صفحات سورية

سوريا: صدام طويل لامتصاص أزمات المنطقة/ سمير الزبن

 

 

بات من الواضح للمتفائلين والمتشائمين، أن لا حل في الأفق للصراع الدموي في سوريا، لا بحسم الصراع لصالح النظام، فهو غير قادر على هذا الحسم، ولا بحسمه لصالح المعارضة، فهي لا تملك القوة الكافية للإطاحة بالنظام. ولا يبدو أن هناك أفقاً لحل سياسي بين الطرفين، فلا النظام قابل بتقديم تنازلات للوصول الى تسوية سورية ـ سورية، ولا المعارضة قابلة بمشاركة النظام في حل سياسي، بعد العدد الهائل من الضحايا الذين سقطوا بفعل قمع النظام للاحتجاجات التي اندلعت في مواجهة عسف ووحشية السلطة المستبدة.

بدأ الصراع في سوريا لأسباب وعوامل داخلية، وبانتفاضة شعبية سورية تطالب بالحرية بعد استبداد طويل أعدم المجتمع السوري فعلياً، واستأثر بكل شيء. مباشرة دخلت على الصراع عوامل اقليمية ودولية زادت الصراع تعقيداً على تعقيد، وأدخلته في متاهات أخرى، وأصبح أسير مصالح وصراعات اقليمية بين قوى في المنطقة، وأسير صراعات دولية، تفاوت تعاملها مع الصراع والمشاركة فيه.

كان التدخل الايراني سباقاً للوقوف الى جانب النظام، عبر مساعدات مالية، يقدر بعضهم أنها كلفت ايران حوالى 50 مليار دولار على مدى أربع سنوات، واستشارات عسكرية. وعندما لم يعد ذلك يكفي، ساهمت في تجيش وتمويل وتسليح المليشيات لصالح النظام، من حزب الله مروراً بفضل العباس وصولاً الى الحرس الثوري الايراني ذاته. هذا التدخل السافر، تم الرد عليه، بدعم خليجي، لكتائب المعارضة المسلحة، كدعم مواز للتدخل الايراني، وللحفاظ على دور خليجي في المعادلة السورية. ولم تقتصر التدخلات الاقليمية على الدورين الايراني والخليجي، بل، هناك دور اقليمي أكثر فعالية، وله مصالحه في الصراع السوري، وهو الجار التركي، الذي حاول طوال الوقت العمل على اطلاق يده في الصراع السوري، وطالب بإقامة مناطق عازلة على حدوده، دون أن يحظى بهذا المطلب.

على المستوى الدولي كانت سوريا، أهم المواقع التي أعادت الاعتبار للحرب الباردة بين روسيا والولايات المتحدة، ولا يفوقها أهمية في هذا الجانب، سوى الأزمة الأكرانية. في الوقت الذي وقفت روسيا بكل ثقلها وراء النظام واستمرت بتزويده بكل انواع الأسلحة، ولم يقتصر دورها على مد النظام بالسلاح، بل حمته في مجلس الأمن، واستخدمت حق النقد «الفيتو» هي والصين، لمنع اتخاذ اي اجراءات بحقه.

في الوقت الذي وقفت روسيا بقوة وراء نظام الأسد، كان الموقف الأميركي في غاية الميوعة، طالب الرئيس الأميركي بعد أشهر من القمع الدموي، الرئيس السوري بالرحيل، لكن دون أي موقف حازم. وكان الفيتو الروسي دائما بمثابة الذريعة الأميركية لعدم الفعل، تجاه وضع محمي من روسيا. وحتى عندما اعتبر الرئيس الأميركي استخدام السلاح الكيميائي «خطاً أحمر»، تجاوزه النظام، كان رد الفعل الأميركي أن اشترى عدم الفعل ضد النظام، مقابل تسليم السلاح الكيماوي، وهذا ما كان. وعندما طلبت المعارضة السورية من الولايات المتحدة تسليحها لمواجهة النظام، قالت الولايات المتحدة، أنها تخشى أن يصل السلاح الأميركي لأيدي «الجماعات الارهابية». لكن السلاح الأميركي وقع بكميات هائلة بيد هذا الجماعات، «داعش تحديدا»، لكن في العراق وليس في سوريا، عندما وقع عتاد أربع فرق عسكرية انسحبت من الموصل بيد «داعش»، دون مواجهة عسكرية تذكر.

ساهم نظام الأسد في سوريا ونظام المالكي في العراق في تعزيز قوة «داعش»، اعتقادا منهم، أنهم أدوات صالحة بالنسبة للغرب في مواجهة «الارهاب». من أجل ذلك هناك جزء أساسي من قوة «داعش» مصنوع بأدوات استخباراتية ايرانية وسورية وعراقية. في سوريا تم تعزيز قوة الجماعات الارهابية، بإطلاق معتقليها من السجون السورية منذ نهاية العام 2011. حتى يُظهر النظام أن صراعه مع «الارهاب» الذي يتخفى بمطالب «الحرية» كما ادعى طوال الوقت. عمل النظام طوال السنوات الأربع المنصرمة على تحقيق نبوءته بيده من خلال تقوية الجماعات الارهابية بشكل مباشر وغير مباشر، لطمس حقيقة الصراع السوري بمطالبة الشعب السوري بحريته في مواجهة نظام مستبد ووحشي.

بكل الأحوال، أصبحت الأيدي التي تساهم في الصراع السوري محلياً، واقليمياً، ودولياً، أكثر من أن تعد، ففي الداخل السوري، بات هناك الكثير من الفصائل المسلحة المتنازعة، وهناك الكثير من أمراء الحرب على طرفي خط النار، عند الأماكن التي لا يزال يسيطر عليها النظام، وتتنوع السيطرة على المناطق الخارجة من يده، حيث يسيطر عليها كل من داعش وجبهة النصرة وبعض كتائب الجيش الحر وجيش الاسلام وأحرار الشام، وغيرهم.

على مستوى الارهاب الدولي، باتت سوريا بؤرة استقطاب لـ «الجهاد العالمي» حيث يُقدر المقاتلون الأجانب لدى «داعش» والنصرة بأكثر من خمسة آلاف مقاتل، أي ان سوريا والعراق، عملتا على تفريغ الدول الغربية من خلايا ارهابية نائمة، صحيح أن هناك مخاوف من عودتهم، لكن انكشافهم من حيث المبدأ، والعمل على عدم عودتهم، يعتبر انجازا بحد ذاته للأمن الغربي.

تقول الاستراتيجية الأميركية إنها ستطرد «داعش» من العراق، وستضعفه في سوريا، وبالتالي، سيذهب من يتبقى منه الى سوريا. ولا شك في أن هذا تعبير صريح عن بقاء الحال في سوريا على ما هو عليه لسنوات طويلة. فليس هناك استراتيجية اميركية تجاه سوريا، وبالتالي، يمكن الاستنتاج، أن الصراع في سوريا يستمر على حاله، يشتد حيناً، ويبرد حيناً، ذلك حسب سخونة الصراعات التي تنعكس في سوريا، فعندما يتصاعد الخلاف الخليجي ـ الايراني، تزداد حدة الصراع في سوريا، وعندما تزداد الخلافات الأميركية ـ الروسية، تشتعل الجبهات السورية، وعندما تنخفض الصراعات تهدأ الجبهات. يبدو أن الوضع في سوريا، قد انقلب من الصراع على سوريا كما كان يقال في الخمسينات، وحسب كتاب باترك سيل الشهير، إلى الصراع في سوريا في العقد الثاني للألفية الثالثة، حيث باتت سوريا المكان الذي يمتص صراعات المنطقة، من خلال الصدام المسلح على أرضه، وبذلك يكون قد ورث دور لبنان في السبعينات، لكن على مستوى أكبر وأكثر تدميراً.

المستقبل

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى