صفحات سورية

سوريا الى اين المسار الاقتصادي الاجتماعي


محمود فنون

سوريا قبل الاستقلال

رتبت حدود الدولة السورية كما هي حاليا من خلال اتفاقية سايكس بيكو سنة 1916م بين فرنسا وبريطاني وبموافقة روسيا القيصرية وعدد آخر من الدول الاوروبية ,وذلك في سياق تقاسم تركة تركيا العثمانية (الرجل المريض والتي لم تستطع الدفاع عن املاك الامبراطورية كما كانت تسميها )وكانت سوريا من نصيب فرنسا,فقط تدخلت الصهيونية من اجل ترتيب حدود فلسطين الشمالية ,لتأخذ نصيبا من الخزان المائي من جهة هضية الغولان في منطقة اصبع الجليل.

وقد حاول رجالات الثورة العربية الكبرى تنصيب فيصل ابن الشريف حسين ملكا على سوريا ,غير ان الفرنسيين الذين كانت سوريا من حصتهم رفضوا هذا التنصيب, واطلق الجنرال غور انذاره قبل دخول سوريا حيث دخلها وواجه رجالات الثورة في معركة ميسلون البطولية واستولى على سوريا سنة 1920م لتصبح سوريا مستعمرة فرنسية وقد تم اقرار الانتداب الفرنسي في تموز 1920م, وقسمتها الادارة الفرنسية الى عدة اقسام ثم عادت عن هذه التقسيات ووحدتها ما عدا الاسكندرونة ومقاطعات محاذية للحدود التركية.

كانت سوريا ولاية عثمانية وهي جزء من النظام الاقطاعي الشرقي المتخلف ,يسيطر عليها الاقطاعيون واتباعهم ,ويملكون معظم الاراضي وتدار باشرافهم (الباشوات والاغاوات وتابعيهم حتى اسفل الهرم الاقطاعي) غير ان الاستعمار الفرنسي وارتباطا بمصالحه ومع انه ابقى على الاقطاع ولم يسن قوانين اصلاح زراعي ,الا انه افسح المجال لنمو شريحة من الكومبرادور ,واخذ يفسح المجال اكثر فأكثر لاقتصاد السوق والتجربة الرأسمالية ,وساهم في شق الطرق وتعمير وتوسيع الموانيء والمطارات ,وبنى جهاز دولة متكامل وخاضع له ,لتصبح سوريا تحت الانتداب شبه دولة(حكم ذاتي) شبه رأسمالية,بنظام الجمهوري ودستور وانتخابات واحزاب, مع بقاء كافة العلاقات الاقطاعية الموروثة من العهد العثماني وما فيها لامن قيم,وبقاء الريف بسلطة هؤلاء الاقطاعيين.

واصبح التركيب الطبقي يتكون من البرجوازية الجديدة المرتبطة بالاجنبي والمتحالفة مع الاقطاع ,وتنامى الى جانب هذا الحلف الرجعي شرائح من البرجوازية الوطنية والتي اقامت بعض الشركات الوطنية في مجالات الانتاج الزراعي والغزل والنسيج ,وتوسعت الى جانبها شرائح الحرفيين واصحاب المشاغل ,وظهرت البرجوازية الصغيرة وشرائح المثقفين والمتعلمين ,وظهرت وتوسعت الطبقة العاملة الى جانب طبقة الفلاحين لتشكلا معا قاع الهرم الاجتماعي الذي ظل قائما وورثته حكومات الاستقلال ,مع تغييرات بحكم الزمن والتطور الموضوعي .

سوريا بعد الاستقلال

تم الجلاء في 17|4|1946 حيث اعترف باستقلال سوريا والتي نزعت منها الاسكندرونة ومقاطعات الشمال حسب اتفاقية سايكس بيكو وسلمت لتركيا حسب اتفاقية لوزان .ومن يومها دخلت سوريا مرحلة معقدة .الى ان جرت الوحدة مع مصر في شباط 1958 ,والتي ادخلت بعض الاصلاحات بما فيها قانون الاصلاح الزراعي ,ثم جاء انقلاب عبد الكريم النحلاوي عام 1961م ليضع حدا للوحدة ويتم بعده الغاء قانون الاصلاح الزراعي الذي يعطي الارض للفلاحين ,وحصلت تجاذبات بين احزاب الاقطاعيين والاحزاب البرجوازية ولم يستقر الحال .

ثم جاء انقلاب البعث في 8آذار1963م لتبدأ المرحلة التي استمرت حتى الآن.

الانتقال الثوري:

لسنا بصدد استعراض تاريخي ولكن من المهم القول ان سوريا وخلال السنوات الاولى من الحكم الجديد قد انتقلت انتقالا ثوريا من الناحية الاقتصادية والاجتماعية على التحديد وتخلفت المهمة الثورية التي انجزتها قيادة البعث عن المهمة الديموقراطية والحريات ,أي ان المهمة الثورية كانت منقوصة ,ثم توقفت, ثم بدأت بالانقلاب على حالها كما سنرى لاحقا.

فقد انتقلت سوريا جذريا الى الحداثة,في الزراعة والصناعة وربط الزراعة والصناعة , وانهاء الاقطاع واجراء الاصلاح الزراعي والغاء امتيازات الاقطاعيين وكل ذيول مرحلة الاقطاع وتخلفه.

نسبة 32% من الراضي السورية اراضي زراعية مستغلة اصبحت للفلاحين,وتحقق 26% من الدخل القومي,وتحقق اكتفاء ذاتي في انتاج القمح والشعير والقطن وزيت الزيتون , وتنتج كل ما تشتهي الانفس من الفواكه والخضار ,وكل ما يتبع من التصنيع الزراعي .

وتمتلك حوالي مليون وستمائة الف من الابقار ومليونين من الاغنام ومئة وعشرين مليون من الدواجن,وا نتعشت حرفة صيد الاسماك, وتم اكتشاف البترول والغاز والفوسفات

وفي عهد الاسد تم اقامة العديد من المصانع والمنشآت الضخمة ,وبحيرة الاسد ,وتأميم اغلب المصانع والشركات الكبرى, والاجهاز على ذيول الاقطاع وبناء جامعتي تشرين والبعث.

وقد ادخلت الحكومات العديد من الاصلاحات لصالح الغالبية من العمال والفلاحين في مجالات الصحة والتأمين الصحي الشامل ,والتعليم المجاني لكل مراحل التعليم ,والجمعيات الاستهلاكية التي تؤمن السلع الاساسية المدعوة من الميزانية العامة والى غير ذلك.

وشهدت بهذا مرحلة من النمو الاقتصادي,واتبعت ما يعرف بالاشتراكية العربية حيث برز القطاع العام كاكبر مؤسسة اقتصادية ,مما اوجب التخطيط الاقتصادي والتكامل بين قطاعات الانتاج المختلفة ,واقتضى اتباع سياسة الحماية للمنتجات المحلية وتوجيه الاستيراد من حيث الكم والنوع والمصدر.

كل هذا ادى الى انتقال كموم ضخمة من الفلاحين الى العمل المأجور في الصناعة والزراعة,والخدمات والوظائف الحكومية .وقد زاد عدد المتعلمين بل ان الجميع تقريبا توجه للتعليم بمختلف مراحله وتوسع القطاع المهني وشهد تطورا ملموسا .وتأمن العمل تقريبا للجميع.

هنا حصل تغير جوهري في المبنى والتركيب الاجتاعي :

غادرت طبقة الاقطاع وامتيازاتها الى غير رجعة ,ومعها طبقة الكومبرادوروامتيزاتها ونفوذها ,والطبقة البرجوازية الكبيرة ,حيث اصبحت الدولة المالك الاكبر .

ونمت وتوسعت الطبقة العاملة السورية وانتظمت في نقابات واتحادات شعبية واخذت وزنا معقولا .

وانتعشت طبقة الفلاحين الصغار.وتشكلت في اتحادات ومنظمات شعبية واسعة على مستوى الوطن وحصلت على دعم وتأمينات لمحاصيلها وانتاجها .

وتوسعت القطاعات المهنية وانتظمت في الاتحادات والمنظات الشعبية .

ان التغيير الثوري في الهياكل الاقتصادية قد احدث تغييرا عميقا في التركيبة الاجتماعية السورية ووضع سوريا على اعتاب مراحل تطورية اعلى فأعلى ,لو تم الاخلاص لهذا التوجه والاستمرار فيه وفي استحقاقاته.

لقد تغير المبنى الاقتصادي الاجتماعي في سوريا جذريا ,ودخلت سوريا مرحلة الحداثة من هذه الناحية ومن الباب الواسع .

وانحازت الى المعسكر الثوري في العالم ,حيث عززت علاقاتها بالاتحاد السوفييتي والمنظومة الاشتراكية على كل الصعد السياسية والاقتصادية والعسكرية ,كما اصبحت جزءا من جموعة دول عدم الانحياز ,وهذين معلمين هامين في الاستقلال عن المعسكر الغربي والاصطفاف قبالته في الممارسة العملية للسياسة السورية .

الممارسة المتناقضة

ولكن هذا لم يكن كل شيء ,بل ان السياسة السورية المتوجهة بقوة لانقاظ الاقتصاد الوطني والمنحازة للطبقات الشعبية والمتجهة نحو الاشتراكية ,هذه السياسة ذاتها كانت من الناحية الاخرى امنية وقهرية ثم فيما بعد استبدادية.

من المفهوم ان الطبقات الجديدة التي تحكم على انقاض الطبقات القديمة التي ولى زمانها تحتاج الى صيغة من الديكتاتورية للطبقات الجديدة في مواجهة الطبقات القديمة بغية استكمال اسقاطها والاجهاز عليها ,ولكن من المفهوم ايضا ان تكون ديموقراطية ومنحازة للطبقات الجديدة في ممارساتها اليومية .

ففي امريكا فأن الطبقات الحاكمة تمارس الديوقراطية لابعد الحدود فيما بينها ,و في نفس الوقت تمارس اشد القع ضد الخصوم الطبقيين وتقمعهم بقوة حفاظا على نظامها الراسمالي,وكذلك الحال في كل الدول الراسمالية ,ومن المفهوم ان الثورات المنتصرة تسعى للاجهاز على الحكم البائد واعوانه وهو نقيض وعدو .

اما ان يوجه القمع والضغط الامني خارج هذا السياق فهذا غير مفهوم وغير مقبول .

لقد تشكل نظام الحكم في سوريا على اساس الديكتاتورية العسكرية المدعومة بالاجهزة الامنية والتشكيلات المختلفة التي تصدرت الاجواء لتثبيت النظام بالقوة والارهاب والقمع ,لا ضد ذيول الاقطاع والكومبرادور فحسب بل ضد الجاهير التي عاشت حالة من الرهبة , كما وقامت بتصفيات في الجيش من كل الخصوم ,بل واعادة بناء الجيش على اساس حزبي ,يحرم على الغير ويصرح للبعثيين .

هنا تم استدخال الهاجس الامني الى قلوب الجماهير ,ليس من اجل الابتعاد عن المخالفات العادية بل من اجل الاقرار للحكم بالبقاء كما يشتهي .

فمنذ تشرين ثاني 1970, منذ ان انقلب البعث على نفسه بقيادة حافظ الاسد,ازدادت وتعمقت التوجهات الاقتصادية الاجتماعية فهو قد اسس لراسمالية الدولة هذا من جهة , ومن جهة اخرى تشكلت سرايا الدفاع واجهزة القمع والاجهاز على الخصوم المنافسين.وحجم الحزب الشيوعي والاحزاب اليسارية الاخرى واسس لمملكة البعث دون منازع.

ومنذ سنة 1972 تشكلت الجبهة الوطنية التقدمية في سوريا بقيادة البعث من حزب البعث العربي الاشتراكي والحزب الشيوعي السوري وقد انشق على نفسه ليصبح حزبين واحد بقيادة بكداش والآخر بقيادة يوسف فيصل والوحدويون الاشتراكيون,والاتحاد العربي الديوقراطي والاتحاد الاشتراكي العربي وحزب الاشتراكيين العرب والحزب الوحدوي الاشتراكي الديموقراطي ,وفي الحقيقة لم تزد هذه الجبهة عن ديكور تجميلي لتفرد حزب البعث بالسلطة واقامة حكم الحزب الواحد المدعوم باحزاب اخرى ظلت على المقاس بحكم الضبط والربط الذي يفرضه الامن ,وهذه الاحزاب تتحرك تحت سقف هابط ,سقف الامن والملاحقات الامنية . وقد حرم عليها النشاط في اوساط الجيش واوساط الطلبة كما تبين البنود الثامن والتاسع من مهام الجبهة على الصعيد الداخلي.

