صفحات العالم

سوريا… ثغرة في مقاربة «كيري»

 

ترودي روبن

البسكويت وضمادات الجروح… هاتان الكلمتان تلخصان السياسة الأميركية الجديدة نحو سوريا التي أعلنها وزير خارجيتها الجديد جون كيري خلال الاجتماع الذي جمعه في روما مع زعماء المعارضة السورية.

فالشيء الذي تشدقت به الإدارة، ووصفته بأنه يمثل اختراقاً يتمثل في أن الولايات المتحدة، ستقدم للمرة الأولى المساعدة للمعارضة السورية المسلحة. ولكن السؤال الذي يتبادر إلى الأذهان: ما هو الشيء الذي نقدمه لمساعدة مقاتلي المعارضة السورية المسلحة على مواجهة الصواريخ والقنابل التي قتلت حتى الآن عشرات الآلاف من المدنيين؟ الإجابة: لا شيء. فنحن لم نقدم القذائف المضادة للدروع التي يحتاجها هؤلاء المقاتلون بصورة ماسة، كما لم نقدم الأسلحة المضادة للطائرات، التي تقصف المدنيين وتدمر الأحياء بلا رحمة، كل ما قدمناه هو المساعدات الطبية، وتلك الوجبات الجاهزة التي تقدم كطعام ميداني للجنود في القتال.

هل يعقل أن نقدم البسكويت والضمادات الطبية لمواجهة صواريخ «سكود» التي يطلقها الأسد؟ إن اجتماع روما، كان من المفترض أن يكون نقطة بارزة في أول رحلة خارجية لكيري حيث كان الهدف منه هو تعزيز مصداقية قادة المعارضة السوريين المعتدلين. ولكن الذي حدث في الواقع كان عكس ذلك تماماً، حيث قوض مصداقية هؤلاء القادة، وأثار سؤالا عما إذا كانت واشنطن تريد حقاً رحيل الأسد.

وليس هناك شك في أن الإدارة محقة في قلقها من حقيقة أن الجماعات المرتبطة بـ«القاعدة»، هي التي تتولى القيادة في المعركة ضد نظام الرئيس السوري؛ ولكن من الواضح أنها ليست قلقة بما يكفي، لدفعها للعمل على إيقاف تلك الجماعات. وتشير معلومات مؤكدة أن الإسلاميين الراديكاليين يجمعون الأموال، وهو ما يمكنهم من من استقطاب المقاتلين، وتوزيع الإعانات، والمساعدات، على السكان المدنيين اليائسين.أما الجماعات المعتدلة التي يقودها ضباط سوريون منشقون عن النظام أو مدنيون فتعاني من نقص الذخيرة. وهذا في حد ذاته يثير مخاوف من هيمنة الجماعات الراديكالية على الأوضاع على الأرض في حالة ما إذا سقط الأسد.

من ناحية أخرى نجد أن المقاتلين سواء كانوا راديكاليين أو معتدلين، لا تتوافر لديهم الأسلحة الثقيلة التي تمكنهم من مواجهة طائرات الأسد وصواريخه، وهو ما أدى إلى حالة من الجمود العسكري الناشئ عن عدم قدرة أي طرف من طرفي الصراع على حسم الموقف لصالحه. وكلما طال أمد بقاء الوضع على هذا النحو كلما زادت احتمالات تحول سوريا لدولة فاشلة، أو قبلة للجهاديين في قلب الشرق الأوسط.

وهذا هو السبب الذي دفع المسؤولين السابقين في إدارة أوباما، كهيلاري، وبانيتا، وبيترايوس مع «ديمبسي» رئيس هيئة الأركان المشتركة إلى دعم خطة ترمي لتسليح وتدريب مقاتلي معارضة معينين تم التحقق من هوياتهم وخلفياتهم من قبل وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، وهو ما رفضه أوباما في حينه.

تقول الإدارة إنها تريد تسهيل التوصل لحل عبر المفاوضات، و«كيري» يقول إن هدفه هو تغيير حسابات الأسد (وحلفائه في موسكو أيضاً) .

ولكن عرض «كيري» العسكري المتواضع يوصل رسالة عكسية. هذا ما يوضحه «سليمان شيخ» مدير معهد بروكنجز – فرع الدوحة- الذي يعمل مع زعماء القبائل والعشائر السورية من أجل التوصل لأفكار للعملية الانتقالية في سوريا، الذي يقول : «البسكويت وضمادات الإسعاف لن يكون لها تأثير كبير في هذا النقطة من الزمن».

ويقول «شيخ» أيضاً إنه في الوقت الذي يستمر فيه القتال بين الجيش النظامي وقوات المعارضة، تسقط المزيد من المناطق القبلية تحت نفوذ العناصر الراديكالية، وأن المناطق الواقعة شرق الفرات على الأخص يمكن أن تسقط كلها تحت سيطرة «جبهة النصرة» المرتبطة بـ«القاعدة».

هناك احتمال ضئيل أن عرض كيرى ليس إلا خطوة أولى سيتلوها خطوات من جانب بريطانيا وفرنسا اللتين وعدتا بإرسال نظارات رؤية ليلية ودروعاً واقية للجسم، وأنه على الرغم من أن كل تلك الأشياء أقل مما يجب، وتأتي متأخرة عما يجب، إلا أنها أفضل من دون شك من البسكويت الجاف والوجبات القتالية الجاهزة.

هناك الكثير مما يحتاجه الموقف لكسر حالة الجمود العسكري المترتبة على عدم قدرة أي من الطرفين على إلحاق الهزيمة بالآخر. فواشنطن وحلفاؤها سيكون مطلوباً منهم زيادة كفاءة الجيش السوري الحر، من خلال تقديم التدريب والأسلحة الثقيلة. وأوباما سيكون مطلوباً منه أن يعمل على تبني موقفاً أكثر صلابة تجاه الروس، وأن يصمم على أنهم إذا لم يقوموا بالضغط بقوة على الأسد من أجل إيقاف القتل، فإنه سيساعد المعارضة على كسب الحرب.

ليس هناك إشارات على أن أوباما يمضي في هذا الاتجاه. هذا ما يؤيده «شيخ» الذي يقول :« إن لديكم رئيس لا يريد أن يتبنى هذا الصراع وتزداد شعبيته عندما يقول إنه يريد أن يخرجكم من الشرق الأوسط». ويضيف «إذا لم يفعل أوباما المزيد فلن يكون بمقدوره التأثير على الوضع». فالبسكويت وضمادات الإسعاف وحدهما لن يقنعا الأسد بأنه لن يستطيع الخروج من المأزق الحالي من خلال الاستمرار في القتل.

كاتبة ومحللة سياسية أميركية

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم. سي.تي إنترناشيونال»

الاتحاد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى