صفحات العالم

سوريا ذاهبة للحرب


دان ميرفي

قبل بضعة أيام، بثت شبكة التلفزة الأميركية (سي إن إن) صوراً من سورية تتفطر لها القلوب: جثث أطفال مرصوصين بجانب بعضهم بعضا بشكل بشع، والذين يزعم بأنهم قتلوا على يد القوات الموالية للرئيس بشار الأسد.

نظرت من مكتبي، فاجتاحتني موجة من الغثيان والغضب عندما شاهدت جثة فتاة صغيرة في فستان حفلة. وتداخلت الصور مع تقرير للأمم المتحدة يزعم بأن 1000 طفل كانوا قد قتلوا في سورية في العام الماضي على يد النظام في جزئهم الأكبر، وبأن أولاداً قد أخضعوا أيضاً إلى اعتداءات جنسية وتعذيب من جانب القوات الأمنية.

لكنني شرعت عندها في التفكير: كم حدث وأن شاهدت على شاشة (سي إن إن) صور الأجساد المحطمة للأطفال الذين قتلوا في العراق خلال الاحتلال الأميركي، أو بسبب الضربات الجوية للناتو في أفغانستان، أو بسبب ضربات الطائرات من دون طيار في باكستان؟ وكان الجواب الذي خرجت به من تداعياتي الذهنية هو: “لم أشاهد أبداً”. فسألت من حولي في غرفة الأخبار، فوافق معظم الزملاء على استنتاجي.

وليست الفكرة هي سوق تناظرات، وإنما الإشارة ببساطة إلى الأطروحة الضمنية التي يقدمها الاختيار غير الاعتيادي لعرض جثث هؤلاء الأولاد المقتولين: ثمة رعب خاص يتكشف في سورية، وعلى العالم (بمعنى: الولايات المتحدة) عمل شيء ما لوقفه.

ربما يجب على العالم أن يفعل. لكن ما يجري استكشافه بشكل أقل بكثير هل التبريرات العملية الخاصة بالتدخل العسكري، وخطر أن تكون أشياء المرعبة بنفس الجسامة أو أكثر في الانتظار عبر توسيع الحرب الأهلية السورية بحيث تتحول إلى صراع دولي. وحتى الآن، يجري نسج سرد بسيط عن الرئيس الأسد المنحرف والفاسد، وضحاياه الذين لا حول لهم ولا قوة. وقد صبت ادعاءات من وزيرة الخارجية الأميركية، هيلاري كلينتون، مؤخراً بأن روسيا تسرع بإرسال طائرات عمودية هجومية إلى جيش الأسد، “ما سيصعد الصراع بشكل درامي” في قناة خدمة تلك القضية.

وفي الأثناء، تنفي روسيا ذلك الادعاء، قائلة إنها تقوم فقط بترميم وتجديد الطائرات العمودية من طراز MI-24(Hind)، والتي كان الأسد الأب، حافظ، قد اشتراها قبل أكثر من عقد. وفي الحالتين، فإن هذه الطائرات العمودية ستكون أكثر فائدة في قتال الجيش السوري الحر أو أي جماعات مسلحة أخرى مما ستكون مفيدة في استهداف المدنيين. وتجدر الإشارة إلى أن سورية تتوافر على آلاف الدبابات ومدافع الهاون وقطع المدفعية، و600000 جندي، وهو ما يشكل تهديداً رئيسياً لمراكز التجمع السكاني.

وإذن، فإذا كنت مع أو ضد الذهاب إلى الحرب في سورية قبل طرح الادعاءات الخاصة بطائرات الهليوكبتر، فإن تفكيرك لا يجب أن يكون تغير. ولا ترتكب خطأ، فكلما طال أمد الحرب في سورية، زادت أرجحية احتمال أن يسير الرئيس الأسد على خطى والده في ارتكاب مجزرة مرعبة حقا. ففي العام 1982 قتل الأسد الكبير 10000 مواطن على الأقل من مواطني مدينة حماة في أعمال عنف، والتي أنهت في حينه انتفاضة إسلامية ضد نظامه البعثي.

وفي الولايات المتحدة، ثمة أمارات مدهشة تدعم التدخل الأميركي. فقد أظهر استطلاع للرأي العام أجري في الفترة بين 1-8 حزيران (يونيو) لصالح مؤسسة “مونيتور تيب” أن

15 % من الأميركيين يعتقدون بأن على الولايات المتحدة “أن تأخذ قصب السبق” في القيام بتنفيذ تدخل عسكري في سورية؛ وبأن 19 % من الأميركيين يعتقدون بأنه يجب على الولايات المتحدة “القيادة من المقاعد الخلفية، من خلال تشجيع ودعم عمل عسكري من جانب العديد من البلدان، من دون قيادته”. وكان هامش الخطأ في الاستطلاع زائد/ناقص 3.3 نقطة مئوية.

وبينما كانت الأجوبة الأكثر شعبية تقول إنه يجب عدم انخراط الولايات المتحدة عسكريا (29 %)، أو فقط إذا “لم يكن هناك حملة برية” (27 %)، فإن من المثير للاستغراب أن نسبة

34 % من الأميركيين يرغبون في دراسة الانخراط العسكري المباشر في بلد شرق أوسطي آخر، في وقت انتهت فيه بالكاد الحرب في العراق، وتستمر فيه الحرب في أفغانستان. ومن شأن حدوث المزيد من الفظاعات في سورية أن يوجه البوصلة أقرب إلى الدعم الشعبي.

وفي الأثناء، يدفع العديد من صانعي الرأي باتجاه تنفيذ غزو بمبادرة أميركية بالسرعة الممكنة، بدءاً من المحافظ الجديد جون بولتون، إلى كاتب العمود النافذ ومؤيد النزعة التدخلية الليبرالي نيك كريستوف. ويعرض السيد كريستوف دعوة مشحونة بالعاطفة وأخلاقية لحمل السلاح في سورية (والسودان)، بينما يتجاهل السؤال غير المريح عما إذا كان ذلك سيخدم فعلاً المصالح الأميركية.

ويحاول الصقري المعروف السيد بولتون على الأقل توضيح القضية. ويطرح، في قطعة نشرتها صحيفة “ذا ناشنال ريفيو” في الأسبوع الماضي أنه يجب على الرئيس باراك أوباما تجاهل مخاوف البعض من احتمال أن يضع العمل العسكري الأحادي الولايات المتحدة في خلاف مع روسيا، ويقوض الآمال الضئيلة بأن تفضي المفاوضات مع إيران (الداعم الرئيسي الآخر للسيد الأسد) بخصوص برنامجها النووي، إلى النجاح. وفي الحقيقة، فإنه يبدو وأنه يستمرئ هذا الاحتمال.

أولاً، إنه يعرب عن أسفه لأن الرئيس جورج دبليو بوش لم يمدد الحرب في العراق بحيث تشمل سورية في العام 2003. ويكتب قائلاً: “في الأيام التي أعقبت طرد صدام حسين في العام 2003، كانت الظروف مواتية تماماً (ولو أنها لم تكن مثالية) للإطاحة بالأسد واستبدال نظامه بشيء يتماشى مع المصالح الأميركية”.

ثم تراه يؤكد أنه نظراً لقرب سورية من إيران وروسيا وحزب الله في لبنان، فإن “تغيير النظام في سورية يصب في المصلحة الأميركية، بالإضافة إلى مصالح إسرائيل وأصدقائنا العرب في المنطقة”.

ثم تراه يقترح أن صراعاً أوسع ربما يكون فكرة جيدة، ويقول: “بشكل يعتد به، من الممكن أن لا يقتصر التدخل الأميركي على سورية، وسوف يفضي كأمر محتم إلى مجابهة مع إيران وربما روسيا… وهذا ما لا ترغب الولايات المتحدة في فعله، على الرغم من أنه يتوجب عليها فعله”.

فهل يتذكر ماذا حصل في آخر مرة قاد فيها، بشكل ناجح، الحملة من أجل الحرب تحت القيادة الأميركية في الشرق الأوسط؟

لقد كان صدام حسين من بين أكثر عتاة المستبدين في النصف الثاني من القرن العشرين، وهو ما يشي بشيء. وكان أن دفع بولتون من بين آخرين بشدة للذهاب إلى الحرب التي وعدوا في حينه بأنها ستكون سريعة ورخيصة، وتحول العراق إلى حياض مزدهر من الديمقراطية بحيث يتحول إلى منارة للمنطقة. لكن، وبدلاً من ذلك، مات نصف مليون عراقي فيما أصبح البلد مغناطيسا يجتذب الجهاديين مثل تنظيم القاعدة، ثم اندلعت فيه حرب أهلية طائفية لدرجة أن عشرات الآلاف من الجنود الأميركيين استطاعوا بالكاد فعل شيء لاحتوائها. وكانت الكلفة على الولايات المتحدة تصل إلى تريليون دولار، ناهيك عن ذكر 5000 جندي قضوا، والعدد الذي لا يحصى ممن خسروا صحتهم وأطرافهم.

واليوم، نرى أن حدة العنف أقل بكثير عما كانت عليه في أوج الحرب، لكن الإرهاب أصبح نوعاً من إشعاع الخلفية الذي نثرته الحرب هناك، والذي يستمر في الانتشار في صفوف الأمة العراقية. وكانت الهجمات الطائفية الأخيرة يوم كتابة هذا الموضوع بالسيارات المفخخة ضد الحجاج الشيعة في أربع مدن مختلفة، ما أفضى إلى مقتل 65 شخصاً على الأقل، مجرد أحدث انتهاك في سلسلة لا تنتهي. وتقدر الحكومة الأميركية أن 13.600 شخص قتلوا بسبب هجمات إرهابية في العراق في العام 2007. وفي العام الماضي، هبط ذلك الرقم إلى 3.063 لكنه يظل عالياً ليضع العراق في المرتبة الثانية، بعد أفغانستان، في إجمالي عدد الوفيات الناجم عن العمليات الإرهابية.

وفي الأثناء، تظل الحكومة المركزية العراقية منقسمة بين الفصائل الشيعية والسنية المتعادية. وتظل إمدادات الخدمات الأساسية، مثل الرعاية الطبية والكهرباء، بائسة. كما يظل الفساد والتعذيب الذي تمارسه الشرطة والمحاكمات المدفوعة سياسياً شيئاً سائداً. وكانت نسبة تتراوح بين نصف وثلثي الطائفة المسيحية القديمة في العراق قد هُجّرت إلى خارج البلد منذ العام 2003. واستبدل النظام الذي كان في السابق معارضاً عنيداً لإيران (البلد الذي يعد بولتون بأن تجري مواجهته حتماً في حال اندلاع حرب مع سورية) بنظام صديق لها.

بينما يوسم العنف المتكشف في سورية بأنه يؤلم القلب، فإنه ليس موجهاً مباشرة ضد الولايات المتحدة. وكانت الحرب على العراق قد اجتذبت الجهاديين من حول الشرق الأوسط مدفوعين بالرغبة في قتل الجنود الأميركيين باسم الإسلام. وأصلاً، دخل مئات من الجهاديين السنة إلى سورية، قادمين من الشرق الأوسط وجنوب آسيا لمقاتلة نظام الأسد الذي يهيمن عليه العلويون. والعلويون ضرب من الشيعة المسلمين الذين يعتبرهم الجهاديون السنة كفاراً، ويبدون شغفاً في استبدال نظام البعث بالخلافة الإسلامية، تماماً مثل تلك التي اعتقدوا، بسذاجة، بأن بإمكانهم فرضها في العراق. ويبقى تواجد قوات أميركية على الأرض في العراق، ووجود داعمين لتنظيم القاعدة في البلد، خليطاً قابلاً للتفجر من الناحية التقنية.

فهل يجب أن يكون هناك جهد بقيادة أميركية لإبعاد الأسد؟ إذا جعلت الولايات المتحدة من ذلك أولوية، فثمة القليل من الشك في إمكانية إنجاز ذلك بشكل سريع نسبياً (تماماً كما في حالة صدام حسين). ولكن، ما الذي سيجري تالياً؟ شيء لا يمكن التنبؤ به وخطير فحسب.

يجب عليك أن تتمتع بقلب من الصخر حتى لا تشعر مع الشعب السوري أو تتأمل في حرب مبررة أخلاقياً لإنقاذ البلد من المزيد من الألم. لكن القرارات السليمة لا تتخذ انطلاقاً من العواطف. ويمكن للأعمال النابعة من أفضل النوايا أن تفضي إلى نتائج بمثل قتامة، أو أكثر قتامة من أي شيء يمكن للمرء أن يتصوره الآن.

*نشرت هذه القراءة تحت عنوان:

Syria war drumbeat builds ,but where is it leading?

(كرستيان سينس مونيتور) 13/6/2012

 ترجمة: عبد الرحمن الحسيني

كلنا شركاء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى