سليم إدريس: اللواء الذي كسب ثقة الغرب
رئيس هيئة أركان الجيش السوري الحر يسعى لنقله من مرحلة الكتائب إلى مرحلة الجيش النظامي
جريدة الشرق الاوسط
يمثل اللواء سليم إدريس، رئيس هيئة أركان الجيش السوري الحر، الوجه الحسن للثورة السورية الساعية إلى إسقاط نظام الرئيس بشار الأسد، مقابل وجه آخر أخاف الغرب يتمثل في جبهة النصرة وغيرها من التنظيمات الإسلامية الراديكالية التي نبتت في سوريا بعد اندلاع الأزمة واستطالة عمرها.
ففي مقابل النفوذ العسكري الكبير لهذه التنظيمات، وضعف قيادات الجيش الحر، كان سليم إدريس خيارا ثالثا انتصر في مؤتمر المعارضة المسلحة في أنطاليا، رغم قصر المدة التي فصلت انشقاقه عن النظام، وعن ترؤسه المعارضة المسلحة، والتي لم تزد على 6 أشهر فقط.
وقد لمع نجم إدريس بعد نجاحه في قيادة الجيش الحر إلى مرحلة جديدة، بعد أن استطاع النفاذ إلى مراكز القرار الدولي، وحصوله على الاعتراف ووعود التسليح. لكن مهمة إدريس لا تبدو سهلة، في وسط تجاذبات دولية وإقليمية ومحلية تعصف بالمعارضة السورية سياسيا وعسكريا، فهو مضطر إلى مواجهة الزعماء المحليين الذين يحاولون أن ينشئوا لهم موطئ قدم في الأراضي السورية، بالإضافة إلى «المواجهة الحتمية» مع الإسلاميين الراديكاليين.
ويسعى إدريس بشدة إلى تنظيم المقاتلين، ونقلهم إلى مرحلة الجيش النظامي بدلا من مرحلة الكتائب القائمة حاليا، مطمئنا الغرب والعرب بأن العسكر لا يريدون السلطة بعد إسقاط النظام، متعهدا بإعادة كل قطعة سلاح يحصل عليها إلى من قدمها وفق أرقام متسلسلة. وقف إدريس بلباسه العسكري المرقط أمام البرلمان الأوروبي مخاطبا برلمانيي الاتحاد بكل ثقة طلبا لدعم عسكري ولوجيستي لجيشه الناشئ الساعي إلى إسقاط نظام الرئيس بشار الأسد، وهو يحظى على ما يبدو بثقة الحكومات الغربية لدرجة أن الإدارة الأميركية برئاسة باراك أوباما تراهن عليه كما قالت صحيفة «واشنطن بوست»، وتعتبره قادرا على بناء جيش متماسك من المعارضة بإمكانه إلحاق الهزيمة بنظام الرئيس السوري بشار الأسد والتصدي للجماعات المتطرفة وبالتالي المساعدة في بناء دولة سوريا جديدة مستقرة. ووصلت الصحيفة إلى حد وصف إدريس بأنه «حجر الزاوية في استراتيجية الإدارة الأميركية الجديدة، حيث إن مواقفه المسؤولة والمعتدلة كانت العامل الذي جعل الإدارة تراهن عليه».
وكان إدريس قد وجه رسالة إلى الرئيس الأميركي قال فيها: «أتفهم سيدي الرئيس الأسباب التي تقف وراء حذرك الشديد بشأن التدخل في سوريا، ونحن بحاجة ماسة إلى دعمكم سواء من حيث المساعدة المالية والعينية أو التدريب، أو تزويدنا بمعدات متقدمة تساعدنا على تقديم الدليل على استخدام نظام الأسد الأسلحة الكيماوية وللتصدي للآثار الهمجية الناجمة عن ذلك». وختم إدريس رسالته قائلا: «ربما كان الأمر الأكثر أهمية أن سوريا الحرة المستقبلية لن تكون بحاجة إلى أسلحة دمار شامل، بل إلى التخلص من الأسلحة الكيماوية، التي لا معنى لها والتي يمتلكها الأسد».
يتحدر اللواء سليم إدريس من قرية المباركية الواقعة شرق محافظة حمص، انخرط في السلك العسكري النظامي في وقت مبكرا من حياته وتابع تحصيله العلمي في العلوم العسكرية في موازاة تدرجه في الرتب العسكرية فحصل على شهادة دكتوراه في اختصاص «الردارات الإلكترونية». وبات محاضرا في أكاديمية الأسد العسكرية في حلب ومدير معهد الهندسة فيها، إضافة إلى وصوله إلى رتبة لواء. عمل إدريس في مجال تأليف الكتب المتخصصة بالعلوم العسكرية حيث وصل عدد مؤلفاته إلى 12 كتابا معظمها عن المعالجات المنطقية. وأشرف على مشروع تحديث مؤسسة مياه حلب بسبب خبرته في مجال الاتصالات والمعلوماتية. لا ينتمي إلى أي حزب أو تيار سياسي، إضافة إلى إتقانه خمس لغات أجنبية، بينها الإنجليزية الأمر الذي سهل عليه إلقاء خطابات في الكثيرة من المحافل الدولية كالاتحاد الأوروبي.
إنشق إدريس في 20 أغسطس (آب) 2012 بتسهيل من الجيش السوري الحر حيث انتقل مع عائلته، المكونة من زوجته و3 أولاد، إلى تركيا ليعود بعدها إلى الداخل ويعمل في مناطق ريف إدلب وحلب، حيث تم انتخابه رئيسا لهيئة أركان الجيش الحر في 7 ديسمبر (كانون الأول)2012.
ويتسم اللواء إدريس، الذي درس الهندسة في ألمانيا بآرائه المعتدلة البعيدة عن أي نفس طائفي. وهو يعادي جبهة النصرة حسب ما قال لصحيفة «واشنطن بوست»، مشيرا إلى إنه أمر رجاله بوقف التعاون معها.
وكرر تصريحات سابقة أعلن فيها استعداده للتفاوض بشأن الانتقال السياسي مع قادة عسكريين في جيش النظام، على ألا تكون أياديهم ملطخة بدماء المدنيين. كما أبدى اللواء إدريس استعداده للقاء المسؤولين الروس. وقال: «إذ كانت لديهم مصالح فإننا سنناقش الدور الروسي في المستقبل وسنكون إيجابيين جدا». الأمر الذي دفع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف للتعليق فورا «مستعدون للتفاوض معه».
إلا أن مصادر في المعارضة السورية تنظر بحذر وريبة إلى قبول روسيا دعوة إدريس إذ يشير عضو الائتلاف الوطني المعارض وممثله الدبلوماسي في أميركا، نجيب الغضبان إلى أن الروس دائما يناورون في الموضوع السوري. ويرفض الغضبان حصر مهمة إدريس بالتفاوض مع الروس فالرجل كما يؤكد عرف كيف يخاطب الغرب وتحديدا الولايات المتحدة ما جعله مصدر ثقة للقيادات الغربية. ويضيف: «لقد قدم إدريس وجهات نظر تطمئن العقل الأميركي السياسي ومنها نيته تكوين جيش وطني محترف يتبع لقيادة سياسية يكون ولاؤه الرئيس للوطن وليس للنظام. إضافة إلى تأكيده على رفض انضمام جبهة النصرة الإسلامية والجماعات الجهادية المماثلة في تركيبة الجيش الحر حيث أكد في أكثر من مقابلة له أن الفكر التكفيري خطر على سوريا أكثر مما هو خطر على الآخرين.
ويوضح بالنسبة للواء إدريس مواجهة الجماعات الجهادية ضرورة حتمية لكن ذلك لا يحدث إلا بدعم القوى العسكرية المعتدلة وهذا ما أكده أكثر من مرة أمام قادة غربيين.
ويسعى إدريس إلى تشكيل نواة حقيقة لجيش تحدد له مهمات راهنة ومستقبلية إذ سبق له أن أكد عزمه تجميع قوى قوامها 30 ألف جندي من المنشقين عن الجيش السوري لتأمين حقول النفط وصوامع الحبوب ومخازن القطن فضلا عن نقاط العبور على الحدود التركية العراقية. وبحسب اللواء إدريس فإن، «العالم سيتعامل مع هذه القوة على أنها مركزية لحماية الموارد الوطنية وليست مجرد مجموعة معينة لبيع النقط».
ويؤكد الغضبان أن «الأميركيين يحبذون التعامل مع مؤسسات وليس مع أفراد، ووجود إدريس حاليا على رأس المجلس العسكري الأعلى شجعهم على التعاطي معه»، مشيرا إلى أن مواقف إدريس المتوازنة حيال الكثير من القضايا التي تشكل هواجس بالنسبة للأميركيين أعطته مصداقية عالية عندهم، مثل قضية الأقليات التي طرحها اللواء إدريس أكثر من مرة مشددا أن جيشه سيضم جميع الشرائح والطوائف ولن يحمل لونا مذهبيا محددا. ويلفت الغضبان إلى أن إدريس لديه نظرة استراتيجية بسبب حيازته على شهادات جامعية في العلوم العسكرية تجعله يفهم طبيعة العلاقة بين العسكر والمدنيين بحيث تكون القيادة العسكرية تحت سقف القرار السياسي الوطني. ورغم هذه الثقة التي يحظى بها إدريس من جانب الغرب فإن أصواتا داخل الجيش الحر تمثل نواته التأسيسية الأولى تنظر إلى الرجل بطريقة مختلفة، إذ يؤكد أحد الضباط من الذين شغلوا مناصب قيادية في الجيش السوري الحر خلال المراحل الأولى لتأسيسه أن سليم إدريس هو نقطة تقاطع مصالح أجهزة الاستخبارات العربية والإقليمية والدولية، قائلا، إن الرجل يتلقى التعليمات هو وأركان هيئته من الأجهزة الاستخبارتية دون أن يمتلك حق الاعتراض على أي قرار مهما كان حجمه. ويميز الضابط المنشق بين من يسميهم «الثوار الحقيقيون» الذين يمثلهم العقيد رياض الأسعد وعبد الجبار العكيدي ومالك الكردي وأحمد حجازي وعارف الحمود وبين أولئك الذين أجبرتهم الظروف على الانشقاق ومنهم سليم إدريس، لافتا إلى وجود سنة كاملة تفصل بين إعلان رياض الأسعد انشقاقه وبين إعلان سليم إدريس انشقاقه، قائلا: «لقد كان الأخير يقاتل إلى جانب النظام بينما كنا نحن نجاهد لرص صفوف الكتائب المقاتلة بهدف إسقاط النظام».
ويؤكد أحد الضباط في الجيش الحر، أن «إدريس ضابط مهندس أي أنه ينتمي إلى الجناح التقني في العلوم العسكرية وليس إلى الجناح التخطيطي القتالي الميداني ما يجعله في موقع غير مناسب». ويضيف المصدر ذاته أن «شخصية اللواء ضعيفة يمكن تسييرها حسب أهواء الجهات الممولة للثورة وهذه ليست من صفات القادة الذين تطمح الثورة السورية بالسير خلفهم لتحقيق أهدافها». وعن آلية انتخاب إدريس، قال المصدر: «لقد كان الهدف إزاحة الضباط الذين يحملون الفكر الثوري وإحضار من يخضع لضغوط وابتزاز الدول الكبرى، في هذا المناخ تم انتخاب سليم إدريس وفرضه على الثورة» ويتابع: «لقد كان إدريس حصيلة التدخل المخابراتي الشامل بشؤون الثورة السورية».
وكان إدريس قد انتخب رئيسا لهيئة الأركان في الجيش السوري الحر، في ختام اجتماعات مطولة عقدها في مدينة أنطاليا في تركيا ممثلون عن مختلف فصائل المعارضة السورية المقاتلة في الداخل، فيما استبعد قائد الجيش السوري الحر العقيد رياض الأسعد ومنح «مكانة تكريمية».
وجاء انتخابه بأغلبية الأصوات، فيما فاز العقيد مصطفى عبد الكريم بموقع معاون الرئيس، والعقيد عبد القادر صالح كمساعد لرئيس الأركان. ووصل عدد المشاركين آنذاك، إلى 550 يمثلون مختلف الفصائل المقاتلة داخل سوريا.
ويحمل الضابط السابق في الجيش الحر الذي يعيش حاليا في أحد المخيمات في تركيا دون أن يشغل منصبا عسكريا هيئة الأركان التي يرأسها إدريس مسؤولية التراجع الميداني من جانب المعارضة، مشيرا إلى أن أسباب التأخير تتعلق بعقلية إدريس التي تميل إلى التنظيم أكثر مما تشتغل بالتخطيط العسكري على الأرض. ويكشف المصدر أن اللواء إدريس عين 4 مساعدين له مدنيين ليس لهم خبرة في المجال العسكري، منهم عبد القادر الصالح وحمزة الصالح إضافة إلى أن مجلس الدفاع الأعلى يضم 21 مدنيا. ويضيف: «وجود مدنيين أمر غير سليم في القيادات العسكرية وإذا كان لا بد من الاستعانة بهم، فإن ذلك يتم بغرض المشورة والنصح لا أكثر». ويوضح المصدر أن «هيئة الأركان الحالية ليست بنية عسكرية قائمة على أساس مهني بقدر ما هي خليط من العسكر العديمي الخبرة والمدنيين».
ويأخذ المصدر العسكري السابق على إدريس قبوله الترفيع العسكري إلى رتبة أعلى ليصبح لواء، معتبرا الأمر مخالفة لقواعد التدرج المناصبي داخل المؤسسة العسكرية، كما يجزم بأن اللواء سيفشل في تشكيل جيش وطني يسقط نظام الأسد ويساعد على تمرير مرحلة انتقالية، مشيرا إلى أن كتائب كثيرة لا تخضع لهيئة الأركان بسبب مصادر تمويلها إضافة إلى أن جماعة الإخوان المسلمين تقوم بتجنيد ضباط وجماعات عسكرية كي تضمن لنفسها وجودا عسكريا في مرحلة ما بعد سقوط بشار الأسد.
في المقابل، يشير الناطق باسم هيئة الأركان العليا في الجيش السوري الحر العقيد قاسم سعد الدين إلى أن اللواء سليم إدريس يملك حسا وطنيا وقوميا إضافة إلى كفاءته وخبرته العسكرية وثقافته العالية وتمكنه من اللغات الأجنبية ما يجعله شخصا مناسبا في موقع مناسب. ويسخر سعد الدين من مقولة أن إدريس يميل في تفكيره إلى التنظيم وليس إلى القيادة الميدانية، معتبرا أن رئيس هيئة الأركان يتابع التفاصيل الميدانية بنفسه ويعطي التعليمات بشأنها، مشددا على أن حيازة إدريس على شهادة في العلوم العسكرية وتخصصه في الهندسة ليس نقصا في تاريخه العسكري على العكس هو مكسب له، حيث يتم ردم الفجوة بين التنظير العسكري وتطبيقه في الواقع. ويشدد سعد الدين على أن لدى اللواء إدريس رؤية استراتيجية لتكوين جيش مهني محترف غرضه تحرير البلاد وتأمين وصولها إلى الديمقراطية الفعلية. وعن تأخر انشقاقه، قال: «اللواء كان يدرس في أكاديمية الأسد مواد متعددة في العلوم العسكرية ومع بداية الثورة صار يشعر بضرورة الانشقاق وضميره لم يعد يسمح بالمتابعة، لكن الظروف لتأمين ذلك أخذت وقتا.
وينفي سعد الدين أن يكون إدريس تابعا لأي جهة عربية كانت أو دولية، مشيرا إلى أن الرجل يسعى لتنفيذ إجراءات لصالح الشعب السوري، ويضيف: من ضمن مهام اللواء التواصل مع الدول الداعمة للثورة السورية من أجل تنسيق سبل الدعم وطرقه، فهل يعتبر ذلك تابعية؟ وبخصوص الرتبة العسكرية التي تم ترفيع إدريس ليشغلها فيصبح لواء بدلا من عميد، قال: «هذا أمر ثانوي وعابر أمام المهام التي تنتظرنا من تحرير البلاد وإقامة جيش قوي ودولة ديمقراطية».
الشرق الأوسط