سوريا: الحرب لم تبدأ بعد!/ ياسر عبد الرحيم
بعد سبع سنوات من عمر الثورة السورية ما تزال الحرب التي أعلنها نظام الأسد على الشعب مفتوحةً، ويبدو أن النظام لا يستطيع أن يحسم أي معركة وحده، فلا بدَّ من دعمٍ روسي متعدد الأشكال، ووجودٍ للميلشيات الطائفية الإيرانية وحزب الله إلى جانبه، وبذلك تنتهي أسطورة الدولة الأمنية التي رسمها آل الأسد في ذهن السوريين وتتحول إلى مهزلة.
أصبح التململ الروسي واضحاً في التعامل مع نظام الأسد، خاصة في المعارك الأخيرة، وأصبحت العمليات الروسية منفردةً إلى حدٍّ كبير، متجاوزين بها النظام وقواته، ولعل روسيا أصبحت تعتبر ما تبقى من الجيش السوري عبئاً عليها، حتى في أصغر المعارك وأكبرها، وحتى على الصعيد السياسي، فهم يتعاملون معه باستخفاف وتصغير تارةً، وتصعيد إعلامي ضدَّ المعارضة تارةً أخرى، كورقة ضغط مستمرة، ولا يفوِّتون فرصة خلف الجدران المغلقة، حتى يقولوا للسوريين والمجتمع الدولي: إنهم يسعون إلى أن يكونوا الطرف المحايد الحريص على صداقة الشعب السوري، وهم غير متمسكين بشخص الأسد، بمقدار حرصهم على الدولة السورية، وللأسف، ومع استمرار القتل، يجدون باستمرار من يصدقونهم حتى ممَّن يُحسبون على المعارضة، وقد نجدهم ممثلين أيضاً في هيئة التفاوض، لكن هل الجرائم التي ارتكبها نظام الأسد كماً ونوعاً، وحجم التدمير الذي ألحقه بالبلاد، مع الدعم الروسي له، الذي يعتبر إجراما غير مسبوق في تاريخ الشرق الأوسط سيساعد الروس في تغيير الاستراتيجيات العسكرية والسياسية للخروج من المستنقع الذي وضَعوا أنفسهم فيه، ويثبوا حقيقة أنهم يسعون للحل، لا لمزيد من الدمار؟
الثورة السورية دخلت بعدد كبير من المنعطفات والتواريخ على مدار سنواتها السبع، لدرجة أننا قد نعتقد أنه مضى دهر كامل من الزمن لكثرة الأحداث، لكننا، وبسهولة، نستطيع أن نستخلص أن الشعب السوري لن يتنازل أبداً عن ثوابت الثورة، ولن يرضخ ولن يعود إلى ما قبل عام 2011، على عكس ما يتوقعه الروس والإيرانيون. السوريون لديهم كرامة وحرية وأخلاق، يموتون كلَّ يوم ليحافظوا عليها، وقد برهنوا ذلك بشجاعة أخجلت الكثير من دول العالم التي ادَّعت صداقتنا وفق مصالحها فقط.
بالعودة إلى الجهود السياسية الأخيرة، فشلت روسيا بالضغط على نظام الأسد في جنيف، وفشلت في إقناع المعارضة السورية بطرح الحلول الجزئية لإعادة إنتاج نظام الأسد في سوتشي، وبدأت من موسكو إلى أستانة، ومنها إلى سوتشي تؤكد على أهمية الحل السياسي، حسب رؤيتها المتمثلة بإصلاحات دستورية تقود إلى انتخابات، يستطيع بشار الأسد الترشح فيها مرة ثانية تحت رقابة ووصاية الأمم المتحدة، وقالها لنا الروس صراحة: «لا يوجد رئيس يذهب بثورة»، وتشعر من كلامهم كأنهم يقولون: «إن شرَّعنا هذا لكم فهذا يعني أن قائد الكرملين في خطر». ليعودوا وليطرحوا استراتيجيات مختلفة عبر الأمم المتحدة، بعد فشلهم الكبير في إقناع حليفهم نظام الأسد والمعارضة السورية على حدٍّ سواء، ليسجل التاريخ أن نتاج المفاوضات التركية مع روسيا أبدت ثمارها، ولولا الجهود التركية لضمان مصالح المعارضة السورية لكنَّا نعيش الكارثة الأكثر مرارةً من مخرجات سوتشي، وبرعاية الأمم المتحدة، ومن يعتقد أن تركيا حول طاولة المفاوضات ضعيفة أو تلعب دور التابع الاستراتيجي فهو مخطئ.
استطاعت الفصائل العسكرية في أستانة بناءَ شراكة حقيقة مع تركيا عسكرياً وسياسياً؛ لتحقيق مصالح مشتركة وفق آلية واضحة، وبناء مستقبل نتمناه جميعاً لسوريا، على عكس باقي القوى الإقليمية الأخرى، التي أخذت دور المتفرج بانتظار التحرك الأمريكي، الذي فتح الباب على مصراعيه لتمدد روسيا في سوريا عسكرياً وسياسياً، فهؤلاء باعونا الوهم على مدار أعوام، ووقفوا في وجه انتصار الثورة بكل الإمكانيات. روسيا التي هددت وتوعدت المعارضة السورية «بحرب إبادة لم تبدأ بعد» في جلسة غير رسمية داخل الأمم المتحدة في اجتماع فيينا الأخير، واعتبرت أن تهديدها أحد أدوات الضغط على وفد هيئة التفاوض بهدف حضوره سوتشي، فشلت بذلك مجدداً رغم وجود التيار المؤيد لسوتشي من قبل بعض منصات المعارضة، وهنا يطرح السؤال: إلى أي حدٍّ وصلت روسيا حتى تطلق مثل هذه التهديدات؟ هل هي غارقة في مستنقع لدرجة أنها مستعدة لفتح حرب إبادة جماعية هي أساساً لم تنته؟
فشل مؤتمر سوتشي شكلاً، وأثبتت روسيا أنها منفصلة عن الواقع تماماً، وأصبحت استراتيجيها تحسين صورتها أمام شعوب العالم قبيل الانتخابات الرئاسية الروسية، واستحقاق كأس العالم الذي يعتبر مرحلة مفصلية في السياسة الروسية من ناحية تحسين صورتها، لكن خيبة الأمل الروسية حوّلت المؤتمر إلى فضيحة دولية، فأنقذها التدخل الأخير للمبعوث الأممي ستيفان ديمستورا، الذي أعلن أن اللجنة الدستورية المنبثقة عن المؤتمر ستكون برعاية الأمم المتحدة، وستشكل في جنيف وسط تحفظ صوري من الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا، التي ماتزال تعتبر نفسها الوصي التاريخي في سوريا، رغم أنها عضو في مجلس الأمن الدولي، لكن حتى الدول الخمس الدائمة العضوية ليست جميعها بالقوة والسوية نفسها رغم امتلاكها حق الفيتو.
والآن مع اقتراب جولة جديدة من مباحثات أستانة، لابدَّ من رسم الاستراتيجيات القوية لدينا كمفاوضين (فصائل عسكرية وسياسيين) والتوقف عن مهاجمة وتخوين بعضنا، على الأقل عندما نجلس مع الروس وفق مبادئنا في بيئة محايدة ونعلم جيداً أننا عندما نذهب إلى أستانة فنحن نذهب لنفاوض عدوا، ونريد تحقيق مطالبنا ولم ولن نتنازل عن أي مطلب سوري، كل ما أردناه هو وقف قتل المدنيين وإنقاذ ما تبقى من سوريا وتحقيق مطالب الثورة، ولا نريد لاستراتيجية الدب الروسي المتمثلة بـ(أضغط المدنيين واقتلهم) حتى تنقلب عليهم الحاضنة الشعبية، وتقبل بالشروط الروسية كما هي، نحن في أستانة حافظنا على ما تبقى من المناطق المحررة، وقاتلنا «داعش» حتى انتصرنا في «درع الفرات»، وما نزال مستمرين في معركتنا ضد جميع أشكال الإرهاب الانفصالي والداعشي وإرهاب الدولة، وكل ما نريده هو تحقيق طموح السوريين وحمايتهم.
بالمقابل على الروس أن يعلموا أن السوريين لن ينهزموا أبداً، فإذا كانت حربهم لم تبدأ كما قالوا لنا، فنحن أيضاً حربنا لم تبدأ بعد، لأننا لا نملك ما نخسره سوى أرواحنا، فإذا أرادوا أرواحنا فنحن مستعدين لذلك، لكن حذارِ الاقتراب من كرامتنا، فلن نتخلى عنها أبداً، وسنقاتل ونموت لأجلها، وإذا اعتبرت روسيا أن الحرب عبارة عن قتل ودمار فقط، عليها أن تعلم أن في الحرب قوانين ومبادئ أيضاً.
وأخيراً مطلوب، وبإلحاح، استعادة الثورة من الأماكن الرمادية التي أخذت إليها، وذلك بالتوجه إلى جميع السوريين على اختلاف انتماءاتهم وتوجهاتهم، لمساندتنا والوقوف معنا، ونبذ التخوين والفرقة ، والوقوف في وجه من يعمل على تدمير البلاد والعباد وزرع أوهام تأهيل النظام وإعادة إنتاجه، وعلينا جميعاً مواجهة منظمات التطرف والإرهاب والانفصاليين الذين يحاولون الاستيلاء على الثورة ومصادرة مستقبل سوريا.
ناشط سوري
القدس العربي