وقد اتبع الحكم سياسة كم الافواه من جهة واطلاق يد المتنفذين في الفساد والرشاوي .وهم بدورهم قد استفادوا بما لهم من سطوة وتغلغلوا في المؤسسة الاقتصادية واخذوا في نهبها وافسادها شيئا فشيئا ,واخذت تنشأ طبقة من الفاسدين والمستفيدين واخذت تعمل كل ما تستطيع دون رادع ولا وازع .

هنا ومع الايام دخلت البلاد مرحلة جديدة :

لقد اصبح بامكان المتمول في القطاعات الاقتصادية الاعتماد على احد اصحاب النفوذ لتسهيل(تمشية) معاملاته ومصالحه مقابل الرشوة والمنافع المتبادلة وربما الشراكة ,وعادت ظاهرة الالتزام الاقطاعية الى الظهور مرة اخرى ,ليتقاسم كبار المسؤولين في الجيش والسلطة طرائق الانتفاع من مناصبهم,كل حسب منزلته او بقدر ذكائه على ان يحمي الآخرين ويحصل على حمايتهم .

هنا تغول المسؤولين في النهب والسلب ,واخذوا بسرقة القطاع العام ليصل العجز فيه الى مليار وسبعمئة مليون دولار,كما تقاضوا الرشاوي عن كل عمل قاموا به تقريبا ,واصبحوا ليس جهازا حاكما ولا ممثلي طبقة حاكمة بل طبقة الحكام,وهم اصبحوا رعاة الفساد والرشاوي والاستيلاء على المال العام والتهريب الكبير الواسع وخاصة بين سوريا ولبنان ,لقد اصبحوا يمثلون ثنائية الحكام والطبقة الحاكمة ,ويجلسون على هرم كبير من الفاسدين والمفسدين والمرتشين ,وهذا طال المؤسسة المدنية والعسكرية والامنية معا .

وصم الحكم اذنيه عن الانتقادات من أي مصدر كان واصبح همه البقاء في السلطة .

هنا يمكن القول ان المؤسسة الحاكمة وقد ظلت تتغنى بالاصلاحات والتنمية والتطوير وفي ذات الوقت اخذت تدير ظهرها لهذه الانجازات وتمعن في تخريبها بدلا من المحافظة عليها وتطويرها .

وعلى هذه القاعدة من الفساد تفرد حافظ الاسد واصبح ليس رئيسا للجهورية بل بمثابة امبراطور يدير المؤسسة العسكرية والادارية والاقتصادية من خلال الموالين والمستفيدين .

الى جانب ذلك امتلأت السجون بالمغضوب عليهم دون محاكمات ودون بيان الاسباب ,وما ان حلت نهاية السبعينات حتى توالت الاحداث الجسام ,من تصفيات للعسكريين المتهمين بعدم الولاء الى مقارعة جماعة الاخوان السلمين التي توجت باحداث حماة عام 1981حيث قتل ما يقرب من ثلاثين الف مواطن .

وامتدت القلاقل طوال الفترة من 1979 حتى 1982 حيث عادت الاوضاع لتستقر لحكم حافظ الاسد .

عدا عن ذلك فقد قام بشار الاسد وريث حافظ الاسد بالانقلاب على المنهج الاقتصادي الاجتماعي الذي دشنه حزب البعث في السنوات الاولى لحكمه وعززه حافظ الاسد في السنوات الاولى لحكمه ,منهج محاولة بناء اقتصاد وطني مستقل يعزز الاستقلال السياسي عن الفرنسيين وعن الجذور الاقطاعية المتحالفة مع الكومبرادور والتركة الاستعمارية .

لقد اخذت السياسة السورية تجنح شيئا فشيئا نحو اقتصاد السوق وترتبط بالتدريج بالاقتصاد الراسمالي سواء من خلال العلاقات المباشرة مع الاقتصاد الغربي او من خلال العلاقات بالمحيط –تركيا ودول الخليج .

