سوريا: جرح نازف وضميرمتفرج معطوب
إبراهيم اليوسف
يوماً وراء يوم، يستشرس النظام الأمني، في سوريا، ضد المواطنين العزل، من خلال حرب شاملة، وشائنة: عسكرية، وإعلامية، ويستمر بذلك في رسم الصورة الحقيقية لنفسه، بعد أن ” سقطت أقنعته” الواحدة منها تلو الآخر، وبرزت -سبطانة الدبابة- التي تزحف، صوب المحرم، تحت ظل طائرة الهليوكوبتر-و لا تفتأ هي الأخرى أن تقصف إلى جانبها- في استهداف غير موارب، روح ووجود مواطن أعزل، بريء، يقول كلمته، الفصل، فتجعله أشلاء ممزقة، من دون أن يرتوي غله، فيتوجه نحو منزل، هذا الكائن الأسطوري، في صبره، لتجعله أثراً بعد عين، في تحد سافر للقيم الأخلاقية، بينما ثمة تواطؤ عربي، عالمي، واضحان، في ما يخص الإدانة المطلوبة للنظام-لا للشعب- وبعيداً عن لغة التدخل الخارجي، المرفوضة.
وفي الحقيقة ثمة مباراة واضحة، بين الأنظمة الثلاثة: الليبي منها واليمني والسوري، من خلال الهلوسة، والهستيريا، والدجل الإعلامي، ليكون النظام السوري، الأكثر بروزاً، في هذه المعمعة، لتحقيقه أكبر قدر من التزوير والتنكيل، بحق الشعب السوري، واللعب على أوراق الفتنة، وتقديمها الواحدة بعد الأخرى، لشنّ أوار الفتنة المرتقبة، وتفتيت الوحدة الوطنية، التي لم يتم تحطيمها، في كل تاريخ سوريا، إلا على أيدي هذا النظام الذي يفكر خارج التاريخ، وينتمي بعقليته-هذه- إلى الصنف الطرزاني، البهلواني، قاطع الطريق، البلطجي، وكل هذا ما بات العالم يدركه-كما هو- وإن كان يتصامم، إزاء صور المأساة التي يتعرض لها إنساننا السوري، بشكل وحشي فظ.
وأمام السؤال: لم كل هذا القتل والدمار ،الهمجيان من قبل النظام؟،فإن لا جواب إلا أن النظام يستقتل، جاهداً، من أجل كرسيه، فحسب، فلا قضية كبرى، عنده، ولا قضية صغرى، ولا وطن، ولا ممانعة، ولا مقاومة، البتة.
أجل، إن النظام في قرارته، بات يعرف حقيقة أن كل مسوغاته التي كان يقدمها من قبل، في ما يتعلق بشرعيته المفروضة-زوراً- على إرادة اثنين وعشرين مليون ونصف من أحرار سوريا، سقطت تماماً، وبات عارياً أمام العالم –أجمع-الأمر الذي يجعله يتحايل –مرة أخرى- للتحايل، والتدليس، على هذه الإرادة الوطنية، بدمغها بالتآمر، والخيانة، ليضمن بذلك أمرين هما: استمرارية كرسي الاستبداد، من جهة، ولاستدامة صورته الزائفة، كممثل للوطنية، على حساب تخوين كل تلك الملايين، من شرفاء سوريا.
باتت ،الآن، كلمة ” الثورة”،على لسان كل حرّ، سوري، يسعى-بكل ما لديه-من إرادة سلمية، للسعي من أجل مرحلة-ما بعد القبضة الأمنية-وهي حتمية،لا مناص منها، حتى وإن تدرّأ النظام، بالصمت، والتخاذل، من قبل العالم المتفرج- وهو يتجسد هنا في أنظمة المصالح لا غير- هذا العالم ، الذي يؤسس للقطيعة بينه والشعب السوري، مساوماً عليه، منتظراً التدخل، بعد أن يتكبد الشعب المزيد من الدم، وإزهاق الأرواح.
إن ما قام به النظام، في كل مدينة وبلدة، مر بها إرهابه، لتقشعر له الأبدان، وهو سلوك ذئبي، افتراسي، يجابه ورود المحتجين، السلميين، وأغصان الزيتون، التي رفعوها، بلغة الإبادة، والدمار، مدعياً أنه يمثل سوريا، وهو ما تجلى اليوم، من خلال رفع أكبر علم بلغ آلاف الأمتار، في تظاهرة مخابراتية، مزورة،يساق إليها الموظفون ، والطلاب،رغماً عن أنوفهم، بالإضافة إلى رجال الأمن، وبعض بقايا أحزاب الجبهة اللاوطنية الهزيلة، المتواطئة مع النظام.
إن هذه التظاهرة التي تمّت في دمشق، كانت رداً من النظام نفسه على أكاذيبه، بأن لا مندسين في سوريا، مادامت التظاهرة الملفقة-مرت بسلام والحمد لله-وهذا ما صار كل أحرار العالم يعرفونه، عن كثب.
لقد أعاد النظام سوريا-المدينة- السورية إلى الخيمة، والعراء- وهنا نحن أمام حالة ” جسر الشغور” كأنموذج- حيث بات مألوفاً أن يتم النظر إلى صورة طفلة-مثلاً- تركض صوب رغيف خبز، ترميه لها المنظمات الخيرية والإنسانية-لتتلقفها، بل ليتبادل شخصان أو أكثر، كأس شاي، يتم تسخينه على الحطب، في طريقة بدائية، تذكر بالقرون الوسطى، وهي صورة طبق الأصل عن حالة سبعة آلاف لاجىء سوري ، من الأسر المشردة، البائسة، وراء الحدود-حتى الآن-والصور تكثر، إلى ما لانهاية، مادام أن هناك روحاً وحشية، إجرامية، لا تتورع عن ارتكاب كل ما هو محرم- كي تكرس ” الدبابة” “الإصلاح”، الذي لا يمكن أن يقدم إلا من قبل” إصلاحي، مصلح”، صالح، مؤمن برسالته، لا نظام مجرم مؤمن بلعق دماء أبنائه، والتقاط صور انتصاراته بسادية بشعة.
إن ثوار سورية-على امتداد خريطة هذا البلد الأبي، ماضون، كما يبدو، إلى الأمام، من دون أن يبالوا بكل التآمر الاستبدادي، والمترجم بالرصاص، والموت الزؤام، لأنهم مؤمنون، أن لا مجال لاستمرار النظام، بهذا العقل الذي يقطع كل صلة له، بالوطنية، والأخلاق، مهما كانت ضريبة ذلك كبيرة، ولاسيما أن أي تراجع عن الأهداف التي باتت الثورة تصوغها-على ضوء مسيرتها ومجابهتها من قبل النظام الأمني- يعد مساومة على دماء الشهداء، وإن الاستبداد أصيب ب” الصدع” الحقيقي، فهو ظهر كما هو، هزيلاً، خائفاً، لا لغة لديه إلا لغة الإرهاب، وهذا ما لم تكتشفه –القوى- المتفرّجة، عربياً، وعالمياً، التي لا تزال تنتظر لحظة حسم موقفها النهائي، وهذا ما يدلّ على أن قراءة هؤلاء المقلوبة لشرعية الثورة، وثقلها، مقابل هشاشة النظام وسقوطه الفعلي منذ أولى قطرة دم، سالت من جسد مواطن بريء.
-ورد على لسان حسن “تركماني”، الذي أوفدته سوريا، اليوم، للتفاهم مع تركيا: بأن كل شيء جاهز، في انتظار اللاجئين الفارين إلى تركيا-وهم من قال عنهم أحد الناطقين الرسميين باسم النظام بأنهم” ليسوا 5000 نازح بل 5000 مجرم، ومن هنا، فإن ما ينتظرهم هو ” السجن”، أو تلفزيون الدنيا، وأخواتها، ليقدموا الاعترافات عن خياناتهم، وخيانات ضحاياهم. إذ كيف لهؤلاء أن يعودوا تحت جناحي نظام ، جانح، لا ثقة به، وأية عودة لأسرة قتل ابنها الذي لن يعود إلى الحياة؟.
-مدينة أبي العلاء المعري-المعرة- أبناؤها هم الآخرون باتوا اليوم يلوذون بالفرار منها، بعد سماع أنباء قدوم قوات الجيش لحصارها.
* سوريا من الخيبة إلى الخيمة-يصلح ليكون عنوان مجلد خاص بسيرة النظام وانتهاكاته