صفحات العالم

سوريا داخل النفق المسدود


د. نقولا زيدان

يبلغ الوضع السوري في أزمته ومأزقه الراهن ذروته حالة من التمزق ومراوحة أمام طريق مسدود غير قابلة للحل، ما تعبر عنه الصحافة العالمية بعبارة (imbroglio)، وتتشابك عناصر هذا المأزق في صراع هائل لا هوادة فيه وتتصاعد لتصبح شديدة التعقيد والتركيب وأزمة تؤرق العالم بأسره.

فمن جهة ما ورد على لسان وليد جنبلاط من كلام اسره اليه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ان “الأسد باق في السلطة طالما لافروق في السلطة” ومن جهة أخرى ما صدر من تصريحات على لسان كبار القادة العسكريين الروس ان انظمة تسليح جديدة روسية ومتطورة وخبراء عسكريين روس قد وصلوا الى سوريا، فمعنى ذلك حقاً اننا قد اصبحنا حيال ازمة عالمية.

سارع بشار الاسد لقطع الطريق على اجتماعات الجامعة العربية في12 شباط الجاري والذي انصب على مناقشة الأزمة السورية، بتسلم مسودة دستور جديد مزعوم لسوريا، حيث لم يعد حزب البعث هو الحزب الوحيد في البلاد ولا هو قائد الأمة الخ… أما من هي لجنة الاعداد والصياغة لهذا الدستور، فلم تصلنا اسماؤهم قط.. وما دام البعث في حالة مزرية من الافلاس اصبح باستطاعة الاسد الاعتماد نهائيا على الآلة العسكرية وأجهزة الأمن والمخابرات التي تعشش عملياً فيها فلول البعث، فأصبح بالامكان فصاعداً الاستغناء عن البعث.

هذا ولم تضرب الجامعة العربية ضربتها النهائية الموجعة القاصمة بحق النظام الفاشي في دمشق بعد. ذلك انه قبيل انعقاد مجلسي التعاون الخليجي ومجلس الجامعة نفسه، ساد اعتقاد تعززه التطورات المخيفة على الساحة السورية، ان ممثلي هذه الدول في غالبيتهم ـ باستثناء مندوب لبنان الحامل وجهات النظر السورية بحرفيتها وممثل الجزائر الناقل لمصالح تحالف مخلفات حزب جبهة التحرير والعسكر هناك ـ سيعلنون بموقف مدو اعترافهم بالمجلس الوطني السوري كممثل وحيد للشعب السوري. لكن أمام دهشة وسائل الاعلام والمراقبين الدوليين، ان شيئاً من هذا لم يحدث قط، فما زالت الجامعة العربية تترك للنظام السوري نافذة ضوء قد تشكل له فرصة للنجاة على قاعدة الحد من الأضرار.

تعمل الجامعة العربية على ثلاثة خطوط واضحة المسارات:

الأول: رفع مشروع القرار العربي الى هيئة الأمم المتحدة والذي ينص على اتخاذ قرار دولي بإدانة اعمال العنف وسفك الدماء من قبل النظام الحاكم في سوريا والعمل بكل الوسائل المتاحة لوقفها. وبديهي ان قرارا كهذا ليس سوى رسالة قوية للنظام السوري ولن ينجم عنه خطوات عملية قط. اللهم الا ما تردد حول احالة جرائم هذا النظام وأعمال الابادة الجماعية التي يمارسها الى محكمة الجنايات الدولية كما جرى في كوسوفو ودارفور.

الثاني: أصدرت الجامعة العربية قرارا بتجديد المبادرة العربية وارسالها مجدداً الى مجلس الامن مشفوعة بمشروع قرار ينص على ارسال بعثة مراقبين عرب ودوليين الى سوريا، على ان تكون بمواكبة عسكرية تضمن سلامتها وحرية حركتها، بل تشرف على وقف اطلاق النار.

الا ان مبادرة كهذه لا بد ان ترتبط ببروتوكول جديد يتم ابرامه مع نظام الأسد.

الثالث: مبادرة وزير خارجية تونس بالدعوة لعقد مؤتمر دولي لأصدقاء سوريا في 24 شباط تستضيفه تونس وتلعب فيه فرنسا دوراً محورياً.

الا ان ما كان متوقعا هو الذي حصل فقد سارع السفير السوري في القاهرة لينطق بلسان سيده، ان سوريا ترفض هذه القرارات جملة وتفصيلاً، فالنظام الاسدي المزداد شراسة ودموية بفعل الفيتو الروسي والصيني، يضاعف من تقصف المدن ودك الاحياء وارداء الأبرياء العزل،غير عابئ بالشعوب العربية ولا بالرأي العام العالمي. لا بل تردد ابواقه عندنا في لبنان احتمال القيام بمغامرة عسكرية عند حدودنا الجنوبية وفي آن معا جر لبنان الى حرب اهلية مدمرة مماثلة لتلك التي يغرق فيها النظام السوري اكثر فأكثر.

كل هذا يجري في الوقت الذي تدرس اسرائيل بدقة وعناية تداعيات شنها ضربة عسكرية لمفاعلات ايران النووية، التي ما زالت تحرص فيه على استمرار الهدوء على جبهتها الشمالية حيث يشكل نظام الأسد ضمانة استقرار لأمن اسرائيل.

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى