صفحات الحوار

سميح شقير: لست مهتماً بخلود الأغاني بل بخلود المعاني.. فلتأتِ الحرية


ألّف أغنية «يا حيف» ودموعه لا تتوقف عن الهطول

راشد عيسى

يسجّل للمغني والموسيقيّ السوري سميح شقير أغنيته «يا حيف» كأول عمل فني واكب الثورة السورية وهي بعد في أيامها الأولى، لكن ليس هذا فقط إنجاز الأغنية، فقد انتشرت الأغنية، كما الثورة ذاتها، وتحول عنوانها إلى لافتات أو أحرف ضخمة مرسومة على حيطان التظاهرات. إلى حدّ باتت الكلمة نفسها «يا حيف» كما لو أنها ابتكاره الخاص. وبالقدر الذي أعطى سميح للشارع مع تلك الأغنية، عاد في أغنيته، التي أطلقها منذ أيام، والتي حملت عنوان «قرّبنا» ليأخذ من الشارع أجمل هتافاته لتصبح جزءاً من الأغنية.

كان سميح شقير على وشك أن يغادر عالم الأغنية السياسية الملتزمة، التي طبعته على مدى عقود، لكن يبدو أن قدر شقير هو أن يعود مرة أخرى. فقد جاءت الثورة، وعصفت بما يسميه «إحساس الجاز» الذي بدأ يلون موسيقاه. لكنه هذه المرة لن يطيل المكوث.

[ عند إنجازك لأغنية في وقت الثورة لا بد أن هناك أهدافاً مباشرة تتوخاها من وراء الأغنية؟ مثل أن تكون الأغنية في الشارع في اليوم التالي؟ هل كان هذا بذهنك وأنت تنجز أغاني الثورة؟

ـ هذه لغة سياسية؛ أهداف ووسائل.. إلى ما هنالك، بينما لغتي أبسط من ذلك، قد تكون أعمق لكنها أبسط أيضاً، فأنا لا أفكر بأهداف على الأغنية أن تبلغها، ونادراً ما يأتي في بالي الآخر، المتلقي لأني أكتب وألحن وأنا تحت تأثير مشاعري التي أحاول تحريرها وإطلاقها على شكل عمل فني، وما يهمني هو الوصول إلى خلق فني يعبر عن ما يشغل روحي، لذا عليّ أن أكون أول الواقعين في غرام هذا الكائن، فإن لم يحدث ذلك فإني أمزق ما كتبت.

[ هل ترى أن الأغنية اليوم هي فعل موسيقيّ أم تعبويّ؟

ـ أرى أنها تحتمل الاثنين معاً، بل الأجمل الآن أن لا يفترقا كي لا يفترق الفن عن مبرر وجوده، وهو الدفاع عن الجمال في أي ركن يتعرض لما هو أكثر من مجزرة.

لا شكّ أن تجربة «يا حيف» كانت درساً بالنسبة لك بخصوص العلاقة مع الشارع؟ هل فاجأك تبني الشارع للأغنية؟

ما فاجأني هو المدى الذي قطعته هذه الأغنية بعلاقتها مع الشارع، وعلوّ المكانة التي أفردها لها، إلا أنني كنت توقعت أن يكون تأثيرها شديداً لأن دموعي لم تتوقف عن الهطول طوال وقت تأليفها، والذي لم يكن وقتاً طويلاً، لأن موضوعها، على واقعيته، يحمل تراجيديا حارقة لمصائر بشر يعنون لنا الكثير. فهم أهلنا وإخوتنا ومستقبل وطن لا نملك سواه. ولكن عملاً فنياً يأخذ كل هذا الاهتمام لا بدّ أن يعرّضك لضغط غير مسبوق؛ فماذا يمكن أن تفعل بعده؟ لأن أي مقارنة سيكون وقعها قاسياً، لأنها كانت استثنائية بسبب ظروف ولادتها التي لا تتكرر.

[ كيف كنت تشعر حين كنت ترى كلمة يا حيف على لافتات أو حيطان التظاهرات؟ هل شعرت بأن هذه المفردة ملكك؟ تخصك؟

ـ كنت أشعر بأني أزلت الغبار عن مفردة متوهجة بالمعنى، مفردة تختزنها الذاكرة الجمعية، ولا تمرّ من دون أن تترك أثراً، مفردة حميمة، قديمة، كل ما في الأمر أنني أعدت توظيفها جمالياً كصرخة في وجه القساة والمتوحشين، لا شك أني أعتز بإعادتها للتداول.

تظاهرة موسيقية

[ إلى أيّ حدّ ينتمي أسلوبك في أغنيتك الجيدة لتراث هذه المنطقة؟

ـ أحس أنني استطعت أن أجدد بأسلوبي من خلال أغنيتي الجديدة «قرّبنا»، رغم بساطة الآلات المستعملة. الجملة الموسيقية في البداية هي بصوت الفلوت، ولقد أحسست أن هذا اللحن، بهذا الصوت، يشبه الحرية حقاً. وتتداخل أصوات الجموع مع النداء المنفرد ليشكلا «تظاهرة موسيقية» تحمل نداء الجموع وتأخذنا إلى حلم جميل نوشك نصنعه.

أنا أرى أن لها علاقة ما بالتراث، ولكنها تحلّق في فضاء خاص بها، وترسم علاقة ما مع ما هو كونيّ. سماء مفتوحة نحو ألم لأناس تألموا مثلنا. شيء ما يوحي بوحدة الألم الانساني، وبإيحاءات الحرية، كأنما فيها مشاركة ما لآخرين يشبهوننا في الحلم.

[هل فكرت بالتوجه بعمل غنائي إلى أهل مدينتك، السويداء؟

ـ أهل السويداء لا تنقصهم أغاني الثورة، فالطفل منهم يفطم على الجوفيات والأهازيج التي تلهب الحجر. أغنيات الثوار الذين أنجبوا مع رفاقهم في أنحاء سوريا مجد الاستقلال. وهم لا تنقصهم النخوة فهم أهلها، ولا تنقصهم الشجاعة فهم من أساطيرها. سأقول لك شيئاً.. أنا أظنهم تأخروا فقط .. لكنهم قادمون.

[ أنت أخذت من الشارع بعض الهتافات؛ «سوريا بدها حرية»، «الشعب السوري ما بينذل».. هل تجد خطراً على الأغنية في دخول الهتافات اليها؟

ـ عن أي خطر نتحدث! هناك خطر أوحد ووحيد هو أن لا يبلغ الشعب غايته، وكل ما من شأنه أن يشدّ من عزيمة الناس هو رائع بالضرورة. قد تقول لي بأن أغنية كهذه لن تعيش طويلاً، وسأقول لك فليكن، لست مهتماً بخلود الأغاني، بل بخلود المعاني. فلتأتِ الحرية، وعندها ستكون كشجرة لن تكف عن إطلاق عصافير الأغاني التي ولدت لتطير وتبقى. أما أغاني اليوم فقد ولدت لتشقى.

طائرات ورقية

[ تعمل اليوم بأسلوب مختلف، من صورة المغني في الساحة بين الجماهير، وفي إطار فرقتك وعالمك الذي كوّنته خلال سنوات. اليوم أنت بعيد عن كل هذا، كيف تشعر إزاء ذلك، كيف تتدبر أمرك بعيداً عن فرقتك، وعن رفاق العمر من الموسيقيين؟

ـ أنا منذ أتيت إلى هنا، منذ سنة ونصف شكّلت فرقة مصغرة، وأعدت التوزيع الموسيقيّ بما يتناسب مع تشكيلة هذه الفرقة، وكتبت مجموعة من الأعمال الجديدة، وأدخلت فيها إحساس الجاز، وقدمت عدداً من العروض في فرنسا وألمانيا والنمسا وفنلندا والسويد وغيرها. بالطبع ثمة مرحلة جديدة موسيقياً، ولكن على وقع الثورات العربية سارعت إلى الالتحام بأجواء هذه الثورات وغنيت لها ضمن ظروف فقيرة إنتاجياً، ولكنها حارة ومواكبة. وما زلت أقدم بهذا الأسلوب وأرفع أغنياتي الجديدة على اليوتيوب. إذاً هناك ما هو مختلف في هذه الفترة بالتأكيد، فالجماهير التي اعتدت أن أغني لها ليست هنا، لذا أبعث لهم بأغنياتي كطائرات ورقية عليها امضاء محبتي لهم.

(دمشق)

السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى