صفحات سورية

سوريا: المعارضة المسلحة تواجه تحدي التغيير/ سلام السعدي

 

 

تواجه فصائل المعارضة السورية تحديات خطيرة خلال الفترة القادمة، ذلك أن البيئة الإقليمية والدولية التي أتاحت نموها على هذا النحو الفوضوي والمستقل بعض الشيء قد بدأت تتغير. يتطلب التأقلم مع هذا القدر من التحولات ما يتجاوز سياسة “الانحناء وقت العاصفة” التي اتبعتها المعارضة المسلحة طيلة العامين الماضيين مع اشتداد الضغوط. لم يعد التزامها بوقف إطلاق النار كافياً، إذ بات يتوقع منها إجراء تغييرات جوهرية تتضمن حل بعض التشكيلات المسلحة واندماج أخرى، وزوال بعضها الآخر.

قد يكون من حسن حظ فصائل المعارضة المسلحة أن روسيا باتت اليوم على مفترق طرق في سوريا أو اقتربت منه. لم يعد بوسعها مواصلة سياسة استخدام القوة العسكرية المحضة التي لا تلتفت إلى أيّ أهداف أخرى أو تبحث عن شركاء جدد سواء كانوا محليين أو إقليميين. انهمكت موسكو خلال عام ونصف بشق طريقها في سوريا باستخدام القوة العسكرية المجردة. لم تستمع كثيرا لا إلى من تحاربهم في الميدان، ولا إلى من تختلف معهم في السياسة، أي الدول الإقليمية التي تدعم المعارضة المسلحة وبشكل خاص السعودية وتركيا. بل إنها لم تستمع بالقدر الكافي إلى حلفائها، أي إلى النظام السوري وإيران. كانت تتبع سياسة وحيدة البعد وغير متناسقة تهدف إلى خلق وجود ملموس لها في سوريا بأقصى سرعة ممكنة. وبمجرد إنجاز تلك المهمة وهو ما يبدو كأنه يتحقق اليوم، فإن عليها أن تقوم بمراجعة معمقة لأهدافها المتوسطة والبعيدة لا فقط في سوريا وإنما في الشرق الأوسط.

يتضح ذلك من تعاملها مع تداعيات انتصاراتها العسكرية في كل مرة. بعد كل نصر عسكري كبير، تتوقف موسكو لتحصد نتائجه سياسيا، إذ تعيد تقييم سياساتها باستمرار وتختبر إمكانية فتح طرق إضافية مستخدمة أدوات جديدة خلقتها بنفسها في مرحلة انقضت. في نصرها الكبير الأول الذي حدث بداية هذا العام في ريف حلب الشمالي، أوقفت دعمها للتقدم السريع لقوات حلفائها، وأعلنت وقف إطلاق النار بالتفاهم مع الولايات المتحدة. تطلّبَ مضيّ روسيا بخطتها تلك موافقة طهران وبشار الأسد من جهة، ونزع أنياب فصائل المعارضة السورية من جهة أخرى. لم يتحقق ذلك، وهو ما دفعها إلى العمل على تكريس نفوذها لتنهي هذا العام بدور أقوى وأكثر فعالية.

ينخرط في التفاوض اليوم طرفان لديهما نفوذ وأوراق مؤثرة بعكس ما حدث بداية العام. تركيا تتمتع بثقل أكبر في سوريا خصوصا بعد سيطرتها مع فصائل مدعومة منها على الشريط الحدودي في الشمال ومع اقتطاع مساحات في العمق وتثبيت ذلك كأمر واقع. تلك هي المنطقة الوحيدة الخاضعة لسيطرة المعارضة المسلحة والتي لا تتعرض للقصف الجوي من قبل نظام الأسد. لا تخضع تلك المنطقة للمعارضة التي عرفناها، وإنما لشكل آخر من المعارضة التي تخلت عن استقلاليتها وقبلت الرعاية التركية الروسية.

قد يكون التواصل مع المعارضة المسلحة أصبح جزءا من السياسة الروسية في سوريا. ولكن موسكو تتعامل من موقع المنتصر الذي يطالب المعارضة بأن تتغير لإشراكها في التسوية. اعترفت موسكو بوجود حركة أحرار الشام وجيش الإسلام في بيان صادر عن الخارجية الروسية يعدد الفصائل التي ستلتزم بالهدنة، وهو أمر لطالما رفضته كما رفضه النظام وإيران. لم يكن لدى روسيا أي تأثير على هذين التشكيلين العسكريين وهو ما جعلها غير راغبة في إدخالهما إلى دائرة صنع الحل السياسي والعسكري. أما وقد نسجت موسكو اتفاقيات سرية مع تركيا، فإن قبولها بشرعية بعض فصائل المعارضة مشروط بنزع أنيابها وتسليمها بأن تكون تحت رعاية إقليمية.

لن تكتفي روسيا بمطلبها القديم والمتمثل بـ”فصل جبهة النصرة عن المعارضة”، إذ بات الهدف إعادة هيكلة وتصنيع المعارضة بحيث تكون عاملاً مساعداً في تطبيق التفاهمات الإقليمية ساعة حدوثها. لا يعني ذلك أن التسوية باتت متاحة فهنالك عناصر إفساد كثيرة أولها نظام بشار الأسد وإيران ووصولاً إلى التنظيمات الجهادية التي تريد فرض رؤيتها العدمية على السوريين. لكن روسيا باتت تقبل نظرياً، وتسعى عملياً، بتقسيم سوريا إلى مناطق نفوذ في المرحلة الأولى من التسوية التي تتوقع حدوثها. تقسيم يقلل من نفوذ إيران ويزيد من نفوذها الخاص. ولكن، على من يدير مناطق النفوذ تلك من المعارضة السورية أن يتغير حتى يحظى بتلك المهمة.

كاتب فلسطيني سوري

العرب

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى