سوريا.. فنجان القهوة، نكهته رصاص و بارود
بيتروس بيتروسيان
وقع الشعب السوري في حيرة من امره، لم يعد يعرف من يصدق، اصبح جهاز التحكم عن بعد، ملتصقاً بيد المواطن السوري بشكل خاص، وبيد من يهمه استقرار المنطقة، وعدم استقرارها بشكل عام، كل يوم خبر جديد، خبر عاجل ( ثابت)، وعاجل جدا ( بيطفي و بيشعل).” يعني صار لما بيطلع الخبر”، يسرع المواطن السوري ويقّلب في هذه المحطات بحثاً عن الحقيقة عن خبر اليقين، وأين تكمن الحقيقة، ومن لديه الحقيقة، خبر مفبرك هنا، وخبر مفبرك هناك، عاجل هنا، وعاجل هناك، المبالغة الإعلامية من الطرفين اصبحت تقتل الشعب السوري، قبل الرصاص، والرصاص لم يعد يعرف، لا المؤيد ولا المعارض، شي ( الجيش الحر حرر المنطقة الفلانية، من الشبيحة)، وشي ( الجيش النظامي حرر الحي الفلاني من أيدي الجماعات الارهابية)، لم يعد يعرف الشعب السوري، مين بيحرر من مين، ومين هو المحتل، والله انه شيء محير. اصبح فنجان القهوة في الصباح، نكهته رصاص، بارود و مواد متفجرة، بعدما كان السوري يشرب فنجان قهوته وهو يستمع السيدة فيروز.
واستهداف الإعلام في سوريا، هذه المرة الثانية، ما هو المطلوب، لماذا الاستهداف، حتى إن كنا نختلف معه، أم لا، فهذا عمل أجرامي يدينه كل إعلامي حر.
المعارضة من يوم يومها بتقول، الاعلام السوري الرسمي من العصور الوسطى، وبالعامية ( من عام الف وتسعمئة وخشبة)، وسوف نرى من يقول أن النظام السوري هو من فعل هذا، قام بالتفجير، ليثبت أنه مستهدف، وسيقول النظام أن الجماعات المسلحة الارهابية تسعى لقتل، لإخماد صوت الحقيقة، وسيقول آخر إعلام مزيف يشوه عقول وتفكير المواطن السوري، فل يتكلم الاعلام السوري الرسمي، كما يتكلمون باقي الفضائيات العربية والغربية. المواطن السوري جدير وواعي لدرجة يستطيع فيه أن يميز الحقيقة عن الكذب، عندما يرى السوري معارضة تعمل على التفجير هنا وهناك، ونظام يضرب هنا وهناك، من سيصدق السوري؟
ارتياب اصاب الشعب السوري، لدرجة أنه اصبح يفكر، إن سقط النظام، من سيحكم سوريا، هؤلاء المسلحين؟ ما الفرق بينهم وبين أفرع الأمن، أو كما قال لي أحد السوريين البسطاء، ( لك نظام وتعودنا عليه، راح يسحبونا ع الفرع، كفين وفلقة، ونوم كم يوم ع الأرض، هاي هي، كان بها، بس لك هدول ايدون والقتل، مافي، ماما ارحميني، وخاصة، إذا قالوا عنك مؤيد، وإذا انت رجال، قلون والله انا كنت محايد، ما كان الي علاقة بأي شي، وأغلبون ما ألون علاقة بالمعارضة، ناس ما بعرف كيف صاروا معارضة، وكيف قبلوهن أصلاً، وما فيهن واحد بيعرف أصلاً شو يعني معارضة، ولك في “القاعدة” كمان، هيك عم بيقولوا لك هدول مجرمين إرهابيتين، الله يسترـ والله يجيرنا من الأعظم)، لماذا اصبح السوري يتكلم بهذه الطريقة، وانا لا اشمل جميع افراد الشعب السوري، ولا أتكلم بشكل عام، إنما عن المواطن البسيط، الذي يبحث عن السترة.
اما بالنسبة للانشقاقات، كل يوم خبر جديد انشقاق جديد، وتصريح جديد، رئيس الوزراء السوري ! ” رياض حجاب “! في الساعة العاشرة من صباح اليوم المصادف 06-08-2012 اعلنت عدة قنوات اخبارية عن اقالة رئيس الوزراء السوري رياض حجاب نقلاً عن التلفزيون الرسمي السوري، وبعد تقريبا الخمسة عشر دقيقة اعلنت نفس هذه القنوات الإخبارية عن انشقاق حجاب ولكن هذه المرة، نقلاً عنهم، أيضأ أعيد واقول من نصدق؟ هناك، وآخر يقول أنه قبض مبلغاً كبيرا من المال، وأيضاً من يقول أنه لم يتحمل المجازر المرتكبة، لن اتطرق الآن لسبب انشقاقه، أو اقالته، وعن طريقة خروجه من سوريا، وإلى وجهته، هل فعلاً أن (الجيش الحر) هم من اخرجوه من سوريا، أم إن كان هناك اجهزة مخابرات اقليمية أو دولية، هي التي من اخرجت حجاب من سوريا؟ سؤال يطرح نفسه، على كل حال، هل انتهت الازمة بانشقاقه؟ سقط النظام؟ هل ستكون نقطة التحول الحقيقية في نهاية الأزمة، كما يقولون؟ من يعتقد أن هزيمة النظام السياسية، أم العسكرية، تكمن في انشقاق الوزير الفلاني، أو الضابط الفلاني، يكون مخطئاً، واعود وأقول، كما قلت هذا في مقالاتي السابقة، انا لا أدافع عن النظام، من يعرفني، يعرف موقفي، هناك من سيقول، الكاتب أرمني، مسيحي، وهو من الاقليات، والأقليات مع النظام، أنا لا أدافع عن نفسي، فقط اريد أن اوضح، “أنا سوري”، قبل ان اكون اي شيء، ومصلحة بلادي فوق أي مصلحة، مثلي مثل غيري من إخواننا المسلمين السوريين، و غير المسلمين السوريين، والطوائف السورية الأخرى، مثلي مثل باقي الارمن والمسيحيين السوريين، نحن عملنا في بناء هذا الوطن معاً، وحاربنا معاً جنباً لجنب، على مدى السنين، نحن جزء من النسيج السوري، ولن يستطيع أي طرف، من كان، ان يخرجنا من هذا النسيج، ولكن! أنا ضد استعمال الحل العسكري في سوريا، من الطرفين، فكلا الطرفين في الصراع الجاري في سوريا ينتهكان حقوق الشعب السوري، وحقوق الانسان بحد ذاته. أعود لموضوعنا، كما قلت سابقاً، من يعتقد أن هزيمة النظام السياسية، أم العسكرية، تكمن في انشقاق الوزير الفلاني، أو الضابط الفلاني، يكون مخطئاً، لأن العمق السياسي لهذا النظام لا يكمن في افراد، أو اشخاص من هنا او هناك، حتى لو كانوا في أرفع المناصب، الكيان السياسي الذي وضع منذ لا يقل عن أربع عقود ليس من السهل تدميره، التنظيم الحزبي، لحزب البعث، متغلغل تماماً داخل كل مؤسسة في الدولة وبصورة كبيرة، أركان الحكم، والترسانة العسكرية، هي السند الرئيسي الداعم، والمرتكز الذي ينطلق منه، ويمرر سياساته التي تخص المجتمع المدني، العسكري والمؤسساتي.
على المعارضة، إن كانت تريد كسب ثقة الشعب السوري، تجميع كوادرها والالتفاف حول برنامج استراتيجي واحد وهدف واحد، ومشروع واحد، وايقاف العمليات العسكرية. كما يطرح سوري آخر السؤال، قائلاً، ما هو برنامج المعارضة، وما هو مشروعهم، كيف سيتم الانتقال، إن كان هناك انتقال، كل يوم نسمع بمجلس انتقالي جديد، واسماء جديدة، اسماء لم نسمعها بتاتاً، لم نعد نعرف من نختار، إن كنا سنختار، ومن هم، وما هي خلفياتهم، الاجتماعية، السياسية، العسكرية إلى ما هنالك، عسكرة المعارضة لن تفيد الشعب السوري، يجب ان تكون المعارضة، وطنية، أن تكون جزء مكون اساسي، في بناء الدولة، والوطن، إن المعارضات في الدول الديمقراطية، تكون الجزء الأساسي في بناء جميع اركان الدولة والمجتمع، والرقيب على ممارسة أي حكومة منتخبة لصلاحيتها الدستورية، القانونية، التشريعية والتنفيذية، بشفافية وموضوعية. نحن بحاجة لحوار وطني، حل سياسي لا عسكري، من المؤلم والمؤسف ما يجري في بلدي، سوف يتباكون كل من ساهم في نسف قطرة دم واحدة.
أما بالنسبة لتلك الآلة الاعلامية التي تساهم وبشكل كبير، في سفك الدم السوري، أي طرف كان، وتأجيج الازمة، وتفعل هذا لأهداف، سياسية، ام دينية، مذهبية او بيو استراتيجية، أقول لهم، الشعب السوري قدم الكثير، اليوم نبحث عن الحد الأدنى للخسارة، للبقاء.
على من المسؤولية؟ ما هو سقف الخسارة في سوريا؟ وهل سيكون هناك استقرار، ام ستأخذنا الى حرب اهلية طويلة المدى، أم حرب اقليمية، مصيرها تدمير سوريا، يكفي ( تطبيلاً و تزميراً )، هناك شعب في الشتات، شعب يعيش في وضع انساني مزري، لقد ضربت البنية التحتية، والمجتمع الدولي، يقف متفرجاً، يعاقب هذا، ويسلح ذاك، لم يكتفي، ما يزال يريد المزيد، ولن يكتفي، إذا لمن ينحاز الشعب السوري، أو من يصدق، على أي محطة أخباريه ينتظر الخبر، أقول للسوريين، ضع جهاز التحكم عن بعد، من يدك، ولا تصغي لأي طرف كان، افعل ما يمليه عليك، ضميرك.
ايلاف