سوريا اليوم: مجازر في كل مكان/ فايز ساره
كيف يبدو المشهد السوري اليوم، سؤال يستحق ان يطرح. والجواب عليه بسيط للغاية، المشهد السوري اليوم، مجازر متنقلة في كل مكان من البلاد، لكن الفصول الاكثر قسوة فيه، أكثر حضوراً في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، حيث مسلسل القتل اليومي، يتواصل من حلب في الشمال مروراً بحمص الى درعا في الجنوب ومن دير الزور شرقاً الى الرقة وصولاً الى ادلب في الغرب، تستمر عمليات القتل الجماعي، وفي مدينة حلب وحدها سقط أكثر من الف ومئتي شخص في ثلاثة ايام من الاسبوع الاخير بفعل قصف الطائرت بالبراميل المتفجرة، وفي ريف دمشق سقط مئات السوريين ما بين القلمون والغوطة نتيجة هجمات جوية وصاروخية على مناطق الغوطة ومدن القلمون، التي شهدت اضافة لما سبق، هجمات برية لقوات النظام بدعم من مليشيات حزب الله اللبناني ولواء ابو الفضل العباس العراقية.
ومقتلة مئات السوريين اليومية، التي يقوم بها النظام وادواته، سلوك متعمد ومقصود، هدفه الرئيس ايقاع اكبر عدد من الضحايا وخاصة في صفوف المدنيين، وبينهم اطفال ونساء عبر اختيار الاحياء السكنية والمدارس ووسائط النقل العام اهدافاً لهجمات البراميل والصواريخ، بل هي هدف للاقتحامات التي تم تنفيذها في القلمون وغوطة دمشق بعد حصارها ومنع المدنيين من مغادرتها وخاصة في مدينة النبك، التي فيها قتل مئات الاطفال والنساء في اقبية المدينة التي استخدمها السكان ملاجئ للهروب من القصف، فماتوا ذبحاً بالسكاكين قبل ان يتم حرق جثث كثيرين منهم.
والهدف الثاني للمجازر، كان ضرب الحاضنة الشعبية، التي تتواجد فيها بقايا تشكيلات الجيش السوري الحر، بل وضرب تلك التشكيلات وخاصة الموجودة في القلمون، والتي مازالت تحافظ على الحد الادني من وجودها المسلح منفصلة في الافكار والممارسة والتنظيم عن جماعات التطرف الجهادي مثل دولة العراق والشام “داعش” وجبهة النصرة في بلاد الشام، وعن التشكيلات الاسلامية، التي تشكل بيئة حاضنة للتطرف، تستمد الجماعات الجهادية منها المقاتلين المحتمل انضمامهم الى صفوفها.
اما الهدف الثالث لمجازر النظام اليومية، فهو خلق وقائع جديدة على الارض اساسها الاستيلاء على مواقع جديدة، كانت لفترة طويلة خارج سيطرة النظام كما هي النبك قارة في القلمون، او اضعاف مناطق مثل مدينة حلب تمهيداً لشن هجمات هدفها الاستيلاء عليها وعودة قوات النظام للسيطرة فيها، قبل الانتقال الى مناطق جديدة خارج سيطرة النظام، وقد اوضح الاخير، ان درعا في الجنوب، ستكون هدف الهجمات اللاحقة بعد الاستيلاء على القلمون شمال دمشق.
ان الاسباب التي عززت ذهاب النظام نحو مزيد من المجازر والهجمات الاخيرة كثيرة ومتعددة، لكن الابرز فيها ثلاثة، اولها تلقي النظام دعماً بشرياً ومالياً وتسليحياً من حلفائه في المحيط الاقليمي والدولي، حيث يتواصل تدفق المساعدات بالقوات على النظام. وبالاضافة الى الخبرات الروسية والايرانية من المستويين الامني والعسكري والتقني، فان مزيد من قوات الحرس الثوري الايراني يتوافدون الى سوريا، بينما يزج حزب الله اللبناني ولواء ابو الفضل العباس مزيد من عناصرهما، وتتواصل بدعم خفي من ايران والسلطات العراقية وبعض المرجعيات الدينية الشيعية، عمليات تجنيد وتنظيم آلاف العراقيين، ودفعهم للمشاركة في حرب نظام الاسد ضد السوريين لاسباب ودواعي طائفية.
كما ان بين اسباب تصعيد هجمات النظام ومجازره، تصاعد حالة الفوضى في المناطق الخارجة عن سيطرته، خاصة في ضوء تنامي نفوذ وحضور جماعات التطرف وتشكيلاتها الجهادية من داعش والنصرة، وهجماتها على تشكيلات الجيش الحر، ومحاولاتها المتواصلة لفرض نفسها وسلوكياتها على السكان في المناطق التي تسيطر وتنتشر فيها.
وترتبط هجمات ومجازر النظام مع محاولات توسيع سيطرته على الارض بالظرف السياسي الذي يحيط بالقضية السورية. اذ يستعجل النظام في استعادة سيطرته على مناطق هي خارج سيطرته مع اقتراب موعد انعقاد مؤتمر جنيف2 الذي من المفترض عقده اواخر الشهر القادم من اجل تعزيز اوراقه التفاوضية مقارنة باوراق المعارضة التي يمكن ان تحضر المؤتمر لتكون اضعف، مما يمكن مما يؤثر على موقفها التفاوضي، ويجعلها اقرب الى الانصياع الى فرضيات النظام ومطالبه.
غير ان اهداف النظام الكامنة وراء الهجمات والمجازر التي ينفذها بالتزامن مع تطورات سياسية داخلية وخارجية، لايمكن القول انها سوف تتحقق، لان مثل هذه هذه الاهداف كانت اساس سياسة، تم اتباعها على مدار اشهر الثورة وفي اغلب المناطق السورية، لكن شيئاً منها لم يتحقق باستثناء عمليات التدمير الواسع وقتل واصابة مزيد من السوريين، وكلاهما لم يؤد الى استسلام السوريين، ولا الى انتصار النظام، بل يمكن القول ان النتيجة الوحيدة التي تحققت هي تزايد ازمة النظام الناتجة عن اجرامه ودمويته، والذي سيضاف الى هذه النتيجة القديمة الجديدة، ان النظام وهو سيذهب الى جنيف2، سيكون محملاً بمزيد من الجرائم ليس الا.
المستقبل