سوريا إلى أين ……
جهاد صالح
ما زال المشهد داخل سوريا مشتعلا ، بين تمسّك النظام بنظريته في القمع والترهيب وفرض نفسه بالقوة على الحياة السورية، من مبدأ السيادة للأقوى، وعلى الشعب الرضوخ لهذا الواقع المتوارث خلال عقود طويلة، في حين نعيش استمرار الشعب السوري بغالبيته في التظاهر والخروج إلى الشارع واصراره على اسقاط النظام سلميا، كتحدى لآلة القتل والتنكيل السلطوية التي دخلت في انتهاكاتها بحق السوريين لخانة الجرائم ضد الانسانية .
خلال الأيام الأخيرة كان اعلام النظام السوري يروّج عن انتصار القيادة على من سمتهم بالمندسين والسلفيين، وقد خرجت أصوات لبنانية من الموالين له من حزب الله وغيرهم تؤيد نظام دمشق وتروّج بدورها أوهام الانتصار، في حين كان أكثر من مائة عائلة سورية تقف على الحدود اللبنانية بحثا عن الملاذ والسلامة بعد أن هربت من مدينة تل كلخ الحمصية التي تعرضت لعملية قصف واقتحام للجيش السوري كعقاب تتعرض له محافظة حمص التي ترفض حتى اللحظة الرضوخ للنظام، وتستمر في ممارسة حقها في التظاهر والتغيير السلمي نحو الديمقراطية .
لكن ما كسر شوكة القيادة السورية هي المقبرة الجماعية في درعا التي ارتكبتها الفرقة الرابعة بقيادة ماهر الأسد ، والتي هزّت ضمائر المجتمع الدولي وأخرجته عن صمته وصبره على الانتهاكات اللاانسانية الممارسة بحق شعب سوريا الثائر ، فكانت سلّة من العقوبات بحق بعض المسؤولين ، ومن ثم قرار الرئيس أوباما بمعاقبة بشار الأسد شخصيا ومطالبته بالانتقال السلمي للسلطة نحو الديمقراطية أو أن يختار الرحيل عن السلطة.
كان من المتوقع أن تلجأ أوروبا وأمريكا الى التصعيد ضد نظام دمشق ، وخاصة أن الثورة ما زالت مستمرة وتحوّلت لخروج يومي في كل سوريا، رغم عمليات القتل والاعتقال والتعذيب، وتحريك النظام لبعض مؤيديه داخل الجولان المحتل للتوجه نحو فلسطين في محاولة لإشعال مشكلة مع اسرائيل وصرف الأنظار عن الثورة السورية لبعض الوقت.
في ظل هذه الأجواء شخصيات سورية معارضة تتمركز في القاهرة وتمارس احتجاجات أمام مقر جامعة الدول العربية ، لكسب أصوات عربية ، ما زالت تظل خافتة ومعدومة من الحكومات العربية تجاه دموية الحياة السورية، أيضا تحتضن استنبول مجموعة من المعارضين السوريين ورجال أعمال مرتبطين بحزب العدالة والتنمية ، لدعم الثورة السورية ورسم المستقبل السوري ، وهم تيارات اسلامية من الاخوان المسلمين وغيره ، يعكس الغضب التركي من الأسد وعدم امتثاله للنصائح التركية في الاصلاح الشامل . ووضوح أردوغان في دعم الانتفاضة الشعبية داخل سوريا، ورغبتها في أن تكون لها لمسات في مستقبل سوريا .
لكن المفارقة المدهشة هو أن القيادة في دمشق حاولت قبل اسابيع فتح قنوات حوارية مع بعض النشطاء والمثقفين عبر بثينة شعبان التي اجتمعت مع أربعة شخصيات ثقافية سورية
( ميشيل كيلو- عارف دليلة – لؤي حسين – سليم خير بيك ) والتي لاقت استنكارا من السوريين الذين يرفضون الحوار بهذا الشكل مع النظام المستمر بالقتل والاعتقال، رغم دعوة الأسد للحوار تحت مظلة اللقاء والاجتماع مع الفعاليات الشعبية، في رفضه للتفاوض والحوار مع المعارضة السورية بكل أطيافها. من مبدأ أنهم خارجون على القانون ومتأمرين. لكن المعارضة الكردية كان لها موقف منفرد وطرحت مبادرتها كحل للأزمة السورية وهو الجلوس على طاولة الحوار الوطني واحداث التغيير الديمقراطي السلمي في البلاد .
سوريا تشهد تحوّلا نوعيا ، وقد بدأت معالم ومظاهر نهاية حقبة بعثية تظهر في الأفق السوري والاقليمي، وخاصة أنه هناك نشاط حقوقي سوري لأجل أن تكون قضية المجازر والانتهاكات الوحشية من قبل النظام وقواته بحق المتظاهرين السلميين أمام المحكمة الجنائية الدولية.
كل ذلك منح الثورة السورية زخما معنويا لتصبح أكثر عنفوانا وأملا في تحقيق طموحاتها في الحرية والديمقراطية، عكست توجها وطنيا بمختلف انتماءاته ، بعد أطلاق جمعتها تحت
إسم \ آزادي\ أي الحرية، في رسالة تعكس الوحدة العربية – الكردية في المستقبل والمصير نحو الحرية والعدالة، فكيف يمكن للسوريين رسم ملامح وطنهم القادم في ظل تشرذم القوى المعارضة واختلافاتها الأيديولوجية، والفردانية في النشاط السياسي والحقوقي ، وعدم توافقهم على ما سيكون عليه سوريا القادمة ، وفقدانهم لمشروع سياسي ومدني توافقي يعيد للبلاد حياتها البرلمانية السابقة ويمنح الجميع حقوق مواطنة بعيدا عن التمييز والأقصاء..إلى أين سوريا ؟؟ هذا هو عنوان المرحلة القادمة ، والمثير للقلق والتفكير سوريا وأقليميا ودوليا.
واشنطن