سوريا.. حتى في الكُفرِ جهلٌ
محمد أبوعبيد
من ضمن الفيديوهات التي تنتشر هشيماً في النار موثِقة لمنهجية الحُكام في سوريا- ولا أقول النظام لأن الكلمة إيجابية- والتي تكذبها “الفوفوزيلا” الرسمية كالعادة، كان ثمة مقطع يَظهر فيه جنود سوريون “يستأسدون” بوحشية على عدد من المعتقلين الثائرين، ويطلبون منهم ترديد عبارة كُفر: “لا إله إلا بشار”, حاشا لله وكلا, ثم يتبعونها بعبارة أخرى لا تعبر عن الكفر فقط، إنما عن الجهل في كيفية الكفر، وهي: “لا إله إلا ماهر”, أيضاً حاشا لله وكلا, فكيف, إذنْ، يُشركون ببشار “إلهاً” آخر، وهو ماهر، ما دام الجنود دعوا إلى “التوحيد” بالأول!!. لا ريب في أن ذلك جهل عقيم.
مَنْ “شبّحوا” للحاكم “سبّحوا” له، وأجبروا، تحت تهديد السلاح، مَنْ وقع في مخالبهم، “كشبيحة”، أن يسجدوا للرئيس، وأن يقدسوه بما يفوق الفرعون. ولم تسلم بيوت الله من هذا الاستهزاء والاعتداء، حيث وثق فيديو عدداً من الجنود وهم داخل مسجد يستهزئون بالصلاة، و”إمامُهم” الساخر في فيه سيجارة مشتعلة، ويتلفظ بكلمات دنيئة ضد أهالي بلدة سورية. والكثير من هذه المقاطع التي لا تدع مجالاً للشك أن يخامر أحدأ في أن جنوداً و”شبّيحة” هم للحاكم عبيدٌ و”سبّيحة”.
ليس الموضوع هنا ولوجاً في طبيعة ما يحدث في سوريا، فصاحب الفم السليم يتذوق زلال الثورة ضد الظلم، وصاحب الفم المر يرى فيها “اندساساً” ومؤامرة على “الأم الكبرى الثائرة” وعميدة دول الممانعة والمقاومة، إنما هو محاولة لفهم ماهية الخدمة العسكرية في سوريا، وعلى ماذا يتدرب المجنَّدون، وما مضمون الشعارات المستخدَمة في معسكرات التجنيد، عفواً، معسكرات التعبيد.
من خلال تحليل، أو فهم، هذه الفيديوهات المُشار إليها، يستنتج اللبيب، الذي تكفيه إشارة، أن التدريب يكون على أن الحاكم أهم من الوطن، أو أن الوطن جزء من الحاكم، فلا قيمة له من دون حاكمه، أو لنقل صاحب الوطن، باعتبار أن الديكتاتوريات أتخذت من الأوطان عقارات لها ولنسلها، وأن المواطنين مجرد “خدم” للأنوناكي، وهو مجمع آلهة العالم العلوي كما في “إينوما إيليش” البابلية، وهو الذي اتخذ قراراً بقيادة “أبسو” ومن بعده “تئامات” في القضاء على كل من عكّر نهارهم وأزعج ليلهم. إذنْ، على هذا المنوال الأسطوري يكون التدريب العسكري في سوريا : أيها الجنود، لا تسمحوا للبشر أن يُقلقِوا نوم الحاكم، لذلك سَخّرنا لكم التنانين العسكرية.
لو كانت هذه التصرفات المُقشْعرة للأبدان من فعل جنود إسرائيليين، أو أمريكيين، لرأينا مشهديْن اثنين: انفعال المسلمين أينما كانوا بكل ما تستطيع جعبتهم أن تستوعب من عبارات الشجب والتنديد، تماماً مثلما رأينا في حالتي القس الأمريكي الذي هدد بحرق القرآن، والرسوم المسيئة للرسول “عليه السلام”. أما المشهد الثاني، فهو إعداد تمثيلية مُحْكَمة الحبكة في تل أبيب لمعاقبة الجندي اليهودي “غير الخلوق”، الذي أساء لدين غيره. يبدو أن التنديد بالغرب حين تسيء زمرة منهم للمسلمين، أسهل على المسلمين من التنديد بزمرة محسوبة عليهم أساءت واستهزأت بمشاعرهم.
كان من الممكن، إذنْ، أن يأمر من يسجد لله أمام الكاميرات في صلاة العيد بإعداد تمثيلية لمحاكمة من أمَروا الناس بتأليهه والسجود له، على غرار التمثيليات التي يظهر فيها أشخاص مُكرَهون على قول كل ما يشوه صورة الثورة. وحينها يدرك المرء إن كان في سوريا عَدَاءٌ للثورة, أم عداء لله، أم الأثنين معاً.