رياض خليلصفحات سورية

سوريا : حرب النظام المجنونة


رياض خليل

1

مسرح الصراع والعمليات:

الحرب في سوريا نسيج وحدها ، إنها تجربة فريدة في تاريخ الثورات . إنها أشبه ماتكون بصراع الجسم مع حالة مرضية أو ورم خبيث يهدد الجسم برمته . هو إذن صراع بين الكل ( الجسم السوري أو الدولة السورية ) من جهة ، والجزء المريض ( القيادة الديكتاتورية الفاسدة ممثلة بعصابات الأسد ) من جهة مقابلة . وسائر المكونات السورية وجدت نفسها في حالة دفاع حيوي عن الذات السورية الكلية ومكوناتها الصحية والصحيحة . دفاع لصون الحياة بالدرجة الأساسية : الحياة الاجتماعية المشتركة للسوريين . الحرب إذن في سوريا لها جغرافيتها الخاصة ، التي تشمل كل التفاصيل والجزئيات والعناصر المادية والمعنوية . إنها بين حالتين متناقضتين تناحريا وكليا ، وبحيث لايمكن وقفها أو تجميدها ولو للحظة واحدة ، ولايمكن التعويض عنها أو استبدالها بأية خيارات أو حلول سلمية تفاوضية بين المجتمع السوري ، والسلطة العصاباتية الحاكمة . لأن لاحل للمشكلة مادامت مستحيلة الحل في ظل بقاء النظام الأسدي ، ومادامت كل الحلول ستفضي إلى القضاء المبرم على المرحلة الديكتاتورية بكل مقوماتها ومرتكزاتها ورموزها وحماتها ومرتزقتها .

الجبهات .. المواقع .. خطوط التماس في الحرب السورية ليست تقليدية ، فمثلا لايمكن تحديد جغرافيا عسكرية في تلك الحرب . ولاحدود معينة .. فاصلة بين الفريقين المتحاربين : لا من الناحية العسكرية ، ولا من الناحية المدنية/السياسية . جبهة الصراع بين الثوار والنظام الأسدي هي كل سوريا ، هي الجغرافيا السورية من أقصاها إلى أقصاها ، وهي جبهة مركبة معقدة متداخلة متشابكة .. لدرجة أنها تكاد تكون ذاتية من كل الحيثيات : المادية والمعنوية . إنها حرب الذات السورية الشاملة ضد واقعها التاريخي القائم على الديكتاتورية الغبية العمياء الغاشمة والمجرمة . الديكتاتورية التي قلبت الحياة رأسا على عقب ، وعكست المصطلحات ، وعقارب الساعة ، وسائر المعايير العامة والخاصة . إنها إذن حرب يشنها النظام الديكتاتوري الأسدي ضد مقومات الدولة ، وبالتالي ضد مقومات وجوده بالذات ، ضد حواضنه الاجتماعية الأساسية ، ومن أهمها قبول ورضى الشعب بكل مكوناته وشرائحه وفئاته وأفراده . السلطة الأسدية هي بالفعل تهدم الدولة .. مقومات الدولة : الشعب والوطن .. المدن والمؤسسات والحياة المدنية والاجتماعية والسياسية .. والأمن والاستقرار ، وهي : أي السلطة الأسدية لاتخفي مقاصدها وأهدافها في مساعيها الهدامة تلك ، بل تتفاخر بها ، وتبررها بمناسبة وبغير مناسبة . تتفاخر بتوحشها ولاأخلاقيتها ، وعنصريتها السافرة المتطرفة ، لتثبت كونها أفظع من تنظيم القاعدة ، وأشد وحشية منها فكريا وسلوكيا . والسلطة الأسدية في سياق حربها ضد الحياة الطبيعية وقواعدها الأساسية ، تعمل على هدم وتدمير ذاتها ووظيفتها ودورها المدمر ، إنها تدفع باتجاه الانتحار الذاتي ، وتصب الزيت على نار الثورة ، فتزيدها اشتعالا وقوة وبأسا . السلطة الحمقاء في سوريا ، توسع دائرة المعارضة والحراك الثوري ، وتمنحه المزيد من القوة ، والسير قدما نحو النصر المحتم .

الثورة هي نوع من تجلي القوة المناعية الذاتية للمجتمع ضد المرض : أعني النظام الديكتاتوري . والذي بات يهدد حياة المجتمع ومقومات وجوده الطبيعية في كل جانب . الثورة باتت حاجة حيوية للمجتمع السوري لصون حياته وبقائه واستمراره ، واستعادة حياته الطبيعية وأمنه واستقراره .

من هنا فإن الجبهة لم يعد من الممكن تحديدها جغرافيا سوى بكامل سوريا ، هي في كل شبر من سوريا ، هي في كل فرد وعائلة وفئة وجماعة وطائفة وعرق .. هي في كل شارع وقرية ومدينة وبيت .. هي داخل وخارج البنى العسكرية للجيش والشرطة والأجهزة الامنية ، والمؤسسات المدنية والسياسية . العناصر البشرية داخل تلك البنى متنافرة متشككة ببعضها البعض ، وكثيرون مع الثورة قلبا وروحا وعقلا ، بل ويعملون لصالحها بشكل مباشر وغير مباشر ، ولاتستطيع كل مخابرات العالم تحديد الهوية السياسية والفكرية للكوادر والعناصر ولا معرفة مواقفها مما يجري ، ولاتأمين ولائها للسلطة الحاكمة التي بادرت بالممارسات العنصرية الطائفية التي استفزت الأغلبية الساحقة من السوريين . ولا ننس أن الطاغية كشف عن عنصريته وعدوانيته المرضية الهستيرية ، ووضع نفسه في الجبهة المعادية للوطن والشعب كله . وخصوصا منه الأغلبية السنية . ومع هذا تمكن من خداع الكثيرين من أهل السنة ليتمكن من زجهم في المعركة ضد أهلهم وناسهم في كل مكان .

المعركة في كل خلية من الأرض السورية والمجتمع السوري . ومن هنا يكمن سر ضعف القوات النظامية ، وقوة القوات الثورية والمقاومة المسلحة المعارضة ، التي وعلى الرغم من تواضع إمكانياتها العسكرة ، تتفوق على الإمكانيات الهائلة لقوات النظام . ببساطة لأن القوات النظامية ليست مع العصابة الأسدية في معظمها ، بل هي رهينة بيد قيادات موالية عنصرية تحكمها بقضة بوليسية مخابراتية مجنونة .. وجاهزة لإعدام أي عنصر لمجرد الشبهة أو الاتهام الكيدي . القوات النظامية تبحث عمن يحررها من سلطة أزلام الأسد وأتباعه من العبيد والحمقى . وتتحين الفرص لتحقيق هدفها في الهرب أوالنجاة بنفسها ، أو التحرر من عبودية النظام الذي كثيرا ماكان يصفي المشكوك بأمرهم وولائهم ، أو الانشقاق أوالتمرد على النظام وقواته . ولهذا كان من السهل على الجيش الحر التعاون مع المؤيدين والمتعاطفين معه داخل البنى العسكرية النظامية ، لتحريرها من العصابات المسيطرة على قياداتها لتحريكها رغما عنها ضد الثورة .

2

قواعد الاشتباك : البيئة السورية تتقيأ النظام الديكتاتوري الأسدي ، وتلفظه :

إن البنى العسكرية الكلاسيكية المتنوعة تعمل في محيط معادي لها كليا في كل زاوية . وهذا المحيط السوري الشامل هو البيئة التي لاقوة لجيش النظام من غير تأييدها وتعاطفها وتعاونها معه . وبالتالي تفقد قدرتها على العمل في حالة الاشتباك المباشرمع تلك البيئة المعادية ، وخصوصا بعد أن تخلقت وصنعت أدواتها العسكرية وقواتها الثورية المسلحة بالإيمان والتصميم على تحطيم مرتكزات النظام العسكرية والأمنية بالدجة الأولى ، لأن هذا بات أولوية قصوى لوقف القتل والهدم والتدمير , ولهذا فإن قواعد الاشتباك مختلفة وغير تقليدية مابين الثورة والسلطة الديكتاتورية الأسدية . وبحيث تجري المعركة في جسم النظام وبناه وخلاياه العسكرية والمدنية ، كما تجري خارجه . إنها معركة تنقية سوريا وتنظيفها وتطهير بناها القائمة من الفيروسات الديكتاتورية التي حلت بها منذ عقود . المعركة تجري داخل مرتكزات النظام العسكرية والسياسية ، بل وداخل القصور الجمهورية والمؤسسات الأمنية والعسكرية التابعة للنظام ، كما في خارجه ،

ومثل هذا التشابك يفرض قواعد اشتباك لاقبل للنظام ولاقدرة له على التعامل أو التعاطي معها ولا مواجهتها . ولا مقاومتها . وهي بالمطلق لصالح الثورة والثوارعلى الأرض وفي الميدان بكلياته وتفاصيله . ومجريات المعارك تشير إلى تنامي نفوذ الثورة وقدراتها على إلحاق الهزائم المتتالية بقوات النظام ومعاقله التي تتهاوى تباعا ، وتسقط بيد الثوار المقاومين المسلحين في كل بقعة من الأرض السورية .

إن قواعد الاشتباك مابين قوات المعارضة وقوات النظام ، تعطي الميزة والأفضلية لقوات المعارضة المسلحة ، وتمكنها من تحرير البنى العسكرية النظامية المنتشرة على امتداد الأرض السورية ، وتحويلها من قوة بيد النظام إلى قوة بيد الثوار وضد النظام نفسه ، وتتراكم وتتطور تلك العمليات النوعية التي بدأت تقلب ميزان القوى العسكري لصالح الثورة ، وتقربها أكثر فأكثر من ساعة الصفر والحسم القاطع الكامل الناجز والنهائي الذي يعني الهزيمة الكلية للأسد وعصابته .

مثلا : كتيبة أو كتائب مدفعية أو قواعد صاروخية : هي معدة للتعامل مع عدو بعيد عنها نسبيا : ربما عشرات الكيلو مترات . ولاتجدي نفعا في حال الاشتباك المباشر القريب .. بل المتداخل معها في المكان . ولهذا يسيطر الجيش الحر بسهولة على تلك القطعات والوحدات العسكرية من خلال الاشتباك القريب معها . وتلك الوحدات والقطعات صارت معزولة ، وخارج التحكم والسيطرة من قبل النظام ، وفاقدة للتواصل العملياتي مع قياداتها العليا ، ولخطوط الإمداد الضرورية لبقائها واستمراها ، و قوات المقاومة الشعبية المسلحة تحيط بها من كل جانب ، ولامهرب لها منه .

3

تفكك وتفكيك وتشظي النظام الأسدي

إن القوات الحكومية تعمل ضمن محيط وحاضن معادي لها تماما . وهي محاصرة ، ولا تسيطر إلا على مكانها التي تتموضع فيه ،وحتى تلك السيطرة هي نسبية وضعيفة ومهددة ، ولاتملك تأمين المحيط الجغرافي ، ولا طرق الإمداد والتموين ، ولاتحديد الجهة أو الجبهة التي تواجهها . قوات النظام لاحاضن لها مدنيا وعسكريا وسياسيا . قوات النظام تفقد بيئتها وقوتها المحركة وتفقد إرادة القتال ، ولاتؤمن عموما بأهدافه ، وهي ذات بنية غير متجانسة من حيثات لاحصر لها ، وبالتالي فهي عرضة للتفكك والتفكيك والتشظي والتبعثر ، لأنها فقدت شروط تماسكها القائمة ، وفقدت إمكانيات السيطرة عليها والتحكم بها . فبدأت تفقد الكوادر والموارد البشرية ، وأمكانية تغذيتها كي لاتتضاءل وتنضب وتنكمش ، ومن ثم تعجز عن الأداء في ساحة المعركة الشاملة . العناصر العسكرية : تنشق ، تهرب ، تعرقل ، تعطل ، ولا سبيل للتعويض عنها ، لأن الاحتياط يتهرب ، والمطلوبون للإلزامية يتخلفون ويهربون ويتخفون ، حتى من المؤيدين للنظام ، لأنهم غير مستعدين لخوض معركة ليست معركتهم ، وليسوا هم الذين قرروا خوضها ، وليسوا مستعدين للموت مجانا من أجل بشار الأسد وعصابته الحمقاء .

4

ماأعرفه ميدانيا :

ماأعرفه ميدانيا هو أن قوات النظام باتت – ومنذ أشهر- عاجزة عن حماية وحداتها وقطعاتها ومراكزها العسكرية والأمنية ، سواء في المدن والبلدات أو خارجها ، ويتركها لقمة سائغة في فم الموت والهلاك والمحرقة الثورية ، ولايتمكن من تأمين المؤازرة والحماية لها من قوات الثورة من المنشقين وعناصر الجيش الحر . وباتت معزولة .. ومحاصرة ، وقد تقطعت بها سبل الإمداد اللوجستيكية ، وتعيش حالة من تردي المعنويات واليأس والخوف والانهيار المعنوي والنفسي . ولم تعد قادرة على الأداء والصمود أمام القوات الثورية المعارضة . ولهذه الأسباب كلها تتساقط المواقع والمراكز العسكرية الأمنية تترى أما م ضربات وهجمات الثوار ، ويتقدم هؤلاء في الميدان بشكل متسارع وحثيث ، وتبوء كل الإجراءات الوقائية لجيش وأمن النظام بالفشل تلو الفشل ، والعجز عن إيقاف القاطرة الثورية المندفعة كالصاعقة باتجاه قطع رأس الأفعى في قلب دمشق العاصمة ، التي لم يعد يسيطر عليها النظام ، ولم يعد تفوقه الناري بقادر على وقف الطوفان الذي يجرف وسيجرف الطاغية بشار وعصابته المهزومة . وإن القوة النارية الهائلة للنظام تنقلب ضده باطراد ، و لا ولن تمكنه من إطفاء نيران الثورة التي تجتاح كل شيء من حول النظام الديكتاتوري المجرم . ولحظة الانقلاب النوعي (الثورة) باتت على الأبواب . ولايستطيع بشار وعصابته إدراكها حتى تجهز عليه وعليهم

قطع رأس الأفعى:

معركة الحسم وشيكة ، وهي ستكون معركة قطع رأس الأفعى ( الأسد) في دمشق

الثورة ستشل المطارات والطائرات ، ستهاجمها ، وتحررها ، وتنتزعها من أيدي المجرمين الذين يستخدمونها ضد الشعب بدم بارد ، ستتحول المطارات والقواعد العسكرية إلى قوة بيد الثوار ، قوة تستخدم ضد الطاغية وعصابته ، بدل أن تستخدم ضد الشعب الأعزل والوطن الكريم . الثورة تنتزع تباعا قوة النظام ، وتحولها لأداة ضده ، للقضاء عليه وعلى أتباعه من البجم والهمج والرعاع . ولاتستطيع قوات النظام الهرب من تلك المعركة ، وليس لها من سبيل للنجاة . وهي محاطة ومحاصر من كل حدب وصوب من قبل الثوار والجيش الحر . والهزائم تتوالى في صفوف قوات النظام ، وتتراكم ، وستصل إلى اللحظة الحاسمة النوعية ، لحظة قطع رأس أفعى النظام في دمشق ، ولن ينفعه الاختباء في قصوره ولا في خارجها .

المبادرة أصبحت بيد الجيش السوري الحر الذي يتقدم ، وينجز ، وينتصر ، وينتزع كل شيء من قبضة العصابة الحاكمة ، ويتجه بقوة نحو إنهاء المعاناة السورية الدموية المؤلمة . كل شيء في الميدان يتجه ويؤكد انتصار الثورة على الطاغية المعتوه ومن حوله من بطانة فاسدة مارقة . لم يعد النظام مسيطرا على القسم الأعظم من سوريا : لامدنيا ولا إداريا ولا أمنيا ولاعسكريا ، وتفكك النظام جار على قدم وساق ، والتفكك يشمل كل شيء في سوريا والمجتمع السوري ومؤسساته وبناه الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والعسكرية والثقافية .. وكل شيء . وسوريا تنتقل من حالة الاستبداد إلى حالة الديمقراطية ، من حالة الشذوذ إلى حالة الطبيعي : داخليا وطنيا وخارجيا . ستتعافى سوريا من أمراض الديكتاتورية ، وتتخلص من الانحراف المرضي الذي حل بها على أيدي العصابات الأسدية القرداحية المجرمة ، وإلى الأبد .

الأسد هو الذي بدأ العدوان وإعلان الحرب من أول خطاب مشؤوم له . ولكن الثورة وحدها هي التي تحدد خواتيمها في القريب العاجل . وهو مالم يدركة الأسد ولم يحسب حسابه ، ولايستطيع تخيل أن حساباته الشيطانية باءت بالفشل ، وانقلبت وبالا عليه ، وتحولت إلى مشنقة تطوق عنقه .

الجمعة 23/11/2012 – تركيا / انطاكية .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى