سوريا.. النظام يحاصر نفسه
دينا مقلد
كانت الصورة بعيدة ومهتزة.. لكنها حقيقية..
صبي يتعلق مرتعبا بعنق والده مطوقا إياه بشدة، بينما الأب يحاول حمله وأخذه بعيدا عن الجنود. أما هؤلاء الجنود فكانوا يتكاثرون كالفطر لإلقاء القبض على الصبي الصغير وسط صراخ وصياح وفوضى في الشارع..
لم نعرف ما إذا كان الصبي اعتقل أم نجحت محاولات والده في حمايته من مصير بديهي القول أنه أكثر من قاتم..
لم تخبرنا صور «يوتيوب» واللقطات التي بثتها الشاشات ماذا حل بالصبي السوري الذي ارتكب الخطيئة القاتلة للأطفال اليوم في سوريا وهي أنه خرج إلى الشارع وهتف ضد النظام.. فسوريا اليوم هي بالنسبة إلينا، نحن مستقبلي صورها، مقتطفات من مشاهد غير مكتملة ومن حكايات في الغالب تنتهي على نحو بالغ القسوة والفظاعة.
كيف لا نخاف على الصبي المتعلق بعنق والده ولا نفكر بالشابة زينب الحصني التي راحت ضحية عنف دراكيولي في أقبية الأمن السوري.. نحبس أنفاسنا ونرجو أن لا نرفع اسم الصبي مع أسماء أطفال وأولاد وشبان وفتيات من سوريا باتوا خلال السبعة أشهر الماضية أيقونات الثورة وملهمي جماهيرها..
صورة الصبي المرتجف هذا هي واحدة من آلاف الصور التي حاول النظام منذ سبعة أشهر تطويقها وضبطها وحصارها إلى أن انتهى الأمر بتلك الصور تحاصر النظام وتطوقه..
ماذا فعل الحصار الإعلامي الضارب حول الحدث السوري خلال الأشهر الماضية؟
الرواية الرسمية حول العصابات والمندسين تهشمت تماما وباتت لا تقنع أقرب المقربين. الخبر السوري هو خبر عالمي أول حتى اليوم، ولم تسهم كل محاولات الإعلام الرسمي السوري الإيحاء بأن الحياة في سوريا طبيعية وأن «سوريا بخير» سوى بتعميق الهوة الفاصلة بين النظام وشعبه والعالم، اللهم في ما عدا إيران وروسيا ولبنان الرسمي..
ليس من الصعب استخلاص كيف باتت الصور المهربة والمسربة أو تلك الملتقطة بقصد التباهي، وأعني بها صور عناصر الأمن والشبيحة وهم يعذبون أو يقتلون ضحاياهم، صورا يومية ولحظية تملأ فضاءاتنا الافتراضية والواقعية في آن..
صار القول مثلا إن النظام قوي وإن الانتفاضة تصطدم بجدار تماسكه، على صحته، غير مقنع، ذاك أنه محاصر بمشهد ما عاد العالم بإمكانه تجاوزه.
نعم إنه محاصر بمشهد ضحاياه، والقول إن سوريا قبل الانتفاضة هي سوريا بعدها يستمد منطقه من هذه الحقيقة، إذ كيف يمكن للعالم أن يهضم احتمال بقاء النظام وهو إن فعل ذلك ستتحول تقنية النظام في قمعه الثورة أسلوبا معتمدا وشرعيا في قمع الانتفاضات أينما كانت؟
وما يثير السخرية والاحتقار في آن هو حين يفاخر إعلام النظام بالقول إن المظاهرات إلى تراجع وانحسار، وكأنما بهؤلاء يتباهون بأن قوة البطش والقتل غير المحدود قد فعلت فعلها في الجماهير..
الثابت الأكيد أن النظام حاول قبل سبعة أشهر محاصرة درعا وصبيانها وتأديبهم، لكنه اليوم بات هو المحاصر وعلى شفير نهايته.