سوريا المدمرة
أسامة عبد الرحمن
بصرف النظر عن تغليب موقف طرف على طرف آخر – ومعروف أن النظام ظالم مستبد – فإن سوريا تمر بحرب طاحنة ومدمرة، مع تأكيد حق المتظاهرين السلميين الذين انطلقوا منذ اليوم الأول لانتفاضتهم الشبابية الشعبية، رافعين شعارات الحرية والعدالة، ومطالبين بمطالب مشروعة، وصلت إلى مطلب إسقاط النظام الذي جثم على البلاد لعقود، مستأثراً بالسلطة لحزبه، وفارضاً نمطاً استبدادياً شمولياً في نهجه الذي تجاوزه الزمن .
إن الدمار الذي حل بسوريا هو دمار واسع قضى على الكثير من المعالم الحضارية والتاريخية واستنزف الموارد، وبدد الطاقات وأحال الواقع إلى ركام، مثلما أحال البشر إلى ضحايا ولاجئين ونازحين . وسوريا المدمرة والتي يتواصل التدمير فيها، تدمي قلوب مئات الملايين من العرب بصفة خاصة . وكل إنسان على هذه البسيطة لديه بعض المعرفة بسوريا وحضارتها وتاريخها، وقبل ذلك إنسانها . ويبدو أن هذا المشهد القاتم مرشح للاستمرار في ظل انسداد الأفق لأي تسوية سياسية، وفي ظل تراكم الشحن الإعلامي والشحن الإعلامي المضاد، وكذلك تراكم الخسائر البشرية والمادية لكلا الطرفين .
إن سوريا المدمرة تمثل خسارة تاريخية فادحة لكل الوطن العربي إذ كانت منذ الفتح العربي واحدة من ركائزه الأساسية ومناراته الشامخة . وهذه الخسارة تمثل مصلحة لكل المتربصين بالوطن العربي . وهنا يحتل الكيان الصهيوني الصدارة، فهو العدو الأول لكل العرب . وكل خسارة على الطرف العربي تمثل كسباً له . ويبدو أنه لن تقوم لسوريا قائمة بعد هذا الدمار المتواصل في الأمد المنظور، ذلك أن البلد صار حطاماً، والموارد تم استنزافها، وسقط تقريباً كل معلم حضاري أو تعليمي أو مؤسسي .
وإذا كان العراق قد شهد غزواً واحتلالاً أحال كثيراً من المعالم الحضارية والتاريخية إلى حطام، وترك ملايين الضحايا بين قتلى ومهجّرين ومشرّدين، فإن سوريا تبدو صورة قريبة من صورة العراق الذي دمره الاحتلال . المفارقة الوحيدة أن العراق يمتلك ثروة نفطية واحتياطيه النفطي كبير، وهو في نظر بعض المراقبين واحد من أهداف الغزو الأمريكي للعراق واحتلاله، أما سوريا فموردها من النفط ضئيل جداً لا تحسد عليه .
ربما يرى البعض أن العراق رغم ما حاق به من دمار، قادر لو كان النظام السياسي على مستوى المسؤولية، أن يعيد إعمار العراق وترسيخ مؤسساته ومعالمه . أما سوريا فليس في إمكان أي نظام قادم بعد انقشاع غبار الحرب المدمرة، حتى لو كان لديه الحس بالمسؤولية، أن يعيد إعمار سوريا وترسيخ مؤسساتها ومعالمها، إلا إذا ركن للقروض الخارجية لو بدت ممكنة . وهي بالطبع ستكون مثقلة بإملاءات وشروط لها أثرها في النظام السياسي، وقدرته على الحركة، ولها قيودها التي تحد من استقلالية القرار، ولها تبعاتها على مستقبل سوريا . مع الأخذ في الحسبان أن القروض لن تكون كافية، لأن ما تحتاج إليه سوريا كثير من المليارات من الدولارات ولا يمكن تأمين مثل هذه المبالغ .
ولذلك، فإن الدمار الذي لحق بسوريا سيظل ماثلاً، ولن تعود سوريا إن أصبحت مثقلة بقيود القروض وتبعاتها قادرة على أن يكون لها أي دور فاعل على صعيدها وعلى الصعيد العربي . وكل ذلك يمثل خسارة تتواصل تداعياتها لعقود تكون فيها سوريا مرهونة للخارج إن دخلت في شرك القروض، مضطرة لضآلة الموارد التي استنزفت أصلاً في الحرب الدائرة رحاها والقاضية على الأخضر واليابس والحرث والنسل .
إن سوريا المدمرة صورة قاتمة دامية يهتز لها ضمير كل عربي ويتمنى في قرارة نفسه أن يتوقف الدمار، لأنه إن استمر لن يُبقي ولن يذر، ولن تقوم بعدها لسوريا قائمة، ولن يكون في إمكانها حتى استجداء القروض، ولن يتمكن أي نظام سياسي يرث هذا الوضع المتردي من تحقيق أي إنجاز على صعيد الإعمار وبناء المؤسسات والمعالم حتى لو كان النظام السياسي ممثلاً لتطلعات الشعب السوري ومطالبه المشروعة منذ انطلاق انتفاضته الشبابية الشعبية، ولديه توجه حقيقي إلى الديمقراطية، والتزام بكل مضامينها في الحرية والعدالة والمساواة واستقلال القضاء وسيادة القانون ومحاربة الاستبداد والفساد .
الخليج