صفحات العالم

سوريا بين وزيرين!


طارق الحميد

تصريحان لافتان حول سوريا نقلتهما وكالات الأنباء الدولية بالأمس، أحدهما لوزير الخارجية البريطاني، والآخر لوزير الدفاع الألماني، وكلا التصريحين جاء على طرفي نقيض، وإن كان التصريح الألماني أكثر حدة، بينما التصريح البريطاني أكثر توصيفا للواقع.

وزير الخارجية البريطاني ويليام هيغ شبه، في مقابلة مع محطة «سكاي» الإخبارية، الأوضاع في سوريا بوضع البوسنة في التسعينات، رافضا استبعاد فكرة التدخل العسكري هناك، قائلا: «لا نعرف كيف ستتطور الأمور، سوريا على شفير انهيار أو حرب أهلية طائفية. وبالتالي، لا أعتقد أن بإمكاننا استبعاد أي شيء كان». مضيفا أن سوريا «تشبه أكثر البوسنة في التسعينات لأنها على شفير حرب أهلية طائفية حيث تتبادل قرى مجاورة الهجوم وتتقاتل فيما بينها». بينما يقول وزير الدفاع الألماني توماس دي ميزير في مقابلة مع صحيفة «تاغس تسايتونغ» الألمانية: «أجد من الصعب تحمل مطالبة مثقفي مقاه في العالم بالاستعانة بالجنود دون حساب لما تعنيه هذه الخطوة». مضيفا أنه ينظر «بقلق» إلى هذه الطريقة «الفجة» بالمطالبات الموجهة للعسكريين. ويقول إن «مثل هذه الثرثرة من أناس لا يتحملون أي مسؤولية، تؤدي إلى إحياء الآمال في مناطق مثل سوريا وتتسبب في الوقت نفسه في إحباط مخيف»! وجهتا نظر مختلفتان تماما. الثانية، وهي لوزير الدفاع الألماني، فيها تسفيه لمن يطالب بالتدخل لحماية السوريين من آلة القتل الأسدية، ويعتبرهم ثرثاري مقاهٍ، بينما نجد وزير الخارجية البريطاني يحذر من أن سوريا على شفير الانهيار، والانزلاق إلى الحرب الأهلية، وأنها أقرب للبوسنة في التسعينات! فماذا عما يزيد على 14 ألف قتيل في سوريا، وانتشار موجة الاختطاف على الهوية؟ وماذا عن المجازر التي ترتكب يوما بعد آخر هناك؟ وماذا عن سوريا المهددة بالفشل برمتها؟ وهذا يعني اندلاع موجة حرب طائفية غير مسبوقة في المنطقة، فحينها ستتدخل إيران، وحزب الله، والحكومة العراقية الحالية، في الشأن السوري، وسيكون الرد على ذلك بشعا بكل تأكيد. فحينها ماذا سيكون مصير كل المنطقة، وليس سوريا فقط؟ فهذه ليست أسئلة ثرثاري مقاهٍ، أو أناس لا يتحملون المسؤولية، بل هي أسئلة مستحقة. أوليس من واجب المجتمع الدولي حماية السلم الأهلي في أي بلد، وحماية المدنيين من القتل المنظم؟ أم أن الحماية لا تشمل السوريين؟ أمر مزعج، ومحبط، خصوصا عندما تأتي تصريحات تسفه المطالبة بحماية المدنيين!

فكيف يمكن – مثلا – مقارنة موقف الوزير الألماني اليوم من سوريا بموقف وزير المواصلات الألماني السابق كريستيان شوارتس، إبان أزمة يوغوسلافيا، حيث قدم استقالته في 1992 قائلا إنه يشعر بالعار «من الانتماء لحكومة تشاهد بلا حراك مأساة يوغوسلافيا»، ومنددا بسلبية «الذين يراقبون المأساة من دون تدخل، في الوقت الذي يموت فيه آلاف الأشخاص»؟ فهل كان حديثه وقتها حديث ثرثاري مقاهٍ، خصوصا وأن المجتمع الدولي قد تدخل بعدها، وبعد تردد يشبه ما نشاهده اليوم من المجتمع الدولي تجاه جرائم الأسد؟ فهل المطلوب أن يعيد المجتمع الدولي أخطاء يوغوسلافيا في سوريا اليوم؟ أمر مؤسف فعلا.

الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى