لانتفاضة شباب الكرد أيّة مصلحة فيه، لا يخدم سوى مصلحة تلك القوى الخفيّة والظلاميّة، التي تجلس في غرف إدارة الأزمات في بيروت وبعض المدن الأوروبيّة، ترسل الأموال لتحطيم تماثيل الأسد والأبن، لقاء أجرٍ مدفع، قدره كذا وكذا!. وحين يقرأ بعض هؤلاء هذه الأسطر، سيعرفون أنفسهم فوراً، وأن بطانتهم باتت مفضوحة.
وهنا، أطالب للشباب الكردي بأن يواصل انتفاضته، والحرص، كل الحرص بأن تبقى سلميّة.. سلميّة. وأن يقطعوا دابر كل دسيس خسيس، يسترخص دماء الشباب الكرد، لخدمة مصلحة جهات، لا تقلّ قذارة عن النظام السوري.
أملي في الشباب الكردي السوري، أن يوسّع من دائرة نشاطاته الاحتجاجيّة، وأن يمضي بالحراك السياسي والثقافي الكردي إلى المزيد من الحيويّة والألق الثوري الناضج والواعي، اللاعنفي. وأن يكون يقظ، تمام اليقظة، أمام محاولات بعض المستنفعين من هذه الانتفاضة، من تجّار الكلام وباعة الضمائر.
أملي في الشباب الكرد بأن يجعلوا كل يوم من أيّام الأسبوع إلى يوم “حماة الديار”، وليس يوم الجمعة وحسب. أملي في الشباب الكردي بأن يكونوا حماة الانتفاضة والوطن والقضيّة الكرديّة والقضيّة الآثوريّة والسريانيّة والأرمنيّة والعربيّة…، في الإصرار حتّى النهايّة، على سلميّة الانتفاضة. سلاح الشباب هو الإيمان بالحريّة والوطن الحرّ والمواطن الحرّ. سلاحهم، حبّهم لوطنهم السوريّ وهويّتهم الكرديّة، وتراثهم الإنساني. وليكن منطلق مظاهرة يوم الجمعة، من أمام مقرّ المنظمة الآثوريّة الديمقراطيّة في سورية، وليس من أمام جامع قامسو. ليحمل المتظاهرين المسلمين الاناجيل والصلبان، ويحمل المتظاهرين المسيحيين القرآن. وليحملوا العلم السوري والاعلام الكرديّة والآثوريّة، ويرددوا: سلميّة.. سلميّة.