صفحات العالم

سوريا: خطر «الإخوان» والصراع الإقليمي

 

خليل علي حيدر

ثمة انقسامان مؤثران في مصير الحرب المشتعلة في سوريا، انقسام القوى المشاركة في محاربة النظام في الداخل، وانقسام ثان خارجي، في التحالف الداعم للمعارضة المسلحة، ويرى بعض المحللين، كما جاء في صحيفة «الجارديان» البريطانية، «أن المأساة في الأزمة السورية تكمن في هشاشة التحالف الداعم للمعارضة المسلحة على الصعيد الخارجي، وفي انعدام حسم المتمردين لمعاركهم السياسية والعسكرية». والآن، هل الأولوية للتحالف الدولي والعربي المؤيد والداعم أو المناصر للمعارضة، هي تقليص النفوذ الإيراني- الروسي، أم تحقيق أفضل النتائج للشعب السوري؟ ويستبعد هؤلاء المحللون تكرار السيناريو الليبي في سوريا، خاصة وأن انقسام دول التحالف واضح حول أهداف الانتفاضة السورية.

وترى «آن برنارد» أن «قدرة القوات المسلحة النظامية السورية على محاربة الثورة والاحتفاظ بالأرض آخذة في التراجع باستمرار». ورغم أن ثوابت الحكومة أفضل تنظيماً وتسليحاً من قوات الثوار، إلا أن «سنتين من القتال دفعت الجيش السوري على ما يبدو لتقليص طموحاته وإعادة النظر في تكتيكاته، مما جعلها تلجأ لتعزيز مواقع قواتها حول العاصمة دمشق».

الكثيرون يشيرون إلى ارتفاع كلفة الثورة السورية. الكاتب الفلسطيني ماجد كيالي يرى أن هذه الثورة «نجم عنها تصدعات في بنى المجتمع، بدلاً من تصدع بنية النظام، بخاصة أنها تضمنت كلفة بشرية ومادية فاقت التوقعات. المشكلة إزاء كل ما تقدم، أن لاشيء يوحي بإمكان إنجاز هذه الثورة هدفها المشروع المتمثل في إسقاط النظام». ويضيف الكيالي «أن هذه الثورة ما زالت تفتقد القيادة والمرجعية السياسية». «استمرار هذا الوضع بات علامة على تأزم الثورة، ووجود حالة مرضية فيها ينبغي بذل الجهود والضغوط لإنهائها».

مدير «معهد بروكينجز» يرى أن الاضطراب السائد داخل المعارضة السورية هو «نتيجة لانقسام المجتمع الدولي حول الجهة التي يتعين دعمها، إذ لو أخذنا بعين الاعتبار أن كل واحدة من الدول الخارجية ومنها الولايات المتحدة، السعودية، وقطر، تفضل فصائل معينة في المعارضة السورية، لتعين علينا ألا نتفاجأ من عدم قدرة هذه المعارضة على توحيد صفوفها، وهذا ما أدى لأزمة خطيرة بالفعل فيها». ولكن هل انقسام المعارضة ظاهرة سورية بحتة؟ إذ يمكن الرد بسهولة على هذا، بالإشارة مثلاً إلى تمزق وانقسام المعارضة العراقية قبل وبعد سقوط النظام وربما انقسام العديد من جماعات المعارضة في مختلف الثورات. ولكن التحليلات تؤكد دائماً وجود صراع إقليمي شديد التأثير في الثورة السورية بين محورين أساسيين: أحدهما قطري – تركي، والثاني بقيادة سعودية قريب من السياسية الأميركية، وهذا ما انتقده رئيس الائتلاف الوطني لقوى المعارضة والثورة السورية معاذ الخطيب، عندما أبدى استياءه من محاولات فرض «الوصاية» على المعارضة، وقال إن اختلاف وجهات النظر الإقليمية والدولية «ساهم في تعقيد المسألة» السورية. في الوقت ذاته، كان حوالى سبعين معارضاً سورياً يرفضون في بيان أُرسل إلى القمة «السيطرة الاستبعادية»، التي يمارسها أحد تيارات الائتلاف في إشارة واضحة إلى جماعة الإخوان المسلمين، و«الهيمنة العربية المتنوعة والإقليمية الفاضحة» على قرار المعارضة.

ويقول أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأميركية في باريس زياد ماجد: «هناك تنافس بين محورين، قطري تركي يدعم تيار «الإخوان المسلمين»، وسعودي يتناغم مع الولايات المتحدة. ويضيف ماجد أن الصراع «لاينحصر بالمرحلة الحالية، بل يتعلق أيضاً بسوريا ما بعد الأسد. من سيحكم سوريا، الإخوان المسلمون، كما في تونس ومصر، أم سواهم؟ من يؤثر أكثر في خيارات سياساتها الخارجية؟ من يشارك في إعادة إعمارها ومن يحظى بالاستثمارات الأهم فيها؟».

وفي التحليلات كذلك أن ترشيح «غسان هيتو»، الأميركي السوري المولد وغير المعروف نسبياً لرئاسة الحكومة المؤقتة، قد حظي بدعم حركة «الإخوان المسلمين» السورية. ويرى السياسي الأردني والكاتب صالح قلاب إن على الإخوان ألا يحاولوا فرض أجندتهم على شركائهم في المسيرة «مستعينين بتحالفاتهم العربية». ويقول منتقداً الإخوان السوريين بقوة: «لقد كانت مسرحية اختيار رئيس الحكومة المؤقتة مثالاً سيئاً للشعب السوري، ولكل قوى وتنظيمات المعارضة السورية». يقترب «الإخوان المسلمون» السوريون من الذكرى السبعين لتأسيس الجماعة ما بين عامي 1945و1946 على يد مصطفى السباعي، حيث عاد الطلاب السابقون والعلماء الدينيون الذين تأثروا بالإخوان المصريين إلى سوريا في أواخر الثلاثينيات وأوائل الأربعينيات. وقد توفي مرشد الجماعة مصطفى السباعي عام 1963، وخلفه عصام العطار، الذي ما لبث أن هاجر إلى ألمانيا في عام 1964. وفي أواسط الستينيات كان «الشيخ عبدالفتاح أبو غدة»، الحلبي الأصل مرشد الإخوان حتى أواخر السبعينيات. ونشرت صحيفة «الجريدة» الكويتية في 2013/3/17 تقريراً مطولاً بعنوان «كيف خطف الإخوان المسلمون الثورة السورية» مترجماً عن دورية «فورين بوليس» الأميركية.

وجاء في مطلع التقرير أن الجماعة الإسلامية الغامضة التي اختفت بشكل شبه كامل خلال الثمانينيات، أي جماعة الإخوان المسلمين، «بدأت تفسد الانتفاضة ضد بشار».

وجاء في التقرير أن ثمة جماعة معادية للأسد مسؤولة عن الوضع المأساوي القائم: «الإخوان المسلمون» في سوريا!

ما الطريقة التي اعتمدها «الإخوان» لبناء نفوذهم ضمن قوى المعارضة الناشئة؟

الحركة الإسلامية اندثرت من الوجود خلال الثمانينيات بعد انتفاضة حماة، وأصبحت العضوية في الإخوان جريمة تستحق عقوبة الموت في سوريا. وقد تلاشى وجود الجماعة ميدانياً وأصبح شبه معدوم، ولكن منذ اندلاع الانتفاضة في 15 مارس 2011، سارع الإخوان إلى الاستيلاء على مقاليد السلطة ضمن الفصائل السياسية والعسكرية في المعارضة. وقد تردد «الإخوان» في البداية في الانضمام إلى هيئة سياسية معادية للأسد، فعلقت الجماعة رسمياً معارضتها للنظام غداة الاعتداءات الإسرائيلية على غزة في عام 2009، وانسحبت من تحالف مع عبدالحليم خدام نائب الرئيس السوري السابق الذي انشق عن النظام في عام 2005. ولكن «الإخوان» بدأوا تدريجياً في المشاركة فعلياً في العمل السياسي ضد النظام، ثم أصبحت هيمنة «الإخوان» السياسية أكثر وضوحاً مع سبتمبر 2011، حين اجتمعت شخصيات وقوى المعارضة في فندقين منفصلين في تركيا لأجل تشكيل هيئة سياسية تمثل جميع قوى المعارضة.

قامت جماعة «الإخوان»، بتقسيم نفسها إلى مجموعتين واستقرت كل واحدة منهما في فندق للتأثير على الطرفين معاً في شأن كيفية تحديد معالم الهيئة المرتقبة. فكان زعيم الإخوان «رياض الشقفة» موجوداً في أحد الفندقين، بينما تواجد نائباه «محمد طيفور» و«علي صدر الدين البيانوتي» في الفندق الآخر، فيما كان «ملحم الدروبي» ينتقل باسم الإخوان بين الفندقين. وهكذا تم في النهاية إضافة عدد من أعضاء الإخوان والجماعات التابعة لها قبل الإعلان عن نشوء «المجلس الوطني السوري» في 2 أكتوبر 2011.

والآن، بعد عام ونصف العام من تلك الاجتماعات، ما استراتيجية «الإخوان» إزاء الثورة؟ وما هي نظرتهم للجماعات المشاركة الأخرى؟

وهل ستكون أوضاع الإخوان في مصر أو سياسات بعض الدول الخليجية الثقل الأساسي في رسم هذه السياسة؟ لاشك أن مرحلة جديدة في حياة «إخوان» سوريا… قد بدأت!

الاتحاد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى