سوريا عند منعطف حاسم
اوكتافيا نصر
لا بد أن الرئيس بشار الأسد بات يدرك أخيراً المصير الذي ينتظره. يجب الإقرار بأنه صمد وتظاهر بأنه الرجل القوي طوال سنتين، مع أن كثراً توقّعوا الا ينجح في ذلك. فقد نجا حتى الآن من المصير الذي لاقاه بعض نظرائه العرب. ولا يزال في موقع يتيح له التفاوض للخروج من المأزق. لكن الوقت يدهم، وحظوظه للتنحّي عن السلطة مع إنقاذ ماء الوجه تتراجع.
بات واضحاً بعد توجيه نائب الرئيس فاروق الشرع دعوةً لتشكيل “حكومة وحدة وطنية”، أن سوريا تحاول تجنّب الغرق في سنوات من الفوضى والحرب الأهلية، فضلاً عن التدخّلات الأجنبية المتعدّدة والزيارات الاحتفالية التي يقوم بها مبعوثون من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وروسيا وتركيا وسواها من البلدان.
إنها دعوة منسَّقة، ولو لم تكن رسمية، من حزب البعث، للتحرّك، وقد تمّت عبر وسيلة إعلامية لبنانية في سياق حديث “صريح”.
ربما كانت سوريا تحاول تفادي نشر “قوات ردع عربية” ذات دوافع سياسية، ونشر قوات غربية لحفظ السلام، وإقامة عدد كبير من الحواجز التي ترفع أعلاماً ورايات مختلفة ويشغّلها افراد يتكلّمون لهجات مختلفة في أرجاء البلاد، بما يؤدّي إلى تقسيمها حول خطوط مذهبية يُفضّل كثرٌ أن تبقى مطموسة في هذه المرحلة.
ببسيط العبارة، لا شك في أن الأسد ورجاله تعلّموا من اللعبة التي أتقنوها في لبنان طوال ما يزيد عن عشرين عاماً، ومفادها أن ترك الأمور تتأزّم إلى درجة كبيرة يؤدّي إلى الدخول في متاهة مشابهة أو حتى أسوأ من تلك التي تولّوا إدارتها في لبنان إلى حين تحطيمها في ثورة الأرز عام 2005.
المعنى الذي تضمنته رسالة الشرع واضح جداً، فهو لا يترك مجالاً للشك في أن نظام الأسد بات مفلساً، وحزب البعث في حال من التخبّط والإحباط. إنه يعلن على الملأ الحقيقة المعروفة بأن نظام البعث لا يستطيع أن يواصل معركته ضد الفصائل الكثيرة الموجودة على الأرض (الثوّار أو المتمرّدين أو الجهاديين)، وأن يتوقّع الفوز في نهاية المطاف.
على سوريا أن تتّخذ قرارات على الفور، وإلا تتعرّض لمخاطر تفوق التصوّر. فمع توجيه روسيا رسالة واضحة بأنها تتخلّى وأخيراً عن الأسد، وشروع الولايات المتحدة في مناقشة سبل التدخّل عسكرياً في سوريا، وفيما تشهد البلاد حرباً أهلية مع تزايد حصيلة القتلى يوماً بعد يوم، من المنطقي الاعتقاد ان الرئيس الأسد فهم أخيراً ان أوان الرحيل قد حان.
الخيارات التي تؤدّي إلى تفاقم الأمور وغرق البلاد في مزيد من اليأس والتدمير الذاتي، كثيرة؛ لكن الخيارات التي تتيح التوصّل إلى نتيجة إيجابية في سوريا قليلة جداً.
يبدو الحل اليوم مشابهاً للحل الذي كان صالحاً ولا يزال اعتباراً من آذار 2011. داخلياً، سوف يكون على حزب البعث التضحية ببشار الأسد إذا أراد تخطّي هذه الأزمة. فقدَ الأسد صدقيّته الدولية والإقليمية والمحلية. وسوف يشكّل على الدوام عائقاً أمام أي محاولة للسير بالبلاد الى الأمام. إذا كان الشرع وحزب البعث الذي يُفترَض أنه يتكلّم باسمه، جادَّين في الدعوة إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية، يجب المبادرة فوراً إلى إجراء إصلاحات، وسوف تظهر سوريا جديدة لا يستطيع أحد أن يتوقّع ما ستكون عليه.
إذا أدرك السوريون جيداً ما هو على المحك الآن، وإذا تعلّموا فعلاً درساً من تجربتهم في لبنان، عليهم أن يتحرّكوا بسرعة وفاعلية لإيجاد حل للمسائل السياسية، وإرساء القانون والنظام من جديد، والشروع في معالجة جروح العنف والانقسام، وبناء دولة جديدة.
ولكن إذا كان الهدف المماطلة خلال فصل الشتاء القارس، وكسب مزيد من الوقت لتخزين الأسلحة وخوض المعارك من جديد في الربيع، يمكننا أن نراهن منذ الآن على ان الحرب الأهلية السورية دخلت رسمياً مستنقع التاريخ. نسبياً، فاقت حصيلة القتلى والدمار في سوريا في العامين الماضيين حصيلة الحرب الأهلية اللبنانية طوال 15 عاماً.
تقف سوريا عند منعطف حاسم، وأمامها فرصة للخروج من أزمتها وبناء وطن جديد للجميع. أما البديل فهو مزيد من التأزّم ونزاع دموي يخرج منه الجميع خاسرين فيُضطرون إلى القبول بفتات أي اتّفاق يعرضه عليهم الآخرون. لذلك، ومن أجل الأخيار في سوريا وأرواح من دفعوا ثمناً باهظاً، الإصغاء إلى الشرع وإلى ما يقدّمه حزب البعث لن يضرّ بالثورة، بل على العكس يمنحها شرعية وقوّة.
النهار