صفحات العالم

سوريا بعد البيان الرئاسي: امتحانا الإقتصاد والأمن

أدخل البيان الرئاسي سوريا في مرحلة جديدة كرّست توازن القوى. بين الرئيس بشّار الأسد ومعارضيه، وبين روسيا وشركائها في مجلس الأمن. دُعي الأولون إلى حوار داخلي واعتراف متبادل لبناء التسوية، والأخيرون إلى التسليم بالأحجام: لا موقف دولياً لا تقتنع به موسكو
نقولا ناصيف
عزّز البيان الرئاسي الصادر عن مجلس الأمن، الأربعاء المنصرم، اعتقاد النظام السوري بأنه تجاوز مأزق إسقاطه، وبات متيقّناً من أن البيان لم يكتفِ باقتراح تسوية للأزمة توازن بين النظام ومعارضيه، بل حدّد عنواناً رئيسياً لها، هو وضعها موضع التنفيذ في ظلّ الرئيس بشّار الأسد ومن خلاله. لم يطلب من الرئيس السوري، كما يشاء العرب والغرب، الرحيل، وحضّ على حوار داخلي بقيادة النظام، وطلب من طرفي النزاع الكفّ عن استخدام العنف. قال البيان ما لم تكفّ روسيا عن قوله في الأشهر الأخيرة.
الواقع أن البيان الرئاسي أتى في التوقيت الذي طمأن دمشق إلى ثبات نظامها، متجاهلاً حمأة حملات الأشهر الأخيرة التي شُنّت على الأسد ودعته إلى الإعتزال، ووضعت روزنامة عمل للمعارضة كأن الرجل راحل غداً. في الساعات التالية لصدوره، قفزت موسكو فوق ردود الفعل المتباينة والإجتهادات التي رافقت البيان الرئاسي وعدّته تهديداً مباشراً للرئيس السوري لاستعجال انتقال السلطة، كي تقول لشركائها في مجلس الأمن إنه لا يزال الرئيس الشرعي لسوريا، وتبرّر لجوءه إلى الحسم العسكري بالقول إنه يعتني بمواطنيه. وهو الخيار الوحيد المتاح لهؤلاء الشركاء للتعامل مع الأزمة السورية، في سبيل التوصّل إلى قرار أو بيان رئاسي يصدر عن مجلس الأمن.
من دون الإعتراف باستمرار شرعية الأسد على رأس بلاده، سراً أو جهاراً، لا أمل في توقع إجماع دولي.
في ظلّ هذا الواقع، قرأ المسؤولون السوريون البيان الرئاسي، وهم يتحدثون بثقة عن أن النظام عَبَرَ نفق إسقاطه، واستعاد مبادرة اشتباكه مع المجتمع الدولي أكثر منه مع معارضيه. يتحدّث هؤلاء، أيضاً، عن مرحلة جديدة من المواجهة تلي جولتين يعتقد النظام بأنه اجتازهما: سياسية قادتها موسكو في مجلس الأمن قبل البيان الرئاسي وبعده لمنع تقويض النظام بالقوة، وإجراء انتقال للسلطة من رئيس وحزب إلى الفوضى. وعسكرية مكّنت الأسد من استعادة بعض المدن الكبرى بعدما استولت المعارضة المسلحة على أجزاء واسعة منها.
أما الجولتان الأخريان اللتان يتحسّب لهما النظام، فهما امتحانا الاقتصاد والأمن:
ــــ الأول ناجم عن العقوبات الغربية والمقاطعة العربية لسوريا. وقد أشاعتا القلق في الأسواق، وعملتا على تشجيع التجّار والمستثمرين وأصحاب رؤوس الأموال والمؤسسات الكبرى على الإنتقاد العلني للأسد والتحريض عليه. كان النظام قد حاول استيعاب تداعيات العقوبات والمقاطعة بتدخّل المصرف المركزي السوري وضخّ أموال إيرانية والإلتفاف على العقوبات عبر السوق العراقية بطريقة مطابقة لما تقوم به الجمهورية الإسلامية بإزاء العقوبات التي يفرضها عليها المجتمع الدولي. ويُعوّل النظام على صمود اقتصاده بحدّ أدنى متوقع انسجاماً مع الميزة التي يتمتّع بها، وهي أنه لا يزال اقتصاد حرب واقتصاداً متقشّفاً، وغير مدين خصوصاً.
ــــ الثاني، هو الأدهى والأكثر إيلاماً لاستخدامه الهجمات الأمنية والتفجيرات عبر خلايا مناوئة للنظام، يمكنها التحرّك بسهولة وسرية من ضمن مجموعات صغيرة لا تزيد بالضرورة على خمسة لإحداث البلبلة والفوضى وبثّ القلق بتفجيرات متنقلة منهكة للرئيس السوري ونظامه، ومن شأنها الإستمرار أشهراً طويلة. يُدرك النظام أيضاً وجود بيئة اجتماعية ودينية حاضنة للمسلحين، وأخصّهم السلفيين والمتطرّفين. ويعرف أن نجاحه في تقويض قواعدهم وبناهم العسكرية لا يعطّل، في ظلّ البيئة الحاضنة، مقدرتهم على تحريك الخلايا وجمع المعلومات التي تضع مؤسسات السلطة في متناولهم.
لكن الجانب الآخر من هذه المواجهة يتمثّل في الأهمية التي بات النظام يوليها للأجهزة الأمنية، منذ اندفع في الحسم العسكري الشهر الماضي، على نحو يفسح في المجال أمامها ــــ بعد انكفاء الآلة العسكرية والأسلحة الثقيلة والفرق ــــ للاضطلاع بدور محوري في تعقب خلايا المعارضة المسلحة.
ويستند اهتمامه هذا إلى فكرتين رئيسيتين تتداولهما القيادة السورية:
أولاهما، إنشاء مجلس للأمن الوطني تستظله الأجهزة الأمنية المتعددة الوظيفة من أجل إدارة عملها، وفي أحسن الأحوال تنسيق هذا العمل في ما بينها على صعيدي جمع المعلومات وتنفيذ مهمات أمنية خطيرة. كان الحسم العسكري قد ألقى بثقله على خيارات ضيّقة للأسد وهو يواجه ضغوطاً دولية متلاحقة، وكمنت الخشية من نتائجه حينذاك في أن إخفاق الجيش في ضرب المسلحين وإنهاء وجودهم في حمص وإدلب، كان سيؤول حكماً إلى انشقاق ضخم في المؤسسة العسكرية يعرّضها للإنهيار الكامل.
ثانيتهما، مراقبة الحدود مع لبنان والعراق والأردن وتركيا وضبطها، والسيطرة على حركتي العبور الشرعي وتسلل الأشخاص وتهريب الأسلحة والعتاد. إذ يعتقد النظام أن المرحلة الجديدة، الموازية لاستمرار إجراءات الحسم العسكري في مناطق لا تزال ساخنة يصطدم فيها الجيش بمسلحين، تكمن في اختراق الإرهاب بالمعلومات. وهو بذلك يكشف عن اجتماعات مهمة تعقدها أجهزة استخبارات سورية وعراقية وإيرانية في سياق تحالف دول الجوار هذه، ليست بعيدة عنها الإستخبارات الخارجية الروسية التي تتقاطع معها حيال أهداف مشتركة تتوخى كشف خلايا ارهابية سلفية ومتشدّدة تستهدف هذه البلدان بنسب متفاوتة. تتبادل الإستخبارات العراقية والسورية والإيرانية المعلومات مع نظيرتها الروسية التي تزوّدها بدورها بمعطيات أخرى.
ويجد المسؤولون السوريون أهمية عالية في هذا التنسيق لجبه اجتماعات مماثلة يبدون واثقين من حصولها على اراضيهم وخارجها، وتخفي شبكة اتصالات وتنسيق وتمويل بين استخبارات قطرية وسعودية وفرنسية وتركية وأميركية، وفي إحدى المراحل أردنية، لإدارة المعارضة المسلحة لنظام الأسد، المعلوم منها كـ «الجيش السوري الحرّ»، والمكتوم كالإخوان المسلمين والتيّارات السلفية والمتشدّدة.
الأخبار

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى