صفحات العالم

سوريا: حلّ خلّاق أو فوضى دموية


ابراهيم الأمين

المعارضون السوريون على أنواعهم، بما في ذلك شلّة المؤيدين لهم، مرتاحون هذه الأيام. وجد هؤلاء في معارك دمشق وحلب وجريمة اغتيال قادة عسكريين وأمنيين سوريين، تطوراً يقود الى مبتغاهم في إسقاط نظام الرئيس بشار الأسد. مرة جديدة، عادوا الى التكهنات بالأيام والأسابيع، وقلّة منهم احتاطت فلم تتورّط في تحديد مهل زمنية. الجميع بات أكثر اقتناعاً بأن ما شهدته سوريا في الأسبوع الأخير، يشير الى نتائج كبيرة تحققت لمصلحة معارضي النظام. يحصون ما يمكن اعتباره تقرير غرفة العمليات، عن تقدم في هذه المنطقة واحتلال هذا الموقع، وتنفيذ عمليات هنا وهناك، وعن انتشار مسلحي المعارضة في أمكنة كانت محظورة عليهم سابقاً. ويستدلّون على صعوبة واقع النظام، بالحديث عن تصعيد عملياته العسكرية ولجوئه الى القصف العنيف والعشوائي على المناطق التي يتحرك فيها المسلحون.

هذا في سوريا. أما في محيطها، فإن الاهتمام الخارجي بالملف السوري يتسارع على نحو مشابه. الولايات المتحدة تشهد نقاشاً داخلياً حول الخطوات التالية، بينما تفرغت وحدات خاصة تتعاون مع اسرائيل وعواصم قريبة، مثل عمّان وأنقرة، لتحديد مواقع الأسلحة الاستراتيجية. وبالتوازي، تتصاعد حملة تهديدات تقود الى تخمين بأن الخارج قد يتورط في عمل عسكري بحجة التخلص من اسلحة استراتيجية او حمايتها او منعها من الوقوع في أيدي قوى معادية لأميركا واسرائيل. وتبدو واشنطن، كما تل ابيب والغرب كله، في غاية الحماسة إزاء الأنباء الواردة من سوريا، التي تشير بحسب اعتقادهم الى قرب سقوط النظام.

في الخارج العربي، ثمة نشاط غير مسبوق تقوده دول الخليج العربي، وفي المقدمة قطر والسعودية والامارات العربية المتحدة وجهات عربية اخرى، بحثاً عن مكاسب مباشرة وسريعة ازاء ما يعتقدون انه قرب سقوط النظام في سوريا. وذهب بعض هؤلاء الى الحديث، منذ الآن، عن تصورات لمرحلة ما بعد النظام، سيما أن الجميع يريد مكاسب على صعيد الحكم الذي سيقوم، من دون ان تكون لاحد من هؤلاء معرفة حقيقية بواقع سوريا السياسي والاقتصادي والاجتماعي، والأهم بما خص تركيبة سوريا الاجتماعية وتنوعها الديني والقومي وخلافه.

على المقلب الآخر، هناك الحلف المؤيّد للنظام في سوريا. من روسيا والصين الى ايران وحزب الله وقسم من الحكم العراقي وقوى جهادية فلسطينية، وقوى شعبية منتشرة في العالم العربي. هذا الحلف مهجوس، هو أيضاً، بالمواجهة القائمة، وتعيش قواعده حالاً من البلبلة بسبب نقص المعلومات عن حقيقة ما يدور، ونتيجة السياسة الإعلامية الغبية التي اتبعت سابقاً، وصوّرت المواجهة القائمة كأنها تجري فعلاً بين مرتزقة والدولة، متناسين أن هناك قسماً غير قليل من الشعب السوري يؤيد المعارضة القائمة، وان غالبية المقاتلين هم من ابناء الشعب السوري. وان هؤلاء يجدون انفسهم اليوم في قلب معركة ينظرون اليها من زاوية انها معركة مصيرية. وربما باتت أولوياتهم لا تتطابق البتة مع اولويات اي طرف اخر في المنطقة والعالم. ولذلك فإن ما يقومون به اليوم، لا يقف عند اي تقدير بالنسبة إلى المرحلة المقبلة. وهذا ما يجعل الأخطاء من جانبهم تزيد وتكبر، ويكبر معها نهر الدماء.

كل المؤشرات الميدانية والسياسية تقود الى مزيد من التوتر، بل يمكن الجزم بأن المواجهة المشتعلة اليوم في كل سوريا قد تشهد فصولاً أبشع واكثر دموية ممّا حصل في كل الفترة المنصرمة. وينبغي هنا القول، صراحة، للجمهور المنقسم بين مؤيد ومعارض: إن الحرب المفتوحة حتى اشعار آخر ستزداد قسوة. وما هو قائم الآن لا يبشر بنتائج حاسمة قريبة لأي من الطرفين، بل من شأن الدماء التي تسيل بغزارة، تعزيز الفرضيات حول انقسام يتجاوز البعد السياسي بين ابناء سوريا ومحيطها، ليلامس مرحلة التقسيم الفعلي لهذا البلد. والى أن ترسو الصورة على واقع اكثر هدوءاً، ستشهد سوريا مزيداً من المواجهات والفوضى والقتل. وستتراجع الأصوات الداعية الى حوار، او الى ابتداع فكرة خلاقة تتيح فتح كوّة في هذا الجدار السميك الذي يزداد ارتفاعاً. واذا ما تمسك اللاعبون السوريون الاساسيون بمنطق الشروط المسبقة، فلن يكون هناك افق لأي تسوية حقيقية. وبالتالي، سنذهب الى حل من اثنين:

ــــ تدحرج الأمور صوب مواجهة يتداخل فيها العنصر الداخلي بالعنصر الإقليمي، ما يفتح الباب امام احتمال انفجار كبير. وهذا امر لا يحتاج الى مغامرة من طرف واحد، لأنه مثلما يزيد الغرب من ضغوطه ومشاركته في معركة اسقاط الاسد، فإن المحور المقابل سيزداد شراسة في الدفاع عنه.

ــــ الاستمرار في مواجهة محاصرة بتوازن رعب اقليمي ودولي يمنع التدخل العسكري الخارجي النوعي. وبالتالي سنكون امام جزائر جديدة. فالمعارضة بحاجة الى تغييرات جذرية حتى تسقط النظام، بينما يلجأ النظام الى عمليات ابادة لخصومه المسلحين (مع الأسف ليس هناك تعبير اكثر واقعية من هذا) بهدف إمساك الدولة بقوة.

أيها السوريون، ليس بيد احد خارج حدودكم من يمكنه وقف النزف. ومن يعتقد خلاف ذلك، فسيظل مشغولاً في إحصاء القتلى، حيث يتحول الموت الى خبر عادي، كما حصل في لبنان والعراق.

الأخبار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى