صفحات الرأي

سمير عبده الدمشقي: مسيحيون لكن عرباً


رسالتان سماويتان تشوّههما ممارسة جماهيرية

    وضاح يوسف الحو

الدكتور سمير عبده مؤرخ وباحث عميق ومطارد اختراقي لغوامض الأشياء من مواليد دمشق وسرياني المذهب. في مراحل من حياته التقى الفيلسوف الانكيلزي برترندرسل وترجم له الى العربية بعض الاعمال. جريء سمير ووطني قح لهذا يقول كلمته الصريحة والمباشرة حتى ولو اضطره الأمر الى انتقاد سياسات حزب البعث العربي الاشتراكي، وله في هذا المجال عدة كتب صاغها بوطنية مفرطة، وعدم انتهازية أو مداهنة او “تفكير بلطجي” لأنه يريد الخير لوطنه سوريا (خليفة إمارة غسان السريانية) ويعتبر نفسه صديقاً لنظام سياسي في حاجة الى الكثير من الاصلاحات، مع الاشارة الى أن مسيحيي إمارة غسان السريانية هي الأساس في قيام دولة الأمويين.

آخر أعمال الدكتور سمير عبده مؤلفه الصادر حديثاً في بيروت بعنوان: “المسيحيون العرب الى اين؟ وجهة نظر” لأن موضوعة المسيحية في هذا الشرق أكثر من مهمة، وأكثر من ملحاحة، لأن مشروع مسيحنا الارضي أو البشري للتغيير هو الاساس قبل ماركس وبعده، إذ كان يسوع واضحاً جداً وجريئاً ومباشراً في خطبة الجبل: “طوبى للجياع، طوبى للعطاش، بع مقتناك واتبعني، لا تكنزوا لكم كنوزاً في الأرض، لا تعبد ربين”. في هذه النداءات الثورية كأني أقرأ ماركس: السلطة للعمال، تأميم المصانع والمعامل الكبرى، لكل حسب حاجته، والانسان صديق لاخيه الانسان.

وكمسيحي سرياني يرصد سمير عبده حالات التهديد والقتل والمضايقة المعيشية مع اهدار حقوق المسيحيين كمواطنين. يروي القنصل الروسي في دمشق وبيروت ويافا في النصف الاول من القرن التاسع حوادث اضطهاد المسيحيين في هذه المنطقة ويقول: رأيت بأم عيني في دمشق كيف أقدم الرعاع على ضرب وركل مسيحي في الشارع، أولاً لأن مشرك، وثانياً لأنه يرتدي قميصاً فاقع اللون الأبيض. والمسيحيون العرب، كما يرى سمير عبده، هم في طليعة رواد حركة التنوير وحركة القومية العربية، وممن أسس فكرة القومية العربية مجموعات مسيحية لبنانية منها: ناصيف اليازجي وابنه ابرهيم، وبطرس البستاني (الموسوعة) وسليمان البستاني (ترجمة الالياذة) وجبر ضومط وفرح انطون وأحمد فارس الشدياق ونجيب عازوري (يقظة العرب 1905). وفي طليعة كل هؤلاء جبران خليل جبران الذي كان من دعاة وحدة الأفق الشامي وقبله يوسف بك كرم وعنهما أخذ المفر الجريء انطون خليل سعادة. فمند أول كنيسة مسيحية انشئت بعد المسيح سنة 34 في أوروشليم القدس (وكانت تلقب بأم الكنائس) والمسيحيون يقدمون أنفسهم قرابين في سبيل الاستشهادي يسوع. يومها، ادارت الكنيسة الأولى كتلة الرسل (لا الكهنوت المتعارف عليه اليوم) وفي تلك المرحلة المبكرة جداً رمى اليهود راعي كنيسة أوروشليم الأولى يعقوب أبن حلفى من أعلى البرج فاستشهد وهو يصلي من أجل قاتليه، وعلى هذا المنوال استمر قتل المسيحيين واضطهادهم، وصولاً حتى اليوم في العراق او في نيجيريا. وبعد كنيسة أوروشليم تأسست كنيسة انطاكيا على نهر العاصي (75 كلم عن حلب) وفيها سمي للمرة الأولى انصار المسيح المسيحيين، وبها يتكنى اليوم كل بطاركة كنائس الشرق، طبعاً، سمير عبده لا يعتبر “الجزية على المسيحي عقوبة” لكنني أراها أكثر من عقوبة تحت عنوان “ذمي”.

تكرار الموضوع المسيحي في الشرق يحتاج الى أكثر من دراسة، ولا أظن أن ما يسمى “الحوار الاسلامي – المسيحي” سيصل الى نتيجة حاسمة، أولاً لأن انتصارات الاسلام الاولى اوقفت نمو الكرازة المسيحية، ثم إن الاسلام لن يعترف بالتثليث وان ليسوع طبيعتين: ناسوت ولاهوت. في القرآن لا ذكر لدين اسمه المسيحية او النصرانية، إنما بلغ عدد الآيات المتعلقة صراحة بالمسيحية حوالى مئة وسبع عشرة آية. وقد جاء في آية البقرة – 256: “لا إكراه في الدين” و”من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر”، وهذا دلالة على سماحة “القرآن” في حق المسيحيين، لكن واقع اليوم يختلف كثيراً، والمثقفون من كلا الجانبين ليس لهم تأثير على ملايين الجماهير الأمية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى