سوريا.. خيبة إن صدقت
طارق الحميد
وجه ممثلو الادعاء الأميركيون، بمذكرة أصدروها مؤخرا، تهمة التجسس لرجل سوري مقيم بأميركا يتجسس لمصلحة النظام الأسدي بدمشق، ولو تم إثبات تلك التهمة على المدعى عليه، وصدر حكم قضائي بحقه، فإن تلك تعد خيبة ما بعدها خيبة للنظام بدمشق.
قد يقول قائل: لماذا؟ السبب بسيط جدا، فتهمة التجسس المنسوبة للرجل السوري ليست بسبب محاولته اختراق أسرار وزارة الدفاع، البنتاغون، أو محاولة التعرف على أسرار منظومة الدفاع الصاروخية، أو الحصول على أسرار التكنولوجيا، أو حتى قل خطة عمل شركة «ستار بكس» الخاصة بالقهوة، بل إن السوري الذي يحاكم اليوم بأميركا هو متهم بالتجسس لصالح النظام الأسدي على المعارضين للنظام بأميركا، في إطار مؤامرة لترهيبهم، واحتمال إلحاق الضرر بهم، أو بأسرهم في سوريا! فهل من خيبة أكثر من هذه الخيبة، خصوصا إذا تم إنزال حكم بالمتهم، فمعركة الجاسوسية بأميركا لم تتوقف قط، خصوصا من قبل الصين وروسيا، وحتى إسرائيل، لكن أن يقوم النظام بدمشق بإرسال، أو استخدام، جاسوس فقط ليراقب معارضي النظام، وتحركاتهم، فهذه خيبة حقيقية.
ولأن الشيء بالشيء يذكر، فإن المتابع لا يملك أيضا إلا الاستغراب وهو يستمع للمسؤولين الأميركيين وهم يطالبون النظام الأسدي بالكف عن الإساءة لسمعة السفير الأميركي بدمشق روبرت فورد، والذي قامت واشنطن بسحبه مؤخرا بسبب ظروف أمنية، حيث قامت حملة إعلامية، وخلافه، منظمة بدمشق، للنيل من سمعة السفير الذي أعلن وقوفه مع الثوار السوريين، بل والمنافحة عنهم إعلاميا. ومصدر الاستغراب هنا، بالطبع، أن واشنطن تطالب نظاما يقوم إعلامه، وكثر ممن يتحدثون باسمه، بالإساءة لمكونات الشعب السوري نفسه، بعدم تشويه سمعة سفير واشنطن بدمشق!
فإذا كان النظام الأسدي لا يتوانى عن وصف معارضيه من أبناء الشعب السوري بأوصاف مختلفة، ومختلقة، فتارة يصفهم بالسلفيين، ومرة بالمندسين، وتارة أخرى على أنهم جماعات إرهابية، وأصوليون، حتى لو كان بعضهم مسيحيين، فكيف يكون المرء سلفيا ومسيحيا بالوقت نفسه؟ هذا عدا عن الحديث عن أنهم، أي الثوار السوريين، جراثيم، وعملاء لإسرائيل، والغرب، وغيره من التهم المعلبة الجاهزة، فكيف بعد كل هذا يمكن أن يكف النظام الأسدي عن تشويه سمعة السفير الأميركي، وهو لم يتوانَ أساسا عن الإساءة لسمعة شريحة عريضة من مواطنيه، ويتجسس عليهم ويرهبهم حتى بالمهجر، مثل الحالة المنظورة الآن أمام القضاء الأميركي، وكما يحدث بحق المعارضين السوريين الفارين إلى لبنان، والذين يتم تتبعهم، وقد نشرت قصص عدة عن عمليات اختراق تمت من على الحدود السورية اللبنانية على يد القوات السورية، ناهيك عن حالات الاختفاء، وغيرها من القصص.
ولذا فإن نظاما يقوم بتعريض نفسه لكل المخاطر، مثل التجسس في داخل الولايات المتحدة الأميركية، فقط لترهيب معارضين، وليس للحصول على ما يستحق التجسس، مثل المعرفة النووية، أو التكنولوجية، على غرار ما تفعله كل من الصين وروسيا، وحتى إسرائيل، من وقت لوقت، فهو نظام يجب أن يقال له: يا لها من خيبة.
الشرق الأوسط