صفحات سوريةطيب تيزيني

سوريا بين الأقليات والأكثرية


طيب تيزيني

كثر الحديث عن الوضع الطائفي في سوريا، وعما إذا كان هذا الوضع هو الذي سيكون “بمثابة القشة التي ستقصم ظهر البعير”، بل إن حالة جديدة يسجلها الباحث المراقب لأهميتها وهي ارتفاع نبرة الحديث عن ذلك الوضع في سوريا بالتوافق مع أحداث عسكرية دامية تُقَّدم في الإعلام على خلفية صراع طائفي. وجاء من قبيل ذلك ما حدث بين سكان من مدينة السويداء الدرزية ومدينة درعا السنية، حين جرى اختطاف عدد معين من كلتا المدينتين، وحين راح البعض يسوقه بصفته حادثاً طائفياً، كان ذلك قبل ما يقرب من الأسبوعين. ولولا أن تصدى لهذا الحدث جموع من المواطنين العقلاء، حيث دفنوه كما دفنوا أحداثاً أخرى مماثلة سابقة في ذاكرة الموت المقيتة، لكان أحدث مذبحة بين أبناء المدينتين المذكورتين.

ما عرضناه يمثل إحدى الشرارات التي فجرها أناس أقل ما يقال فيهم إنهم أرادوا من ذلك إشعال النار في سوريا بين طوائف عاشت حتى الآن – بغض النظر عما حدث من أحداث مماثلة في عهد الانتداب – الاستعمار لسوريا، وكذلك في أحوال أخرى فريدة.

وإذا أخذنا بالاعتبار أن التاريخ الطائفي السوري كان – عموماً – تاريخاً قام على التوافق بين كل مكونات الشعب السوري، أي على مبدأ الإقرار بالآخر تحت راية العلم السوري والمواطنة السورية، فإن مسؤولاً كبيراً يطرح نفسه – بكل مرارة واستفزاز – وهو: لماذا يصعد خطاب الطوائف في سوريا الآن بلهجة طائفية خطيرة، إلى السطح، آخذاً صيغة يتضح منها الدم عبر القتل والاستباحة وتدمير كل ما يتحرك على الأرض السورية؟ واستتباعاً لذلك: لماذا تحدث المجازر الدموية المروعة الآن، وقد ودَّعْنا آخرها في الحولة والقبير وأخرى منذ ما يقترب من أسبوعين؟ مع العلم أن هذه المجازر تفوح منها رائحة لا تُخطئ بُعدها الطائفي، وأفقها التدميري.

الآن وبعد أن راح يحدث ما يحدث في سوريا من تصميم على تدميرها، خصوصاً عن طريق تصعيدها بوسائل متعددة تبرز الحرب الطائفية (وليس الأهلية) ضمنها، نستدعي الذاكرة التاريخية، التي يمتلكها جيل الهزيمة في العالم العربي والتي راح يضخها بالحياة، كي يقرأها من جديد وفي ضوء الراهن المشتعل: ألا تتضمن الصراعات الطائفية في سوريا دلالة تشير إلى مرحلة سبقت مرحلتنا هذه المحشوة بما يُعرف وبما لا يُعرف من قنابل يُراد لها أن تضع سوريا وجهاً لوجه أمام استراتيجية الشرق الأوسط الجديد أو الأكثر جِدّة: إن ما لم يتحقق قبل سنين، لا يُدفن في مقبرة التاريخ، خصوصاًِ إذا لم يفقد وظائفه الاستراتيجية المنوطة به! وهذا هو ما ينطبق أو ما قد ينطبق على المشروع المذكور، ونذكّر الآن بما كنّا نراه بعد سقوط بغداد، كان رأينا أن دور سوريا سيحل في اللحظة المناسبة، أي في اللحظة المحتملة، التي يكون أو قد يكون الإصلاح والتغيير والتحديث قد دخل مرحلة أخطر ما تتسم به هو الاضطراب والعنف ومواجهة الدعوة إلى تلك الأهداف الثلاثة بالحديد والنار، أو بنمط من المراوغة المسلحة بهاتين الأداتين.

وعلينا أن نذكّر بما طفح من رهانات واستراتيجيات واحتمالات سياسية (مع غياب السياسة في سوريا) وغيرها، بعد سقوط بغداد، كانت الرؤية التاريخية المستقبلية، كما رأيناها آنئذ، تقوم على أن الحلول المطروحة، أو التي ستُطرح كحل لما اعتبر أزمة بنيوية في سوريا، تتشعب إلى أربعة هي التالية: انفجار الوضع الاجتماعي الاقتصادي (الطبقي) يُسعى إلى تغطيته أو تزويره طائفياً. وتفجير الوضع الطائفي شافولياً وأفقياً ولولبياً. والعمل على استدراج الخارج لاقتحام الداخل السوري، وتحويل حُطامه التاريخي إلى حالة من صراع بين الجميع على نحو يجعل هؤلاء أطرافاً مسؤولة عن ذلك: المال الحرام يحفز اللصوص على “التدخل” بطريقة ما. وأما الحل الآخر والأخير، فهو الذي يستجيب لاحتياجات الإصلاح والنهوض والتحديث وفق حاجات مجتمع (هو السوري)، ظل أكثر من نصف قرن يحاول إنجاز حالة جديدة، لكن حيتان هذا المجتمع يقفون بالمرصاد لذلك.

الاتحاد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى