صفحات العالم

سوريا… حرب الأهل وأهل الحرب

 

محمد الحمادي

هل هو رقم حقيقي؟ 90 ألف قتيل في سوريا منذ اندلاع الاحتجاجات، أم أنه رقم دعائي تطلقه المعارضة التي لا تريد بشاراً ولا نظامه في حكم سوريا؟ وإذا كان الرقم حقيقياً فهل نحن حقيقيون؟ هل العرب أمة حقيقية بحيث يمكنها أن تشعر بأبناء الشعوب من حولها، هل جامعة الدول العربية حقيقية بحيث تتحمل مسؤولياتها تجاه الشعوب العربية، وخصوصاً الأطفال والنساء والأبرياء؟

لا يبدو شيئاً حقيقياً في «الوطن العربي» هذه الأيام فكل شيء أصبح هلامياً وخادعاً، حتى «الربيع العربي» بأحلامه الكبيرة أصبح يخذل من صنعه من الشباب ويعيد إنتاج «أقزام» لكنهم أشد فتكاً وظلماً من الديكتاتوريات السابقة!

منذ أيام وبعد أن أصبح جيش النظام السوري يمعن القصف على حلب فيدمر مدينة الثقافة والتاريخ ويهجر أهلها! عاتب جورج صبرا، نائب رئيس الائتلاف الوطني السوري المعارض العرب.. واستنكر على المسؤولين في الجامعة العربية ما أسماه «الصمت المطبق تجاه الجرائم الكبيرة التي يرتكبها النظام»… ودعا الجامعة إلى «التدخل العاجل» والضغط على النظام السوري لتوفير الحماية للسوريين ووقف الموجة الجديدة من تدمير المدن السورية بصواريخ سكود البالستية!

آخر اجتماع لجامعة الدول العربية كان في مارس الماضي ومنذ ذلك الحين لم تنعقد القمة، وعلى الرغم من أن المنطقة تمر بمرحلة من التغيرات، بل التقلبات السريعة والعميقة والعنيفة في بعض الدول على الصعيدين السياسي والأمني، الأمر الذي كان يتطلب ليس قمة عربية واحدة في السنة، بل أكثر من قمة حتى تتمكن الجامعة العربية من القيام بدورها، إلا أن ذلك لم يحدث ولا يزال أمين عام هذه الجامعة يدور في فلك من سبقوه وفي فلك دول تتحكم في هذه الجامعة!

وهل تدرك الجامعة وأمينها وأعضاؤها أن الشعب السوري ينتظرهم ويتوقع منهم تحركاً يحميهم من آلة البطش التي لم تتوقف يوماً؟ وهل تدرك الجامعة أن الشعب السوري لن ينسى هذا الخذلان العربي تجاه أرواح الأبرياء، وهذا الاستسلام العربي لحجج وجود متطرفين وإرهابيين وقاعديين في سوريا، فإن كان هناك منهم فبلا شك أن هناك أكثر منهم، ممن لا علاقة لهم بهم، فعدم دعم السوريين بحجة أن هناك «أهل الحرب» من إرهابيين قد تبدو مقبولة من الناحية النظرية، لكن عند معرفة عدد الضحايا في سوريا، فبلا شك أن المعادلة تتغير بشكل كبير. وبحسب التقارير الصادرة عن الأمم المتحدة، فإن عدد القتلى في سوريا بلغ 90 ألف شخص، وعدد اللاجئين بلغ زهاء 800 ألف شخص، وأن الأردن وحدها تؤوي 350 ألفاً منهم على أراضيها، في حين وافقت تركيا على إيواء 100 ألف شخص. هذا غير عشرات الآلاف من المفقودين والجرحى والأسرى.

ويبدو أن هناك شبه اتفاق على أن إرسال قوات دولية إلى سوريا تحت إشراف الأمم المتحدة، أو من دونه ليس بالفكرة المقبولة، فهناك تجارب عديدة في التاريخ القريب تؤكد ذلك. فالجميع يذكر عندما تعرض ثمانية آلاف مسلم للقتل في عام 1995 في سربرنيتشا في البوسنة والهرسك، ولم يتمكن جنود الأمم المتحدة الهولنديين من التدخل… وقبلها بعام عندما وقعت الإبادة الجماعية بحق الشعب «التوتسي» في رواندا عام 1994، وكانت أمام أعين «بعثة الأمم المتحدة لتقديم المساعدة إلى رواندا»، ورأى العالم كيف أن أهم أولويات تلك البعثة كانت الحفاظ على سلامة أفرادها الذين كانت أغلبيتهم من فرنسا وبلجيكا. كثير من الخبراء والمحللين العسكريين الغربيين يرون أن ما يحدث في سوريا هو حرب أهلية مكتملة الأركان… أما نحن العرب فلا نزال متحفظين تجاه ذلك، بل ربما غير قادرين حتى الساعة من تحديد الوضع في سوريا، وبالتالي نتخذ موقف «المتفرج المؤدب»، الذي لا يفعل شيئاً ولا يقول شيئاً بل وحتى لا يفكر في شيء… وينتظر ما سياساته تجاه الآخرين… وللأسف أن هذا ما كان عليه حال العرب، فهل من الطبيعي أن يكون نفسه بعد ذلك الربيع؟!

بلا شك أن التدخل العسكري في سوريا يبدو مغامرة كبيرة قد يدفع ثمنه باهظاً من يقوم به… لكن في الوقت نفسه هناك ثمن أكبر يدفعه الأبرياء في سوريا يومياً فالقتل لا يتوقف والتدمير يبدو ممنهجاً ويفترض أن لا يسكت العرب والعالم على ذلك. لذا فمن المهم التفكير في الخيارات الأخرى للتضييق على نظام الأسد حتى لا يقتل شعبه، فإقامة مناطق حظر الطيران على غرار تلك التي كانت في العراق أيام صدام، وقطع العلاقات الدبلوماسية والتجارية مع نظام الأسد والموالين له قد تساعد في وقف عمليات القتل والتدمير.

أغلب الحجج المناهضة للتدخل الدولي في سوريا تبدو مخجلة وتنحصر بين عدم قبول وجود إرهابيين بين المقاومة ومع المعارضة وبين التخوف من وصول الإسلاميين إلى الحكم… فالمجتمع الدولي لا يتوقف عن ترديد «إننا لا نعلم من سيأتي بعد الأسد، أو ربما من يأتي بعده سيكون من الإسلاميين المتطرفين أو يكون عضواً من أعضاء «القاعدة»، أو «أن الثورة ضد الأسد قد تنتهي بما آلت إليه الثورة في مصر». صحيح أنه لا يمكن التقليل من شأن هذه الحجج، لكن الوضع على الأرض السورية يبدو أكثر خطورة، وهذا الموقف الدولي قد يؤدي إلى اندلاع حرب بين أهل البلد والوصول إلى «ميدان» الحرب الأهلية في سوريا، بل وإلى ارتكاب إبادة جماعية بين الأطراف المتصارعة – هذا إنْ لم يتم فعلا- لذا على الجامعة العربية أولا والمجتمع الدولي ثانياً أن يتحملا مسؤولياتهما الأخلاقية تجاه الشعب السوري وأمام الضمير الإنساني.

في هذه «الحفلة الدموية الكبرى» تبقى إسرائيل وإيران هما المستفيدتان الأكبر مما يحدث في سوريا والعرب هم الخاسر الأكبر. أما تهديدات الأسد لإسرائيل، فمن الواضح أنها لا تعدو كونها تهديدات «خطابية» و«دعائية» للتلاعب بمشاعر البسطاء من أبناء الشعب السوري والشعب العربي، فكم مرة قامت الطائرات الإسرائيلية باختراق الأجواء السورية؟ وكم مرة قامت إسرائيل بقصف منشأة عسكرية في سوريا دون أن يحرك الرئيس ساكناً، بل قد لا يكون على علم بذلك ولا يسمع بها إلا من خلال القنوات الإخبارية العربية أو الدولية؟ لذا فإن كثيراً من المراقبين يرون أنه من غير المدهش أن ترغب إسرائيل في بقاء الأسد في القصر الرئاسي في دمشق لسنوات أخرى… والواقع يقول إن الأسد يحظى بحماية روسيا، ويتلقى الدعم المالي والعسكري عن طريق إيران.

الاتحاد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى