سوريا… تحدٍّ عربي!
محمد خلفان الصوافي
العرب قلقون من تطورات الوضع السياسي في سوريا، فهي دولة مركزية في الإقليم، ولا يمكن تجاهل ما يحدث فيها أو التغافل عنه. والعرب أيضاً، مترددون في اتخاذ موقف صريح وواضح تجاه أي من طرفي الأزمة: النظام والشعب؛ فالوقوف مع الشعب سيثير النظام، ذي الحساسية التقليدية من التدخل والتطرق إلى شؤونه الداخلية. والوقوف مع الشعب، سيثير دولاً إقليمية لها مصالحها في بقاء النظام السوري المرتبط معها بملفات استراتيجية، والنتيجة زعزعة الاستقرار في المنطقة، وإثارة قلاقل في عدد من الدول العربية.
أما الوقوف مع النظام صاحب الحل الأمني في التعامل مع المطالب السلمية، ففيه تجاوز للمجازر التي يرتكبها ضد شعبه؛ فلا المبادئ الإنسانية ولا القواعد الدولية تقبل بما يفعله النظام، ولا يؤمن النظام السوري بالحل السياسي، بل بالحل الأمني الذي يسيطر على تفكيره، منذ اندلاع الثورة السلمية منذ مارس الماضي.
وسوريا حالياً هي التحدي العربي الأكبر والأعقد، من بين الدول التي أصابها الربيع العربي، وطريقة المعالجة تؤكد أننا بصدد ثورة مسلحة، بعد أن تم الدخول في مرحلة الاغتيالات السياسية، وكذلك استخدام لغة التهديد بإشعال المنطقة. وكل المراقبين يتفقون على أن لسوريا وضعاً مختلفاً عن كل الدول العربية؛ فهي لها دور كبير في الاستقرار وعدمه. وهي تقـبض على الكثير من الملفـات المهمة في المنـطقة؛ مثل: الملف اللبناني و”حزب الله” وملف السـلام العربي مع إسرائيل والملف العراقي “المتشابك”. وهي كذلك تستضيف عدداً من الحركات السياسية في المنطقة، بعضها محسوب على دول إقليمية، بالإضافة إلى البعد الطائفي الداخلي، ويمكنها أن تقوم بأعمال لحساب دول أخرى؛ وهذا يعني أن أي انفجار في الوضع الداخلي، ربما يؤدي إلى خلل أمني في المنطقة العربية كلها، يتجاوز الحدود الوطنية السورية. ويدرك المسؤولون السوريون ذلك؛ لذا نجد تهديدات وزير الخارجية السوري لكل من يعترف بـ”المجلس الوطني”. لكن تأثير سوريا محدود دبلوماسياً واقتصادياً؛ ومن ثم فتهديده غير واضح إلا فيما يملكه من ملفات أخرى.
ومن بين أوضاع الحراك السياسي “الربيع العربي”، لم نجد شرخاً في المواقف السياسية، العربية والعالمية، كما نجد اليوم إزاء الموقف السوري؛ وهذا دليل آخر، على التعقيد السياسي لدولة تعاملت الدول الكبرى وإياها بدقة شديدة، سواء في عهد الأسد الأب أو الأسد الابن، وهو ما يزيد من قلق المراقبين.
والعرب لا يستطيعون التعايش مع يحدث في سوريا، كما هو الشأن في تونس ومصر وليبيا؛ بوصفه أمراً داخلياً؛ فتأثير الوضع يمسهم من واقع الملفات التي بأيدي السوريين. والسكوت العربي عن الإعلان عن موقف محدد، تجاه ما يحدث في سوريا؛ يفسر مدى “المأزق” الذي يعيشونه، خاصة أن الطرفين السوريين: النظام والشعب، متمسكان بموقفيهما، مما يصعب الأمر على العرب. فلا النظام يقبل تقديم تنازلات أو العمل على إصلاحات سياسية حقيقية، من دون إراقة الدماء، مقابل أن الشعب وصل إلى نقطة المطالبة بإسقاط النظام، ورفض التعامل معه؛ بسبب تشدده في استخدام الحل الأمني.
الوضع السوري بحاجة إلى طرف عربي، يحرك حالة الجمود الذي يعيشه منذ أكثر من نصف عام، ويفكر في خيارات تمنع حالة الانشطار الذي يتم السير نحوه؛ لأنه مع مرور الوقت، يزيد الأمر صعوبة وتعقيداً. وعدم وجود موقف عربي صريح في الوضع السوري؛ يعني استمرار حالة الارتباك والقلق العربي!
الاتحاد