سوريا: أزفت الحرية
حسين شبكشي
المراقب والمتأمل للنظام السوري المتآكل والمهترئ والموتور لا يملك إلا أن يقارن بينه وبين عجوز يلفظ أنفاسه الأخيرة وفي حالة حشرجة وأهله من حوله يتحدثون «عنه» في حضوره، هذا هو حال النظام السوري وهو يرى العالم الحر والمتحد ينأى بعيدا عنه ويلفظه احتجاجا على دمويته وجرائمه واستبداده بحق شعبه ويفتح الأبواب لاحتضان المعارضة الشريفة التي ستأتي للحكم بعد زوال نظام الأسد قريبا جدا. فالمجلس الوطني السوري أعلن عن نفسه، وأعلن عن برهان غليون رئيسا له، وباركت ذلك الأمر الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، وترحب بهذه الفكرة دول أخرى مثل تركيا وقطر، وتمت مقابلة رموز المعارضة السورية في كندا وجامعة الدول العربية ومصر والكويت والسعودية وروسيا ودول أخرى مهمة. بينما الوضع في الداخل السوري يزداد التهابا، فالثوار الأحرار مصممون على مواصلة احتجاجاتهم وقالوا بوضوح شديد إنهم مستمرون حتى إسقاط النظام، والانشقاقات داخل الجيش السوري اليوم أصبحت بعشرات الآلاف ولا يمكن إنكارها كما تفعل الآلة الإعلامية التعيسة والحزينة للنظام السوري.
لكن النظام السوري ما زال يحاول «معالجة» الوضع بـ«الترقيع» المضحك، فهو يتحايل على العقوبات الاقتصادية التي صدرت ضده من المجتمع الدولي بطباعة العملات محليا، فقام الآن بطباعة ورق «البنك نوت» الخاص بفئتي الألف والخمسمائة ليرة، والآن أيضا هناك تحايل على معايير الذهب في حالات البيع والشراء لجني بعض المكاسب، وكذلك الأمر بالنسبة للتعامل مع الدولار الأميركي، فهم يشترون العملة كبنوك ولكن لا مجال للبيع منها ولا يسمح للبيع إلا للفئة المقربة جدا من النظام الحاكم، كما حدث مؤخرا في حالة رجل أعمال سحب «مبلغا هائلا» بالعملة الأميركية من بنك عودة في سوريا، وهناك أحاديث كثيرة عن «تصريف» لبعض من مخزون الذهب الموجود في البنك المركزي السوري لأجل الحصول على سيولة مهمة لتصريف الآلة العسكرية القمعية والدفع للشبيحة والأمن، حيث إن معدلات المكافآت باتت تتأخر وكذلك التموين، مع عدم إغفال أن الآلة القمعية بدأت تنهك، لأنها تعمل يوميا صباحا ومساء بعد أن كانت تتأهب وتعمل فقط أيام الجمع بعد الصلاة. وهناك انشقاقات نوعية في الأجهزة العسكرية من الجيش برتب عليا ومن البحرية ومن القوات الجوية. وهناك انشقاق لضابط في الحرس الجمهوري هرب خارج سوريا وسيتم الإعلان عن اسمه الأسبوع المقبل.
حاول النظام «استغلال» التصريح البائس لبطريرك الموارنة في لبنان، الذي ذكر فيه أن «نظام الأسد هو داعم للأقليات ومانع لوصول المتشددين من السنة للحكم»، فإذا بالنظام يتلقى صفعة قوية على وجهه بانشقاق كبار مشايخ الطائفة العلوية نفسها عن النظام وبتبرئهم من أفعاله، وما أغفل بشارة الراعي في ذكره هو أن الطائفة المسيحية في عهد حكم الأسد أبا وابنا انحسرت عدديا من أكثر من مليون نسمة إلى أقل من مليون. فقد هاجروا لأسباب أمنية واقتصادية قاسية مارسها النظام بحق كل السوريين وانتشروا حول المعمورة، مما جعل بعض الشرفاء من المسيحيين السوريين يصدرون بيانا قاسيا رافضا لتصريح البطريرك ويوضحون فيه موقفهم الداعم تماما للثورة السورية.
النظام السوري كان منذ اليوم الأول للثورة السورية يصرح للعالم أنه «كفيل» بالقضاء على الاضطراب الأمني و«كفيل» بالإصلاح و«كفيل» بالكشف عن الحقيقة و«كفيل» بقمع السلفيين والمسلحين والمندسين والعملاء والجراثيم والخونة و«كفيل» بإجراء الحوار و«كفيل» بأن يكون هو المعارضة وهو البديل و«كفيل» بضمان الحريات و«كفيل» بمعاقبة المخطئ. ها هو سابع شهر يدخل على عمر الثورة ليثبت النظام للعالم أن «كفالته» لا معنى لها ولا مصداقية، وأن نظام «الكفيل» الذي روج له باطل ولا يمكن اعتماده.
الشعب السوري يطلب تغيير النظام وإسقاط الرئيس وإصدار خروج نهائي للمنظومة التي تحكمه. أزفت الحرية.
الشرق الأوسط