سوريا: شبكة الإنترنت أداة قمع
سلام السعدي
للمرة الثانية في غضون أسبوع، توقفت يوم الأربعاء الفائت خدمة الإنترنت في كل أنحاء سوريا لما يقارب 12 ساعة. انقطاع تام، حدث سابقاً في شهر تشرين الأول من العام الماضي. هكذا نكون أمام ثلاثة انقطاعات شاملة وقصيرة، وعدد لا يحصى من الانقطاعات الجزئية والمتواصلة في العديد من المدن والبلدات.
باتت خدمة الإنترنت شيئاً من الماضي في بعض المناطق التي تسيطر عليها المعارضة. هذا فضلاً عن الهبوط العام في أداء الشبكة في كل مكان من سوريا. هبوط يستهدف على نحو خاص مواقع التواصل الاجتماعي التي يصعب الدخول إليها، ويصعب أكثر في حال تم الدخول، إجراء محادثة عبرها، فالسلطات تتعمد أن يكون الانترنت بطيئاً بصورة لا تحتمل.
وفيما تقول السلطات السورية أن المشكلة محض تقنية، يتهمها الناشطون بتعمد خنق الشبكة وإيقافها. إذ شكلت الكاميرا وشبكة الانترنت سلاحاً يستدعي الملاحقة والقتل لحامليه من قبل النظام السوري. أكثر من ذلك، أدخلت وسائل الاتصال الحديثة تحولاً عميقاً في طبيعة التفاعلات بين الثائرين، فتلاشت المسافات التي تفصلهم، وخُلق فضاء عام كان محظوراً قبل اندلاع الثورة. كثفت آليات العمل الجديدة الوقت، ودفعت بالعمل الجماعي نحو فعاليته القصوى. وصار عدد هائل من النشطاء يتبادلون المعلومات وينظمون اللقاءات والنشاطات والمظاهرات، من دون الحاجة إلى اجتماعات كبيرة، قد تقودهم إلى الموت، مع مثل هذا النوع من الأنظمة الشمولية.
مأساة النظام السوري التي تجعله “حاقداً” على شبكة الانترنت، انه كان قد شرع في تطويرها قبل الثورة بأعوام قليلة فقط، ليستفيد منها الناشطون أيما استفادة. ولأن البنية التحتية كانت شبه معدومة حتى العام 2008، شهدت الأعوام الأخيرة نمواً هائلاً هو الأكبر في المنطقة، في الطلب على الخدمة العريضة للانترنت (ADSL) من قبل الأشخاص والمؤسسات المختلفة في سوريا. إذ ارتفع عدد المشتركين في العام بنسبة 215 في المئة في العام 2009 مقارنة مع العام 2008، كما ارتفع في عامي 2010-2011 بمعدل 256 في المئة.
انقطاع الخدمة بات عادياً وطبيعياً، لكنه بات أيضاً، نذير شؤم لدى السوريين والعالم. مع تكرار ذلك قبل كل هجوم تشنه قوات النظام على أحدى المناطق. لذا، صار انقطاع الاتصالات مرادفاً للاعتقال والهدم والموت والمجازر. ربما يكون ذلك الأمر، هو ما دفع بشركة “غوغل” إلى تفعيل خدمة خاصة داخل الأراضي السورية، تسمح بإرسال التغريدات إلى شبكة التواصل الاجتماعي “تويتر”، صوتياً عبر الهاتف. هي خدمة، يمكن أن تكون بالنسبة لكثيرين بمثابة “نداء الاستغاثة”.
“البنية التحتية لقطاع الاتصالات في سوريا هي من الضعف بحيث تجعل انقطاع خدمة الانترنت أمراً طبيعياً”، يقول هاني نصر الخبير في تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات في حديث لـ”المدن”. ذلك أنها “تعتمد تقديم الخدمة بشكل مركزي، ما قد يؤدي لانقطاع الاتصالات في كل سوريا نتيجة تعطل نقطة واحدة في نظام الخدمة”. ويعزو نصر الهبوط العام في أداء الشبكة إلى “المراقبة الشديدة التي تطبقها السلطات على الشبكة، لأغراض التجسس على المتصفحين”.
وكانت تقارير عديدة، تحدثت عن استخدام النّظام السوري لأجهزة مراقبة للإنترنت، وعن وجود خبراء من إيران والعراق يساعدونه في إحكام الرقابة واصطياد الناشطين. وهو ما أكدته شركة “بلو كوت سيستمز” المتخصصة بوسائل مراقبة الإنترنت. إذ اعترفت بأن النظام السوري يستخدم برامجها لمراقبة وتعطيل أنشطة المعارضين السوريين على الإنترنت. وأشارت الشركة الأميركية، إلى أن السلطات السورية تستخدم أجهزة، كانت قد بيعت إلى وزارة الاتصالات العراقية في وقت سابق.
ويؤكد عدد من الناشطين، أن محادثات خاصة مع أصدقائهم وأقاربهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، كانت جزءاً من التحقيقات الأمنية معهم أثناء اعتقالهم. ما يشير إلى أن الأمن السوري قام باختراق آلاف الحسابات التي يود فرض رقابة عليها.
كما تساعد أجهزة الرقابة، في حجب مواقع الإنترنت المحسوبة على المعارضة، أو تلك التي لا تتوافق مع رواية النظام السوري حول “المؤامرة الكونية”. مئات المواقع الالكترونية أخفاها النظام عن أعين السوريين، كمواقع “القنوات المغرضة”، والمواقع الإعلامية والصحافية. ولا يزال الحجب مستمراً، للمواقع الالكترونية، للناشطين، للحرية… وللحياة.