فتشكلت اللوحة التالية :

“يتزايد السكان بنسبة 2.1-2.3 سنويا في ظل نمو اقتصادي اقل من ذلك بكثير

وصل عدد العاطلين عن العمل ما يقرب من مليون نسمة

يتراوح عدد طالبي العمل من 200-250 الف طالب عمل

50 % من المواطنين السوريين يعيشون قريبا من خط الفقر 25% يعيشون تحت خط الفقر

5%يملكون 50% من الثروة “

“وقد اصبحت التفاوتات الطبقية تتفاقم بنحو تسارع والنظام منقسم الى جناحين فلا زال جناح يتمسك بالقطاع العام وتعزيزه وجناح يستعجل الخصخصة لصالح جماعات مستفيدة ومتنفذة في السلطة :.

ان الصراع الطبقي في سوريا وصل درجة من التخمر غير ان غياب الاحزاب الثورية الممثلة فعلا لمصالح الكادحين وتحريضهم وتثويرهم يبقي هذا الصراع وكانه تحت الرماد او ينفجر بطريقة غير واعية وبدون قيادة ثورية ,ان حزب البعث قد احتكر لنفسه تمثيل الكادحين وحجم القوى اليسارية الاخرى ودجنها ليبقى هو في صدارة تمثيل الكادحين وفي نفس الوقت يدفعهم الى الفاقة .

تقرير الامم المتحدة “الفقر يطال 30% “من السكان وهذه نسبة عالية جدا في بلد يمتلك الكثير من الخيرات,و”11% تحت خط الفقر” .واستنتاج نشرة بورصات واسواق “ان الفساد وغياب الربح وسوء الادارة حولت القطاع العام الى قطاع نهبته طبقة نافذة ويقدر العجز في القطاع العام ب واحد وسبعة اعشار مليار دولار”

” ويعمل اليوم في القطاع العام ثمانمئة الف بعد ان كانوا مليون ونصف بينما يعمل في القطاع الخا ص ثلاثة ونصف مليون اجير .

“وفي سنة 2005 م قرر حزب البعث في مؤتمره المضي قدما في الاصلاح الاقتصادي والاجتماعي والاداري وتبنى اقتصاد السوق الاجتماعي” .

هنا واصل حزب البعث فشله على الصعيد السياسي والديموقراطي والحريات بالعودة عن الاصلاحات التقدمية مفسحا المجال للخصصة والفساد والنهب ,مع استمرار تسلط الحزب الواحد بل وتسلط الحاكم الواحد على كل شيء من خلال فريق من المريدين والمحسوبين .

لقد فشلت سلطة البعث في احداث ثورة ديموقراطية على الاقل للطبقات الشعبية التي توسعت واصبح البعث يدعي تمثيلها وعزز هذا الادعاء بتأليف الجبهة الوطنية الممثلة اسميا للعمال والفلاحين وعموم الكادحين والبرجوازية الصغيرة المتحالفة معهم .

لقد قام البعث في بداية حكمه الثورة البرجوازية بالقضاء على الاقطاع ,ثم اسس لاقتصاد وطني مستقل بتصفية الكومبرادور وتأميم الشركات الكبرى وتأميم التجارة والكثير من المؤسسات بل والقطاعات الاقتصادية ,واقامة راسمالية الدولة والتعبأة بالاشتراكية والثقافة السياسية التقدمية والفكر التقدمي ,واشاعة الثقافة التقدمية على انقاض ثقافة الاقطاع ,وطرح العلمانية كخطوة تقدمية كذلك ,واقامة العديد العديد من المنشآت والمؤسسات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية .وتامين الخدمات الاساسية ودعم السلع والخدمات الاساسية لصالح الطبقات محدودة الدخل . هذه حقائق سجلها التاريخ

ولكن التاريخ سجل كذلك ان هذه المنجزات التي حققها الشعب بعرقه وجهده بقيادة البعث والجبهة الوطنية بمقدار ,قد تعرضت ومنذ المراحل الاولى للانتهاك ولم يتقدم احد لحمايتها .فالنقد والمحاسبة ممنوعان.

ولذلك عاد التاريخ وسجل :ان هذا النظام فشل في اقامة ادارة سليمة ونزيهة وديموقراطية ,تدير دولة مستقلة واقتصاد وطني مستقل وشعب يتمتع بالحريات الديموقراطية ويحمي مكتسباته .

هنا اصبح النظام في مرمى النار شاء ام ابى ,هنا تفاقمت التناقضات الطبقية سواء اطرت بقيادات سياسية ام لا هنا تفاقمت عوامل الدفع نحو الانعتاق .

النظام لم يتمكن من استعادة الجولان في حرب تشرين وغطى على فشله بالاحتفال بيوم النصر العظيم

النظام وخلال الحرب الاهلية في لبنان حال دون تقدم القوى التقدمية اللبنانية وتدخل بوصفه قوات الردع لتردع القوى التقدمية المتفوقة بدعوى من الرجعيات العربية .

تمكنت القوات الاسرائيلية من سحق القوات السورية في لبنان وتدمير بطاريات الصواري المضادة للطائرات سام خمسة المتطورة جدا عام 1982م

شارك النظام بقوات عسكرية في حلف حفر الباطن سنة 1990 الى جانب امريكا والرجعيات العربية ضد العراق بينما كانت ملايين الامة العربية في الشوارع دعما للعراق وضد الاجنبي.

الشعب السوري ومعه كل الامة العربية يشعر بالخذلان والتقصير كلما اشتعلت انتفاضة فلسطينية وتعرض الفلسطينيون للقمع الاسرائيلي والانظمة العربية لا تقوى على شيء …الخ

هنا اعود الى تلخيص ما ذكرته في مقالات سابقة عن اسباب الربيع العربي :

فقر وبطالة ,وسوء الاوضاع الاقتصادية دون افق للمعالجة ,

امتهان الكرامة القومية بشكل متواصل والانظمة هي المسؤولة وهي كذلك عاجزة .

الظلم والقمع المتواصلين دون توقف وتسلط الحكام وتأبدهم على كراسي الحكم .

انعدام الديموقراطية والحريات العامة .

وقد نضجت الحالة الجماهيرية موضوعيا للمطالبة بحقوقها مستفيدة من حملة متصلة من التنوير التي قدمتها الفضائيات بقصد او بغير قصد ومستفيدة من انتشار الكومبيوتر ووصوله الى ايادي الملايين من الناس .

ان البلاد العربية كلها حبلى بالثورة وتنتظر هبة الثوريين

والبلاد العربية كلها حبلى بالثورة وتفتقد وجود احزاب ثورية تحرض وتعبيء الجماهير وتقودها وتسير امامها.

ان الاحزاب الموجودة قد تقادمت ونخرتها الملاحقات والمطاردات ,وعمليات الاخضاع بالعصا والجزرة والاختراقات الامنية من قبل قوى الانظمة ,لقد تهالكت الاحزاب وانخفض سقفها وخفت صوتها مقارنة بالحال الذي كان في الخمسينات والستينات في مواجهة الاستعمار وخطط الاستعمار واعوان الاستعمار والقوى الرجعية.

وشعارات القوى الفاعلة اليوم افتقرت الى العناصر الاساسية في المواقف العربية :

شعارات الوحدة العربية ,شعارات معاداة الاستعمار والرجعية ,والاصطفافات مع القوى التقدمية والانسانية في العالم ,وافتقدت الرؤيا الدقيقة لقوى العالم وتقسيماته ومصالحه:قوى الاستعمار والرجعية في معسكر الاعداء وهي حقيقة كانت ولا زالت كذلك ,ومعها الاحزاب اليمينية ضد التقدم والحريات الانسانية وضد حرية المرأة وضد الحريات الديموقراطية للشعوب .

يقابلها القوى المناصرة لحركات التحرر في اسيا وافريقيا وامريكا اللاتينية,والمناصرة للتقدم والاشتراكية وثورات الشعوب من اجل حريتها وتحررها من الاستعمار والتبعية للاستعمار ,و ظلم الطبقات المالكة .

اليوم الثورات يتيمة واذا ما اخذنا بعين الاعتبار ان الثورات كذلك يقودها مستحدثين في العمل السياسي والثوري ,ويسهل ان يتسلط عليها قوى غير ثورية .هنا يتمكن دعاة التدخل الامريكي من الحضور ورفع عقيرتهم.

لننظر الى القوى السورية وموقفها من النظام الحاكم في سوريا :

هناك قوى على يمين النظام وقوى النظام وقوى على يسار النظام (هكذا بالعموميات )

على يمين النظام وفي سوريا يعني انهم تعرضوا طوال فترة حكم البعث للاقصاء السياسي والقمع وهم بالتأكيد ممثلي الطبقات التي انقلب عليها النظام وادخل الاصلاحات الاقتصادية التي حرمتها ملكيتها ومنزلتها الاقتصادية والسياسية .

وهذه القوى ضد النظام لا من اجل الاصلاحات والتقدم الى الامام بل من اجل سلب السلطة واعادة هيكلة الاقتصاد بما يعزز الملكية الخاصة المستغلة والكومبرادور والملكيات العقارية الكبيرة ,ويفتح الباب للانفتاح الاقتصادي على طريقة السادات ونشوء القطط السمان ,واعتماد اقتصاد السوق ووصفات البنك الدولي ومنظمات الامم المتحدة التي تدفع باتجاه العولمة وحرية التجارة لصالح الدول الغنية ,وإلحاق الاقتصاد السوري بالمراكز الراسمالية .ونهب اقتصاد البلد وتعميق الفساد والخاوات والرشاوي اضعاف مضاعفة عما هو اليوم .

وكذلك تقليص الحريات الثقافية ودحر الثقافة التقدمية واحلال الثقافة الرجعية والتدخل في الحريات الشخصية بما يعزز النفوذ الاستعماري ويقلص من التحريض ضده.

قوى النظام وهي قسمين :الاول يريد ان يمضي في سياسة اقتصاد السوق المجتمعي على طريقته وفي الخصخصة وهو الفريق السائد في السلطة والقسم الثاني يريد اجراء الاصلاحات على قاعدة نهاية الستينات وبداية السبعينات بما يعزز التوجه الاشتراكي وراسمالية الدولة وهذا يشمل جزءا من البعث واحزاب اخرى في الجبهةالوطنية وهي بهذا تلتقي مع قوى على يسار النظام في الموقف على الاقل .

اما على يسار النظام فهي: تريد اولا وقف النهب والفساد والرشاوي وهي متضررة من الخصخصة والتوجه لاقتصاد السوق,هي تريد الاصلاحات: سياسية وادارية واقتصادية لمصلحة الغالبية الساحقة من الشعب لمصلحة العمال والفلاحين والطبقات الشعبية .

هناك معلم آخر لا بد من ملاحظته في الثورة السورية

فرأس النظام مطلوب اسرائيليا:

ذلك ان اسرائيل تطلب رأس حزب الله,والحكومات الرجعية العربية تطلب رأس حزب الله ,والقوى الرجعية اللبنانية تطلب رأس حزب الله .

من يطلب رأس حزب الله يحتاج للمرور على جسد النظام السوري ,يحتاج لفك العلاقة بين حزب الله والنظام السوري .فسوريا هي روح حزب الله ووسيلة قوته وصموده.

ومن جهة ثانية فأن حزب الله اعطى النظام السوري رصيدا كبيرا كون سوريا الداعم والمساعد له في قوته وبطولته.وذلك بصفتها الدولة التي تساند حركات التحرر العربية من منطلق قومي عروبي ,ولا تستطيع ان تبيعه ضمن المعادلات القائمة .

وسوريا وحزب الله جزءا يفرض نفسه في معادلة اقليمية مع ايران وفي حالة اعتماد متبادل لا فكاك منه على ما يظهر ,اذا اراد كل من عناصر هذا التركيب (التحالف)ان يظل الحال على حاله ,وجائت الثورة على النظام السوري لتعزز تمسكه بحزب الله وبايران .

وفي ذات الوقت فأن رأس ايران مطلوب على حدة لانه يدعم حزب الله ولاسباب اخرى تتعلق بتطور ايران ودخوله على المفاعلات النووية …الخ وهنا من المفيد ان نتذكر ما حل بالعراق لذات الاسباب .

ورأس النظام مطلوب اسرائيليا مرة اخرى لانه يمتلك الاسلحة التي تمتلكها ايران وحزب الله ,وسبق ان جربت في حرب 2006 م.

ورأس النظام مطلوب امريكيا ,ومطلوب لادخال سوريا في معادلات الحالة العربية الرجعية كما حصل مع العراق ولكن بعد معاقبتها وتدميرها على ما عرف بتاريخ الممانعة ومن اجل ان تقع ولا تقوم .

ملاحظة :لا اتفق مع الطرح والتحليل على اساس طائفي او جهوي

ومعلم ثالث يستند على التفاهمات التي تمت بين التيارات الدينية والادارة الاميركية واوروبا,والتي تقضي بأن يتعاون الغرب من اجل التمهيد لمشاركة الاسلام السياسي في السلطة في البلاد العربية بدل التيارات السياسية التي تحكمت في الحقب السابقة .

هذه حقيقة اللوحة والتي تحتوي على مظاهر واشكال الصراع في سوريا والتي استدعت الثورة وعلى الفور استدعت الثورة المضادة وفق منهج الباس الطرابيش(راجع مقالة اين تصنع طرابيش الثورات العربية المنشور على الحوار المتدن) .

فما ان اندلعت الاحداث في سوريا وتحولت من احتجاج على اطفال درعا الى ثورة متصلة ,حتى اخذت القوى الراغبة في التدخل ودعم الثورة المضادة في التحرك من اجل لجم العملية الثورية من حيث الاهداف ,واستغلالها لمصلحة الثورة المضادة في النتيجة .

القوى الرجعية السورية والقوى اليمينية ليست مع الثورة بمعنى التغيير للامام .هي مع الانقلاب على الاسد ونظامه ,ومع الخصخصة والانفتاح ومع انقلاب يميني بتغييرات محدودة كما تقتضي مصالح الغرب والطبقات المتحالفة معه .وهي لا تسعى الى التقدم والاشتراكية بل الى الانقلاب على مثل هذا النهج.والى تداول السلطة.

هنا نشطت هذه القوى وبتشجيع من الانظمة العربية الرجعية ممثلة بقطر كعراب بين الرجعيات المحلية والامريكان بمساندة الفتاوي السياسية والفتاوي الدينية ,نشطت من اجل ان تتجمع على غرار المؤترات التي عقدتها الادوات العراقية قبل غزو العراق وتحطيمه .

نشطت في بلورة اطارات صنيعة تدعي النطق باسم الشعب السوري وتتلقى الدعم المادي والمعنوي ويدعمها الاعلام ,ويساندها المسؤولون الغربيون وينفخون فيها بادعاء انها ممثلة الثورة السورية .

ان القوى الثورية السورية كما ذكرت اما ضعيفة او مغيبة وغير مرغوب فيها ,ولأن الثورة يتيمة ولا يوجد من يدعم ماليا ومعنويا وغير ذلك ,فان القوى والشخصيات الثورية التي تدعم الحراك السوري لا تظهر على الارض .بينما يظهر النظام وقواته, وتظهر القوى الرجعية بسلاحها ورجالاتها وبمن يحمل يافطاتها في المظاهرات ومن يطلق النار محاولا التبشير بحرب اهلية,و بعد ان تمكنت من التماهي مع الثورة وتتقدم صفوفها بشعاراتها ومواقفها .

هنا نقول قد اختلط الحابل بالنابل .

ان النظام هو الذي يتحمل المسؤولية بالدرجة الاولى كونه بدأ باطلاق النار واستخدام العنف ضد اطفال درعا وحتى الآن واعتماده الحل الامني ,ولأنه عجز عن التقدم بالاصلاحات التي تلبي احتياجات الجماهير التي بدأت بالحركة وقبل ان تتجمع القوى الرجعية وقوى الثورة المضادة .هذا نصيب النظام من المسؤولية ,آخذين بعين الاعتبار مسؤولية النظام عن تردي الاوضاع الاقتصادية والمعيشية والحالة المجتمعية التي استوجبت الثورة .

ولكن القوى الرجعية تتحمل نصيبها كذلك وتتحمل المسؤولية عن تآمرها مع القوى المعادية لسوريا وعن سلوكها كثورة مضادة وما يحصل منها من تخريب في اوضاع البلد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى