سوريا بين إرهابَين/ رياض نعسان أغا
أستغرب حماس داعمي النظام حين يتحدثون عن مهمتهم في مكافحة الإرهاب، وينكرون أن قواتهم العسكرية تدمر المشافي وتقتل الأطفال وتشرد آلاف المدنيين، وقد حشدوا أقوى ما لديهم من أسلحة للقضاء على تنظيمات متطرفة لم يكشف العالم بعد سر ظهورها وآليات نموها وكيفية تلقيها الدعم العسكري والمالي. وقد كشفت مراصد مختصة أن 2% من العمليات العسكرية في سورية كانت ضد الإرهاب و98% كانت ضد المواطنين السوريين المدنيين، والعجيب أن المسؤولين والمعلقين في الدول الداعمة للنظام ينكرون الحقائق ويصفون الصور والفيديوهات الحية التي تصور إجرامهم بأنها «مفبركة» وينكرون الوثائق التي تواجههم بها المنظمات الدولية!
والمدهش مؤخراً أن يتهم لافروف في تصريح مثير الوسيط الدولي ديمستورا بأنه يعوق مسيرة المفاوضات السورية! ولم تشفع لديمستورا مراعاته الدبلوماسية المسرفة للنظام وللروس وحتى للإيرانيين، وكان بوسعه أن يسبقهم إلى إعلان الحقيقة وتحميلهم مسؤولية إفشال جولات المفاوضات الثلاث بسبب «الفيتو» الروسي المستمر، وإصرار روسيا على تعطيل القرار الأممي 2254. والتلاعب في تفسير بيان جنيف الذي تحدث بوضوح عن عملية انتقال سياسي، وعن الإصرار على اتهام مؤتمر الرياض بأنه لا يمثل قوى المعارضة، مع أنه يضم تياراتها الكبرى (الائتلاف، هيئة التنسيق، الفصائل العسكرية، المستقلين)، ولكن إصرار بيان المؤتمر على رحيل الأسد وزمرته جعل موسكو تبحث عن معارضة بديلة مرة في رميلان وأخرى في حميميم، وتنشئ منصات مهمتها الحفاظ على بقاء الأسد رئيساً والدعوة إلى جعل المرحلة الانتقالية بقيادته، وتصر على أن يخوض الانتخابات الرئاسية المقترحة في القرارات الدولية، وهي تعلم صعوبة أن تنافسه المعارضة المشردة في بقاع العالم، بينما هو يملك قوى عسكرية وفروعاً أمنية وميليشيات (وشبيحة)! ومحال كذلك أن يترشح أحد من المؤيدين بجدية قبالته، بينما لا تملك المعارضة القدرة على الاصطفاف خلف مرشح واحد، مما يشتت أصواتها، ويجعل الفوز مضموناً للأسد.
ومهما حاول بعض داعمي الأسد أن يزيفوا الحقائق والوقائع، فهم مع النظام مسؤولون عن قتل نحو مليون سوري، واعتقال مئات آلاف السوريين، وعن تشريد نحو 14 مليوناً، وتدمير المدن والقرى وهدم البنى التحتية في سورية، وعن إصابة أكثر من مليون ونصف المليون بإعاقات جسدية. ولو أن مجلس الأمن خارج عن سلطة «الفيتو» الروسي، وعن ضعف الموقف الأميركي، لحاسب المسؤولين عن الجرائم ضد المدنيين في سورية، وهي جرائم أخطر بكثير من جرائم المتطرفين، وبوسع الباحثين إجراء مقارنة بين حجم ضحايا داعمي الأسد وإرهاب «حزب الله» والميليشيات الطائفية، وبين ضحايا إرهاب المتطرفين، وستكون النتيجة مذهلة! وهذا طبعاً لا يعفي التنظيمات الإرهابية مثل «داعش» ومشتقاتها من المسؤولية، ولكنه يشير إلى أن السوريين وقعوا بين إرهاب منظم يمتلك قوة كبيرة، وبين إرهاب عشوائي منفلت من كل القيم، وأن قضيتهم الوطنية ضاعت بين هذين الإرهابين، ولن يشعر العالم الحر بمسؤوليته الإنسانية عن هذا الدمار الساحق إلا بعد أن تتحول سورية إلى جرح غائر في وجدان البشرية، وعندها قد يقوم المسؤولون اليوم (بعد أن يتقاعدوا) بكتابة مذكراتهم وتقديم اعتذارهم وتبادل تحميل التهم بالتقصير فيما بينهم (ولات ساعة مندم).
أليس مريعاً أن يجلس العالم كله متفرجاً على موت مدينة حلب وموت سكانها تحت أنقاض مساكنهم؟ وهل يجهل أحد في العالم مكانة هذه المدينة حضارياً وإنسانياً، وهي التي كانت عبر القرون مثالاً للمدنية التي تقدم نموذج العيش المشترك بين الشعوب، وتفاعل الثقافات والحضارات؟
الاتحاد