سوريا بعد 18 آذار
مازن كم الماز
أقبح ما في سوريا اليوم , هذا النظام الذي نهب السوريين و قمعهم طويلا و الذي يريد اليوم أن يبقى جاثما على صدورنا فقط على أكوام الجثث , هذا القبح الذي أفسد حياتنا و يريد أن يلوث ارواحنا قبل أن يرحل , أقبح ما في سوريا يريد اليوم أن يقتل أجمل ما في سوريا , أي هذا الشباب الذي ثار أخيرا مطالبا بحريته و بحريتنا جميعا و بحقه في الحياة دون مخابرات و سجون , دون نهب و استغلال و دون رامي مخلوف , كل ذلك الماضي المظلم الذي تركز في النظام و في شخوصه يريد اليوم أن يغتال المستقبل الحقيقي , أن يغتال الفجر القادم المتمثل في هؤلاء الشباب , في ثورتهم من أجل الحرية و الكرامة … يتطوع الكثيرون اليوم دون أدنى إحساس بالخجل للدفاع عن القبح , عن قبح هذا النظام و بشاعته التي تفوق اليوم كل وصف , عن جرائمه المروعة و عن مجازره و مقابره الجماعية , و يتطوع الكثيرون اليوم ليهاجموا بقعة الضوء التي تكبر مع كل يوم في سوريا , واعدة بالحرية و الكرامة , دون أي خجل أيضا , لنذكر كيف أن هذا الجيل من الشباب قد ترك للبطالة و للمجهول و لليأس أو الاغتراب , دون عمل أو مستقبل أو أمل , هذا بينما كان النظام يبيع سوريا و يشتريها هو نفسه جزءا بعد جزء محولا أهلها إلى متسولين , بينما كان رامي مخلوف و محمد حمشو يكدسون ملياراتهم نيابة عن العائلة الحاكمة و بينما كانت سوريا تقسم بجدار من الشبيحة و أجهزة أمن الطغاة و المستغلين , بجدار من الخوف و الصمت , بين جزء كان يتمدد و يزداد بسرعة هائلة هو ما يملكه الأغنياء , أمثال مخلوف و حمشو و غيرهم من المرتبطين بالنظام , و بين جزء كان ينكمش و يتقلص كل يوم هو ما بقي ممكنا و متاحا لملايينها المهشمة و المفقرة , ترك هذا الجيل لمصيره بينما كان النظام يغرق سوريا في الصمت و الظلام بقوة أجهزته القمعية و سجونه و أقبيته و محاكم أمن الدولة و شبيحته , كان الأنين محرما في سوريا , الشكوى جريمة و الصمت هو فضية الفضائل , ترك هذا الجيل لمصيره , بينما كانت المعارضة تتخاصم حول شخص جورج دبليو بوش الذي ملأ دنياها و شغل ناسها , ترك هذا الجيل لمصيره بينما تنازع المثقفون و المنظرون حول النيوليبرالية التي سرقت من هذا الجيل حياته و مستقبله و أحلامه , حتى من انتقد النيوليبرالية لم يفعل ذلك بسبب ما فعلته نيوليبرالية النظام بهذا الجيل الضائع من الشباب بل انتقاما لإيديولوجيات سبق لها أن اضاعت هي أيضا أجيالا أخرى في بلاد أخرى و اغتالت أحلاما أكبر في بلاد أبعد عنا , تواطئنا بمشاركتنا إما بالصمت أو بتزييف حقيقة الصراع في سوريا في قهر هذا الجيل و اغتيال أحلامه , لكن هذا الشباب قرر فجأة في غفلة من الجميع أن يأخذ زمام المبادرة , أن يأخذ زمام أمره بيده , توقف فجأة عن انتظار إصلاح بشار الأسد الذي لا و لن يأتي و توقف عن انتظار حل سحري , إلهي سماوي او حتمي ليبرالي يمثل نهاية التاريخ أو نتيجة لخضوع مطلق لهيمنة الغرب الرأسمالي “المتحضر” أو ماركسي تحمله قيادة ملهمة أخرى , و بدأ يقلع أشواكه بنفسه , هذا الشباب اليوم الذي زعموا أنهم سيعلمونه معى الحرية أو الثورة هو من يعلم الجميع اليوم ما تعنيه الحرية و الثورة , لم يبق أمام من كان يزعم أنه في موقع من يعلم الآخرين معاني الحرية أو الثورة , لم يبق أمامه إلا أن يحرق دفاتره القديمة و يبدأ هو بالتعلم , علينا جميعا أن نبدأ بالتعلم من هذا الشباب و من ثورته , يمكن التنظير لها لكن ليس عليها , يمكن دعمها لكن لا اختطافها , على الأقل الآن , فالشيء الجدي الوحيد في سوريا اليوم هو دماء هذا الشباب و إرادته التي تتعاظم في سبيل الحرية و رصاص هذا النظام المجرم , إن الثورة هي هذه المدرسة الجديدة التي علينا أن نعود فيها جميعا تلاميذ في الصف الأول مهما بلغنا من العمر أو من الخبرة أو من الفهم أو من القدرة على التحليل و إرشاد الآخرين و غير ذلك مما نسبناه لأنفسنا , أو نسبه البعض لنفسه طويلا , نحن اليوم جميعا تلاميذ في مدرسة الثورة , في مدرسة الواقع حيث تصبح الدوغما و العقائد و أسماء المنظرين و المخلصين و الأنبياء الكبار مجرد أسماء فقط دون أي زخرف براق , أسماء من ماض انقضى ماضي ما قبل الثورة ماضي التهميش و الصمت و التغييب الذي كان وحده يبرر كل هيبة و جدية أولئك المخلصين و الأنبياء و مشارعهم الخلاصية لكن دون أي جدوى , حان الوقت للجميع , لنا جميعا , لنتوقف عن لعب دور الأب , دور المعلم , لسنا آباء الثورة و لسنا آباء لهذا الجيل من الشباب الثائر المتمرد على واقع قهره و تهميشه على يد النظام , هذا الجيل يستحق حريته اليوم لأنه تمرد على خنوع آبائه و صمتهم , الثورة اليوم هي من يلدنا من جديد , هذا الجيل هو معلمنا اليوم , هذه الثورة هي التي تعيد تربيتنا , كأحرار , كبشر , في نهاية المطاف , شيء من التواضع في حضرة هذا الشباب الرائع أيها المعلمون , أيها “السادة” , “سيد” الوطن , و “سيد” المقاومة , ثقافة السادة هذه في أيامها الأخيرة , في نزاعها الأخير كما هو حال كل السادة في سوريا و في هذا الشرق , صحيح أنها قد تعود للظهور ثانية لكن هذا يتطلب إعادة خلق مقدسات و محرمات و تابوهات جديدة و إعادة خلق نفسية العبيد و ثقافة العبيد و السادة من جديد , و من يصر على ألا يفهم ما يجري اليوم يجب أن يلوم نفسه فقط , أهان حسن نصر الله نفسه بنفسه إذ لم يفهم هذا , من يستهتر بدماء السوريين و حريتهم و حياتهم و آمالهم و آلامهم عليه فقط أن يلوم نفسه عندما يواجهه الثوار بما يستحق من استهتار تماما كما فعلوا بالأمس بسيده و كلاب سيده , و من يجرؤ على امتداح جنون القبح الذي يمثله بشار الأسد عليه أن يقبل في نهاية المطاف أن يعامل كجزء من هذا القبح الفاجر الذي يمثله ماهر و رامي و بشار و آصف , من يجرؤ اليوم على وصف هذا النظام القروسطي الحجاجي القراقوشي بصفات الحداثة أو الممانعة أن يقبل بأن يعامل كواحد من أزلام الحجاج – قراقوش لا أكثر و لا أقل , أن يقبل بأن يحاكم مع حداثته و ممانعته كما يحاكم و سيحاكم بشار نفسه أمام هؤلاء الشباب , أمام هذا الشعب العظيم , البديل اليوم عن صورة و دور المثقف – المعلم و السياسي – السيد و رجل الدين – السيد هو بكل بساطة الإنسان المناضل في سبيل حريته , كمقدمة ضرورية لكينونتنا كبشر أحرار و لتحولنا من عبيد إلى بشر أحرار