سوريا: المرحلة الانتقالية
ساطع نور الدين
قبل أن يوجه الرئيس الأميركي باراك أوباما وزعماء فرنسا وبريطانيا وألمانيا دعوتهم الى الرئيس السوري بشار الأسد للتنحي، كان رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان قد اصدر تحذيره او ربما نبوءته بأن الوضع في سوريا صار يشبه الوضع في ليبيا، وانتهت جميع المحاولات للوساطة بين فريقي الأزمة السورية، التي صارت معالجتها من مسؤولية المجموعة الدولية.
كان أردوغان يعلن ان الدبلوماسية التركية التي راهنت طوال الأشهر الستة الماضية على إمكان إصلاح نظام الرئيس الأسد وصلت الى طريق مسدود، وهي باتت مضطرة إلى إفساح المجال أمام الضغوط الدولية، من دون ان يوضح ما اذا كان يعني بذلك ان بلاده ستنضم الى هذه الضغوط، سواء بالدعوة الى التنحي او بالانضمام الى العقوبات الاقتصادية.. ام انها ستكتفي بالدور المحدد لأنقره منذ اللحظة الاولى للانتفاضة الشعبية السورية، وهو تنظيم صفوف المعارضين السوريين في جبهة وطنية تتسع للجميع بعدما كان الطموح التركي الأول محدودا بالإلحاح على الاسد للانفتاح على جماعة الاخوان المسلمين خاصة ودعوتها الى المشاركة العلنية في الحياة السياسية.
حتى الآن يبدو ان أردوغان لن يبادر الى المطالبة برحيل الاسد من السلطة ولا الى الالتزام بالعقوبات الدولية، لأن ذلك يعادل بالمعايير السورية، اعلان الحرب على دمشق، وتحويل الحدود المشتركة بين البلدين الى خط جبهة أمنية وربما عسكرية مفتوحة.. وهو تحد لم يكن مطروحا على رئيس الوزراء التركي عندما وجه دعوته السريعة الى الرئيس المصري حسني مبارك للتنحي او عندما وجه دعوته المتأخرة الى العقيد معمر القذافي للتخلي عن السلطة.
لكنها لن تكون لحظة افتراق او تباعد بين تركيا وبين العواصم الغربية الكبرى التي حسمت قرارها السوري. النجاح في لم شمل المعارضة السورية التي لا تزال تتصــارع في ما بينــها على وراثة السلطة قبل سقوط النظام هو المقيــاس الأهم للدور التركي الجديد. وهي مهمة شاقة بل اشبه بمغامرة خطرة، على الرغم من انها باتت اولوية مطلقة بالنسبة الى الاميركيين والأوروبيين الذين يهابون السيناريو الليبي، مع انه أثبت نجاحه وهو يقترب من نهايته السعيدة، ويرغبون بالتغيير في سوريا بالحد الادنى من التورط العسكري في سوريا حتى ولو كان من الجو فقط.
لم يخطئ اردوغان في تقديره، لكن الانتقال من مرحلة تحضير الشريك السوري لنظام الأسد الى مرحلة تحضير البديل، يختبر الدور التركي ويرسم حدوده في المشرق العربي كله. لا بد من التذكير ان ذلك الدور ارتسم وتحددت ملامحه في دمشق، وفي ظل فراغ عربي هائل، ما زال مستمرا وما زال يسمح بنفوذ تركي كبير في سوريا المستقبل.. لكنه لا يمكن ان يتسامح لاحقا مع تحول ذلك البلد العربي الى محمية تركية، حتى ولو كان الثمن الظاهر هو اخراج ايران من قلب المعادلة العربية.
المرحلة الانتقالية السورية الراهنة أشد صعوبة وخطورة من كل ما شهده الأشقاء السوريون ودول الجوار في الأشهر الخمسة الماضية من تحولات، كانت حتى الأمس القريب بمثابة حلم بعيد.
السفير