صفحات سورية

سنة سوريون في خدمة النظام العلوي!


غسان الامام

جمعتني المصادفات الكثيرة في حياتي بساسة عرفتهم في صغرهم، أو هم في قمة نجاحهم وشهرتهم. أغرب هؤلاء هم أولئك الذين شدهم الرئيس حافظ الأسد إلى عجلة نظامه الطائفي. مع الأسف، كان معظمهم من السنة. وقد أظهروا من الولاء! والتفاني. والاستزلام في خدمته، أكثر مما أظهره العلويون.

كان الأسد الأب يملك حاسة شم وغريزة فراسة قوية. فاختار من هؤلاء من هم الأضعف في الشخصية. والأقل في الذكاء. والحنكة. والكفاءة. ودفع بهم إلى مواقع بارزة في إدارته المحلية. وأذكر من هؤلاء محمود الزعبي الذي ظل ثلاث عشرة سنة رئيسا للحكومة. وقيل إنه انتحر. والأحرى أنه نحر (عام 2000) عندما أظهر امتعاضا من زميله عبد القادر قدوره رئيس مجلس الشعب الذي مرر خلال نصف ساعة عملية تعديل الدستور، لتوريث الابن، بعد وفاة الأب.

جمعتني المصادفة. وليس الصداقة، بوليد المعلم. كنا في مدرسة ابتدائية واحدة. كنت كلما أطللت على فصله أراه مسمّرا في مقعده. ولا يبدو أنه حي سوى تلويحه بقدميه القصيرتين اللتين لا تطالان الأرض. لم أكن أملك فراسة الأسد. لم أتوقع أن هذا الصبي الهادئ النحيل. والبليد، سيغدو يوما وزير الخارجية المكتنز بالشحم واللحم.

وزراء خارجية الأب والابن مستشارون لا يُستشارون. مجرد مساعدين. مجرد أدوات تنفيذية تجلس في الواجهة، لتتستر على وزارة تعج بالسفراء والدبلوماسيين العلويين، والشبيحة التي تتولى أمن السفارات في الخارج.

جمعتني المصادفة. وليست الصداقة، بفاروق الشرع. كنا في القسم الإنجليزي في كلية الآداب بجامعة دمشق. لم أكن أعرف أن هذا الشاب الهادئ. الصامت. المنطوي على نفسه، حزبي بعثي. فراسة الأسد الأب هي التي اكتشفت هذا الحزبي المغمور. فنقلته من مدير لمكتب الخطوط الجوية السورية في لندن، ورسمته وزيرا للخارجية لا يستشار. ولا يشير. كان الشرع كالمعلم. مجرد دمية ببغاوية تغرد عندما تستنطق. وتصمت عندما تؤمر بالصمت. ثم تأتي ركلة إلى الأعلى، ليغدو نائبا للرئيس يعمل تحت إشراف ورقابة «مساعده» المخابراتي العتيق محمد ناصيف خير بيك.

قلع ابن خالة الأسد الذي كان يدير مكتب جهاز الأمن السياسي في درعا أظافر صبية صغار. عندما احتج الآباء شتمهم. وعيّر أمهاتهم. لم يهرع الأسد إلى المدينة ليصالح أهلها. أرسل الدبلوماسي فيصل المقداد (المنافس لوليد المعلم) ليهدد أهل المدينة التي أنجبته! لم ينسحب فاروق الشرع باكرا. لم يستقل بعدما عرف أن ألوفا من أهل درعا وقرى سهل حوران قتلوا. جرحوا. أو اعتقلوا. بل تم إذلاله. أجبر على الظهور أمام «كاميرا» النظام، وهو يعزي أهل قادة أجهزة الأمن الذين قتلوا في تفجير مكتب الأمن الوطني. ثم تم استنطاقه، ليدعو إلى «حوار وطني» بات مستحيلا بين المعارضة والنظام.

لم يلوث الفساد فاروق الشرع. إنما اغتنى من الهدايا الثمينة التي تلقاها خلال زياراته الخليجية، على مدى بقائه وزيرا للخارجية عشرين سنة. في الديمقراطيات الغربية، الرئيس. والمسؤول. والدبلوماسي الذين يتقلون هدايا أجنبية يجبرون على الإبلاغ عنها، وإيداعها لدى الدولة.

أضحك ساخرا عندما أقرا وأسمع، عن المصالحة بين السوريين ونظام الأسد. ضحكت حتى كدت أقع من الضحك، عندما رشحت الجامعة العربية. ومعارضة الخارج. والدبلوماسية الغربية كوفي أنان ثم الأخضر الإبراهيمي، للتوسط بين الطرفين المتقاتلين. ثم فاروق الشرع المريض بالقلب مرشحا لرئاسة حكومة انتقالية. ومندوبا للنظام في حوار المصالحة المستحيلة.

هل المصالحة مجرد «تبويس شوارب» كما يتوهم الشرع؟ كيف تكون المصالحة متوازنة عندما تسمح لنظام فقد مصداقيته وثقة شعبه بأن يحتفظ ببضعة عشر جهازا أمنيا، تعج بالجلادين من أسرة واحدة، وبأن يسيطر على جيش من «حماة الديار» الذين دمروا مدنا وقرى، بنيت بجهد. وعرق. ودموع القرويين الفقراء، ومحدودي الدخل في قاع المدينة.

لست داعية حروب ومجازر. الواقع المرعب على الأرض يجعل المصالحة مستحيلة. كل وساطة. أو دعوة لحوار يعيد تنظيف وغسل نظام بشار، هي اليوم «باطل الأباطيل وقبض ريح». سنة النظام تتراوح بين دعوة الشرع ومناف طلاس (درة أبيه) لحوار «تبويس الشوارب»، والمعلم الذي خرج، في أرذل العمر، على السوريين شاهرا سيفه، داعيا رئيسه إلى مواصلة «التطهير». فلا حوار قبل استئصال ثورة ملايين القرويين البسطاء!

أليس من حقي كسوري مهاجر، عمل في المنافي منذ أكثر من أربعين سنة، أن أعبر عن إدانة السوريين لهذا النفاق الإعلامي الذي يمارسه الجميع؟ نبشت إيران حركة عدم الانحياز من تابوت التاريخ، بعدما أخفقت في تقديم الإسلام السياسي، كدولة ناضجة. واعية للتعامل مع العالم في سلام. كم هو مزرٍ لخامنئي وأحمدي نجاد، وهما يخطران على المسرح الدولي بأحذية ناصر. ونهرو. وتيتو، للتستر والتغطية على المشروع النووي. كل الدول التي امتلكت القنبلة المخيفة ظلت تدعي أنها تطور تقنيتها النووية للأغراض السلمية، إلى أن اخترعتها. وامتلكتها. فعلت ذلك إسرائيل. الصين. الهند. باكستان، قبل إيران.

عالم مصنوع من الرياء الإعلامي والنفاق الدبلوماسي. في هذه الفوضى، دولة نووية كإسرائيل تهدد بتأديب دولة كإيران تحاول الانضمام إلى نادي النخبة النووية.

الإسلامي خامنئي يتقمص روح حركة علمانية عالمية دعت إلى سلام عالمي قائم على تحرير الشعوب المستعبدة، فها هو أحد مساعديه ينتقد الرئيس المصري محمد مرسي، لأنه طالب بتحرير السوريين من نظام (ظالم). كيف يبدو أحمدي نجاد وخامنئي منسجمين مع الحقيقة، وهما يزعمان أن الانتفاضات العربية المطالبة بالديمقراطية «استلهمت» الثورة الإيرانية التي زيفت، لإنجاح أحمدي نجاد، عشرة ملايين بطاقة انتخابية تحمل اسمه؟

السوريون نفضوا عن سمعهم ثقافة الرغي الإيرانية المضادة للديمقراطية الغربية. لنسمع ما يقوله أهل داريا المنكوبة وحلب المدمرة: نحن نقبل بأي تدخل خارجي من أي جهة لوقف المجزرة. بعد كل مجزرة يشجع الرئيس أوباما السوريين على الصمود، بدعوة بشار المتكررة إلى التنحي. لم أعرف سياسيا مشحونا بهذا «الحياد السلبي» كهذا المثقف.

منافقة إسرائيل تقتضي من ميت رومني منافس أوباما أن يشيد «بتفوق» اليهود على العرب، في النجاح التجاري الذي كان أصلا طريقه إلى الترشح لاحتلال أقوى منصب في العالم. أما أوباما فهو يعلن أنه لن يتدخل في سوريا، ويتذرع بمختلف الذرائع لعدم تسليح المعارضة. ثم يهدد بالتدخل الفوري، إذا ما أودع بشار غازاته لدى حسن حزب الله. لا أعرف كيف يمكن السيطرة عسكريا على السلاح الكيماوي؟! هل هو بهجوم بري. أم بقصفها جويا. وفي كلتا الحالتين، فالسوريون معرضون لكارثة.

وهكذا، فالإعلام الدعائي يحكم السياسة، بنفاق لم يشهده عصر آخر. ذات يوم، وعدني محمد المقريف في لقاء معه بالمصادفة في المغرب، بقلب نظام القذافي خلال ثلاثة أسابيع. تذكرت المقريف الذي أصبح رئيسا للجمعية التأسيسية المنتخبة. فقد تحقق حلم الأسابيع الثلاثة، بعد ثلاثين سنة.

الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى