صفحات العالم

سوريا بين التقاتل والتفاوض

 

عصام نعمان

ما زالت سوريا، بعد أكثر من عشرين شهراً، تعاني تقاتل أطراف الصراع المتعددي الهوية والانتماء . الشعب يعاني، لكنّ أطراف الصراع لا يعانون أو، في الأقل، لا يعترفون جهاراً بذلك . ولأنه يعاني، يطالب الشعب بوقف التقاتل والدخول في التفاوض من أجل تسوية النزاع واستعادة السلم الأهلي .

أطراف الصراع لا يرفضون التفاوض بل يضعون شروطاً له وعليه . الواقفون وراء أطراف الصراع فئتان: واحدة تطالب بمفاوضات بلا شروط مسبقة . وأخرى توافق على التفاوض شريطة أن تسبقه تنحية الرئيس السوري .

منذ أسبوع، اجتمع وزيرا خارجية روسيا وأمريكا، لافروف وكلينتون، وتوصلا إلى تفاهم على اعتبار اتفاق جنيف اساساً للتفاوض بشأن تسوية الأزمة السورية . دعما تفاهمهما بعقد اجتماع بين نائبيهما، بودغانوف وبيرنز، للتفاهم على آليات المفاوضات المرتقبة .

هل وضعت روسيا وأمريكا أزمة سوريا على سكة التفاوض فعلاً؟

ظاهر الحال يشي بذلك . الكواليس تشي بشيء آخر . مؤشرات التفاهم على بدء التفاوض ثلاثة: اجتماع وزيري خارجية البلدين ومن ثم نائبيهما، وغياب كلينتون عن اجتماع مجموعة “اصدقاء سوريا” في مراكش، وانحسار حملة التخويف الأمريكية من احتمال استعمال النظام السوري أسلحةً كيميائية ضد خصومه المحليين .

الكواليس وبعض ما يفيض منها إلى العلن يشي، أحياناً، بمؤشرات سلبية: اعتراف الرئيس أوباما ب “الائتلاف الوطني السوري” ممثلاً شرعياً للشعب السوري، ودعم المعارضة السورية المسلحة بمزيد من المعدات والتجهيزات غير المميتة، ومضيّ الولايات المتحدة وحلفائها الأطلسيين في خطة نشر قواعد صواريخ “باتريوت” في تركيا بالقرب من حدودها مع سوريا .

في دمشق، يترقّب المسؤولون المزيد من التحركات باتجاه خيار التفاوض . يقولون إن الولايات المتحدة ما كانت لتوافق على بدء إجراءات التفاوض وفق اتفاق جنيف لولا عوامل ثلاثة: إخفاق الهجوم الأخير للمعارضة السورية المسلحة في ريف دمشق وعلى العاصمة ومطارها الدولي، وشعور واشنطن بالخطر من اتساع انتشار وفعالية المجموعات المسلحة المتفرعة عن تنظيم “القاعدة” أو الموالية له ما اضطرها أخيراً إلى وضع “جبهة النصرة” وقياداتها على لائحة الإرهاب، وتراجع نفوذ الإخوان المسلمين في مصر بعد الأحداث والاضطرابات الأخيرة التي عصفت بها وانعكاس ذلك سلباً على الإخوان المسلمين في دنيا العرب عموماً، وفي سوريا خصوصاً .

لا غلو في القول إن مصير ثنائية التقاتل والتفاوض يتوقف، بالدرجة الأولى، على الولايات المتحدة . يبدو أن أوباما في ولايته الثانية يعتزم إعطاء الأولوية في اهتماماته وسياساته للوضع الاقتصادي المتأزم في بلاده . ذلك يستوجب، من بين إجراءات متعددة، تقليص التزامات أمريكا الخارجية ما أمكن مع مراعاة مصالح حلفائها الإقليميين، ولا سيما “إسرائيل” .

إلى ذلك، يتجه أوباما، على ما يبدو، إلى معالجة القضايا الساخنة في الشرق الأوسط بمقاربة متكاملة تشملها جميعاً لأنها متداخلة ومتوافقة، بمعنى أن تسوية بعضها، إن لم يكن كلها، يتوقف على تسوية بعضها الآخر، ولأن الولايات المتحدة لاعب أساس وبالتالي قاسم مشترك بينها جميعاً .

في ضوء هذا الواقع المتطور ترصد واشنطن وتدرس التفاعلات والتداعيات الناجمة عن تحديات خمسة:

الأول، الصراع المرير على السلطة الذي يخوضه الإخوان المسلمون في مصر وانعكاس نتائجه على مستقبل وجودهم ونفوذهم في مصر، كما في سوريا وفلسطين والأردن والعراق والسودان، وعلى سائر الحركات الإسلامية في عالم العرب .

الثاني، الصراع المرير في سوريا وما يمكن أن يفيض به من تداعيات على محور الممانعة والمقاومة من جهة وما يمكن أن تتركه هجرة مئات آلاف السوريين من آثار اقتصادية واجتماعية وسياسية في تركيا ولبنان والأردن من جهة أخرى .

الثالث، انعكاس التطورات في كل من مصر وسوريا على الصراع الفلسطيني  “الإسرائيلي” ولا سيما على وضع حركتي “حماس” و”الجهاد الإسلامي” بعد حرب غزة الأخيرة وارتفاع وتيرة ما تسميه الصحف “الإسرائيلية” “الحس الوطني” في الضفة الغربية باتجاه دعم خيار المقاومة وبالتالي احتمال اندلاع انتفاضة ثالثة .

الرابع، متابعة إيران برنامجها النووي وعدم فعالية العقوبات في حملها على تقديم تنازلات في هذا المجال، بالإضافة إلى قيام طهران بالاستفادة من تداعيات حرب “إسرائيل” الأخيرة على غزة من أجل استعادة تركيز الدول العربية على الكيان الصهيوني، لا إيران، بما هو الخطر الأول عليها جميعاً .

الخامس، تداعيات الانحسار المتدرج لحاجة الولايات المتحدة لنفط الشرق الأوسط على الأمن القومي لحلفائها الإقليميين في وقت تزداد حاجة الصين لنفط ايران والعرب وبالتالي ازدياد نفوذها في دول المنطقة .

هذه التحديات والمخاطر تضعها إدارة أوباما في حسبانها عند رسم سياساتها في المنطقة، ولن يمر وقت طويل قبل ان تبدأ تباشيرها بالظهور .

الخليج

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى