سوريا…فرصة التسوية
ستعقد الولايات المتحدة وروسيا عما قريب مؤتمراً للسلام يهدف لإنهاء الحرب الأهلية في سوريا، التي أدت لمصرع ما يزيد على 70 ألف شخص، وتشريد ملايين غيرهم، وتهديد استقرار المنطقة بأسرها. وقرار إدارة أوباما بإشراك روسيا في المحادثات الدبلوماسية يعد أمراً جيداً ولكنه يأتي متأخراً.
وروسيا، وهي داعم رئيسي للحكومة السورية، لا تستطيع بمفردها إنهاء الحرب تماماً مثلما أن الولايات المتحدة لا تستطيع أن تفعل ذلك. ولكن الدولتين معاً وبالتعاون مع دول أخرى مثل بريطانيا سيكون لديها جميعاً فرصة- حتى وإن كانت ضئيلة- في تحقيق اختراق دبلوماسي. والقصور الحقيقي في سياسة الإدارة الأميركية بشأن سوريا لم يكن يتمثل في رغبتها في عدم الانخراط عسكرياً في المشكلة- مثلما يقول نُقاد الرئيس أوباما من «الجمهوريين»- وإنما القرار غير الحكيم الذي اتخذته الإدارة في أغسطس من العام الماضي باستبعاد إمكانية الحل الدبلوماسي القائم على إشراك جميع الإطراف المعنية من دون استثناء- بما فيها نظام الأسد.
فمن خلال استبعادها الأسد تماماً، فإن الإدارة عقدت في الحقيقة من قدرتها على التفاوض مع الأقليات التي تعيش في سوريا مثل الأكراد والمسيحيين والدروز، الذين تعتبر مشاركتهم أمراً ضرورياً للغاية لنجاح أي مفاوضات سلام. فتلك الأقليات، وإن كانت متشككة في نظام الأسد، فإنها أكثر خوفاً من أحوال عدم اليقين التي تسود عقب الإطاحة به، وتولي السلطة من قبل جماعات المقاتلين التابعين للمعارضة والذين يقودهم السُنة، ويتبنى معظمهم تأويلات متعصبة للإسلام، لا بل وأعلن بعضهم علناً عن تبعيته لتنظيم «القاعدة».
ولا يعتبر هذا دعوة لإخلاء مسؤولية الأسد، الذي يجب أن يحاكم على ما ارتكبه من جرائم حرب. فما أود قوله، هو إن صقور الحرب الجالسين على المقاعد الوثيرة، الذين يدعون لقصف الأجزاء الواقعة تحت سيطرة الأسد في سوريا، أو يدعون للقيام بتسليح المعارضة فوراً، ومن دون إبطاء، يجب أن يتوقفوا قليلاً، ويفكرون من سيقود سوريا في حالة الإطاحة بالأسد غداً على سبيل المثال.
والسوريون الذين يخوضون القتال ضد بعضهم بعضاً- قوات النظام وقوات المعارضة- يفكرون بالتأكيد حول هذا الأمر. فهم يحتاجون على نحو ما إلى وضوح تام بشأن الكيفية التي سيتم بها حكم وتنظيم بلدهم في مرحلة ما بعد الأسد: هل ستكون دولة فيدرالية تشمل مناطق حكم ذاتي أو جيوب للمسيحيين والأكراد والدروز؟ أم ستكون دولة موحدة يتم حكمها كما كان الحال على مدى عقود بواسطة نظام قوي القبضة في دمشق مع استبدال نظام الأسد العلوي السلطوي بحكومة مركزية سُنية تحاول فرض الشريعة الإسلامية؟، أم ستتحول إلى دولة فاشلة مقسمه إلى مناطق طائفية وعرقية وملاذ للإرهابيين؟
في الوقت الراهن هناك فظائع لا توصف ترتكب في سوريا من قبل الجانبين: من قبل المعارضة المدعومة من قبل قوى إقليمية ونظام الأسد المدعوم من قبل إيران وروسيا؛ حيث يواصل الطرفان حرباً ضروساً لا تبدو لها نهاية قريبة في الأفق. وإذا اقتنع الطرفان بأن أياً منهما لن يتمكن من تحقيق النصر الكامل على الطرف الآخر، وأن المحصلة الوحيدة الواقعية هي التوصل لتسوية عبر المفاوضات؛ فربما تكون هناك فرصة للتوصل لتسوية. فليس هناك أحد، في اعتقادي، يريد أن يكون آخر من يموت في حرب أهلية.
كريستوفر هيل
مساعد وزير الخارجية الأميركي الأسبق
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»
الاتحاد