صفحات العالم

سوريا.. السجن الكبير

طارق الحميد
تسلم المبعوث الأممي إلى سوريا السيد كوفي عنان رد النظام الأسدي على مقترحاته ذات النقاط الست، لكن لم يكشف حتى اللحظة عن فحوى الرد، ولا نعلم ما إذا كان هذه المرة مكتوبا، أم إنه رد «بلا ورقة» كما فعل نظام الطاغية من قبل.. لكن هل هذا أمر يبعث على التفاؤل، كما يعتقد البعض؟
لا أعتقد، فمن يتهم محطة «سي إن إن» التلفزيونية بأنها تقف خلف تفجير خط أنابيب في سوريا، لا يمكن أن ننتظر منه أي حلول منطقية. فالنظام الأسدي يريد شراء الوقت كعادته؛ فها هو يحول سوريا كلها إلى سجن كبير، حيث يمنع من هم تحت سن 42 عاما من مغادرة البلاد، وحيث يبدو أن سجون الطاغية امتلأت عن بكرة أبيها، ومثلها الملاعب، والمدارس، التي يسجن فيها السوريين، فلم يعد يجد النظام سجونا إضافية لقمع السوريين، فقام بتحويل سوريا كلها إلى سجن كبير. فكيف يمكن بعد كل ذلك التعويل على مهمة السيد عنان!
فطوال عام كامل من عمر الثورة لم يقدم النظام الأسدي ما يثبت أنه يستوعب ما يحدث فعليا على الأرض، فالنظام يعتقد أن القتل والترهيب هما الحل.. ولذا، فلا أمل بأن يتعاون النظام مع مهمة السيد عنان التي تصفها روسيا بأنها الفرصة الأخيرة قبل وقوع الحرب الأهلية في سوريا. والحقيقة أن الحرب واقعة أصلا على الأرض، لكنها ليست حربا أهلية، بل هي حرب نظام إجرامي مدجج بالأسلحة، ومدعوم من روسيا وطهران، وكل هدفه هو قمع السوريين الثائرين عليه. ولذا، فإنه يجب عدم التعويل على مهمة السيد عنان، وذلك ليس تشكيكا فيه، بل لأنه ليس لدى النظام الأسدي ما يقدمه، فلا شيء يجلب الحلول في سوريا اليوم إلا رحيل الأسد، وعدا ذلك، فهو مضيعة وقت، وأرواح، وتعريض مستقبل سوريا كلها للخطر.
فهمُّ النظام الأسدي اليوم ليس حل الأزمة، بل القضاء عليها أمنيا، وهو غير قادر على ذلك، رغم ضعف تسليح الجيش الحر، حيث بات من الملاحظ أنه في كل مرة يقول فيها النظام إنه سيطر على مدينة سورية، نجده يعود لقصفها مرة أخرى، مما يعني أن النظام فاقد السيطرة على أجزاء كبيرة من البلاد. ومن هنا، فليس المهم رد النظام الأسدي، أو ما تقوله موسكو، المهم هنا هو ما يدور على الأرض، فهناك يتشكل الواقع، وهناك تحسم الأمور.
لا يمكن التعويل على مهمة عنان والقتل، والقصف، والتجويع، والإهانة، جزء من يوم السوريين، وعلى مدى عام كامل، ولا يمكن التعويل على مهمة عنان وعمليات التهجير في حمص مستمرة بشكل يجعل المراقب يتساءل: هل هذه هي خطة ترتيب الدولة العلوية التي تحدث كثيرون عنها؟
ومن هنا نقول: رد النظام الأسدي على خطة عنان، أم لم يرد، كلها عملية شراء وقت للأسد، وإطالة لمعاناة السوريين.. ولذا، فإن أفضل وسيلة للحفاظ على سوريا الكيان هي سرعة حسم رحيل طاغية دمشق.
الشرق الأوسط

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى