صفحات سوريةمحمد سيد رصاص

سوريا:المعارض السياسي والشارع


محمد سيد رصاص

وضع الحراك الشعبي السوري كلاً من السلطة والمعارضة في زاوية ضيقة:السلطة التي ظنَت أن صمت المجتمع السوري عن السياسة،البادىء إثر انتصارها في أحداث حزيران1979- شباط1982،سيدوم إلى الأبد،والمعارضة التي كان ناشطوها في العمل السري لثلاثة عقود،وهم لايتجاوزون بضعة آلاف،يعيشون مع صمت المجتمع عن السياسة وضعية السمك خارج الماء.

أدى هذا إلى وضع السلطة أمام قوام حراك معارض هو في وضعية عفوية يدخل أفراده لأول مرة إلى السياسة كان بالنسبة لها مثل فيضان مفاجىء لسيل لايعرف محتواه ولامساره بخلاف المعارضين السابقين الذين حفظت الأجهزة الأمنية كل شاردة وواردة عنهم،وإلى وضع المعارضين أمام حراك اجتماعي ،مثلهم مثل السلطة ،هو جديد ومجهول المعالم.

كان هذا متوقعاً بالنسبة لأغلب المعارضين الذين تعَودوا على عمل سري تحولت فيه السياسة إلى شيء أقرب فيه ل(نظرية الفن للفن)،يشتغلون فيه لأنفسهم أوضد بعضهم البعض،وغالباً كان مايجري في المحيط الاجتماعي هو بمرتبة ثانوية عندهم.في الوقت نفسه،كان أغلب المعارضين،من ماركسيين وعروبيين،هم خريجي مدارس حزبية كانت تؤمن ،في فترات”المد الثوري”بالخمسيسنيات والستينيات وقبل أن تأخذ القوى الاجتماعية لأحزابهم في التراجع والإنفضاض عن القوى المنظِمة،بنظرية الطليعة الثورية التي تقول بأن مهمة الأحزاب هي تصدير الوعي السياسي إلى المجتمع الذي “لايستطيع أفراده تجاوز حدود الوعي العفوي من دون الحزبيين الذين هم بمثابة الطليعة المنظمة لأولئك الأفراد”،وعندما دخلت تلك الأحزاب في مرحلة الجزر السياسي منذ السبعينيات بدأت تطفو إلى السطح نظريات جديدة لم تتبلور إلا مع انهيار الاتحاد السوفياتي في نهاية عام1991أصبح بعدها الكثير من الماركسيين السابقين(والمتحولون إلى الليبرالية وإلى تيميم وجههم نحو قبلة جديدة في واشنطن بوش الإبن بدلاً من الكرملين السوفياتي)يقولون ب(تنوير الجماهير)مفترضين ،في اضمار فكري،أنها في “الظلام”وأنها”أغنام”تحتاج إلى “راعي”،وهو ماكان على الأغلب مايترافق،في الأحاديث الشفوية وقليلاً في المكتوب،مع عبارات تطلق على أفراد المجتمع مثل(الرعاع)و(الدهماء)و(أسرى الظلاميين)،فيمابالتوازي مع هذا كانت كلمات(الثورة)و(الجماهير)و(الشارع)و(الشعب)تقابل بالسخرية والإستهزاء من قبل أغلب المشتغلين في العمل السياسي المعارض أومن طرف المثقفين والكتاب والصحفيين المعارضين المستقلين.

انقلبت الآية في مرحلة مابعد18آذار2011بسوريا:أصبحت أيقونات مقدسة عند هؤلاء مقولات مثل(الثورة)و(الشعب يريد)و(الشارع المتحرك)،من دون شرح أوتسويغ لالها ولالتخليهم عن مقولاتهم السابقة،والتي يتعاملون معها،وبالتأكيد مع مقولاتهم الجديدة،تماماً مثل القميص الذي يلبس ويخلع .وقد بات الأمر ،عند هؤلاء ،بحيث أصبحت السياسة والسياسيون والأحزاب تقاس بتلك المقولات وكأنها مساطر لتحديد من هو”مع الحراك”ومن “ضده”.

زاد الطين بلَةً انضمام فئات واسعة إلى العمل السياسي هم لايملكون من حرفة السياسة شيئاً،وبعضهم ،بالقياس إلى المعارضين القدماء،أصبح أقوى في الشارع المتحرك ومن القادة ،ومعظم هؤلاء أصبحوا يقودون التنسيقيات منذ حزيران الماضي.بالنسبة لهؤلاء السياسة ليست هي”فن الممكن وإدارة للممكنات لتحقيق ماتريد من برامج وأهداف”وإنما تسيطر عليهم نزعة إرادوية يظنون من خلالها أنك تستطيع في السياسة أن تضع في الشعارات والأجندات السياسية كل ماتريد بمعزل ورغماً عن التوازنات والممكنات.من هنا، بدأوا بين نيسان وحزيران2011يقولون ببرامج اصلاحية وعندما واجههم النظام بالعنف استداروا نحو شعار (اسقاط النظام)،ولما شعروا بالعجز عن تحقيق هذا الهدف اتجهوا منذ آب وتشجعاً بالنموذج الليبي نحو طلب (التدخل الخارجي)وماتفرع عنه من شعارات ومطالب مثل(حماية المدنيين)و(الحظر الجوي)و(المناطق الآمنة)و(التدخل العسكري الفوري)،وكأن القوى الدولية والاقليمية التي يطلبون منها ذلك هي مثل العامل في المقهى الذي تحدد له طلبك من قهوة أوشاي أوزهورات ،ولما اكتشفوا بأن الموضوع أبعد من ذلك وأعقد،ويتعلق بحسابات تجعل الموضوع السوري مختلفاً عن الليبي، رأينا شعارات(ليس لنا غيرك ياالله).

معظم هؤلاء أصبحوا في 2تشرين أول في مجلس اسطنبول الذي تشكَل يومذاك.هذا المجلس يضم هؤلاء مع معارضين قدماء منظمين،في (جماعة الإخوان المسلمين)و(حزب الشعب) ،زائد مستقلين من رجال أعمال وأكاديميين انضموا للسياسة حديثاً وبدون خبرة سياسية سابقة.تلك العقلية الموجودة عند المنضمين الجدد للسياسة هي المسيطرة على ذلك المجلس كمايظهر من خلال نصف سنة من عمره،ويبدو أن النزعة الثأرية ،الموجودة عند الإخوان المسلمين وعند الأستاذ رياض الترك،هي التي تتيح المجال للشعارات القصووية وفي الوقت نفسه يرى هؤلاء في طرح شعارات،يعرفون من خلال خبراتهم السياسية عدم امكانية تحقيقها،فرصة لكسب واستمالة الشارع”وملاقاته”،ولكن من دون أن يحسبوا،وهو مابان خلال تلك الستة أشهر،بأن ذلك المجلس في اسطنبول قد قاد الشارع المتحرك(من دون الشارع المعارض الصامت،وذاك المتردد)وجعله يرتطم بالحائط،حائط التوازنات الداخلية والاقليمية والدولية،وهو مازاد سوءاًمع طرح العسكرة للحراك من دون أي اعتبار أوتعلم من تجربة1979-1982التي كان فيها العنف المعارض عند الإخوان المسلمين هو الطريق السالك إلى انتصار السلطة الأمني- العسكري.

في منتصف تشرين ثاني الماضي وفي شقة بالقاهرة كان ينزل بها وفد”هيئة التنسيق الوطنية”،جرى طرح سؤال وجه للسيد بسمة قضماني ،لماأتت لتعتذر من وفد “الهيئة”الذي تعرض له بالضرب أنصار مجلس اسطنبول أمام مقر الجامعة العربية،وهو:”لماذا تطرحون شعارات تعرفون عدم امكانية تحقيقها؟”،فأجابت:”لأننا نريد كسب الشارع”.فعلاً،استطاع مجلس اسطنبول من خلال هذا كسب الشارع،ولكن بعد ستة أشهر قاد الحراك الشعبي السوري إلى الطريق المسدود وإلى انقلاب التوازنات ضده منذ (بابا عمرو) أواخر شباط الماضي،وهو ماترجم في البيان الرئاسي لمجلس الأمن وخطة كوفي عنان التي فيها عودة إلى مبادرة الجامعة العربية يوم2تشرين ثاني وليست نسخة يوم 22كانون ثاني التي فيها “السيناريو اليمني”.

قبل أشهر وفي حديث لكاتب هذه السطور مع عضو(أوعضوة في مكتب تنفيذي لتكتل معارض سوري)،قال الأخير(أوالأخيرة)العبارة التالية:”في الثورات مافي سياسة”:ماذا كان محل لينين من الإعراب في ثورة أوكتوبر1917،أواليعاقبة في الثورة الفرنسية،أوالبيوريتان في ثورة البرلمان الانكليزي ضد الملك بين عامي 1642-1649؟…..

الأخبار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى