سوريا في العاصفة: بلا كهرباء ومازوت/ سلام السعدي
حلّت العاصفة الثلجية كلعنة جديدة على السوريين المبعثرين في أصقاع اللجوء. في المناطق المحررة، كما في بلدان اللجوء، كذلك في المناطق التي تعاني من الحصار، بطش البرد القارس باللاجئين الهاربين من بطش النظام، وتوفي طفلان حتى الآن من البرد في الرستن وحمص، في حين ترتفع الصرخات لإنقاذ مئات السوريين الذين يواجهون المصير ذاته… صورة العاصفة التي تلف سوريا ومحيطها، لم تثن الحكومة عن إعلان إجراءات تزيد من مأساة السوريين، في ظل تضخم يرتفع بشكل هستيري حاملاً معه أسعار مادة المازوت التي أصبحت خارج قدرة السوريين على شرائها.
فقد استبق وزير الكهرباء السوري عماد خميس، العاصفة الثلجية، وأعلن قبل يوم واحد على وصولها عن “زيادة ساعات التقنين في بعض المحافظات”. وأشار خميس إلى “السبب المباشر” في ذلك، وهو “استهداف محطات التحويل وخطوط نقل الطاقة الكهربائية، والذي يؤدي إلى إعاقة عودة التيار الكهربائي أو توزيعه بشكل كامل”.
وبرغم ارتباط فصل الشتاء خلال الثورة في أذهان السوريين بزيادة ساعات التقنين التي تراوح بين 6-9 ساعات، إلا أن التقنين، قبل حلول العاصفة وفي أثنائها، تضاعف ليصل في بعض المناطق إلى 18 ساعة. فيما تزور الكهرباء المنازل لساعات قليلة بشكل متقطع وعشوائي، ما يجعل من العسير جداً الاعتماد على الكهرباء في التدفئة.
في المقابل، قلل نقيب عمال النفط في دمشق علي مرعي، في تصريح صحافي، من إمكانية أن يؤثر المنخفض الجوي على إمداد دمشق وريفها بمادة المازوت، وعلى توزيعها للسوريين، وذلك حتى “لو أغلقت الثلوج الطرق إلى العاصمة”. يأتي حديث مرعي كما لو أن المازوت مسفوح في شوارع دمشق وريفها فائضاً عن حاجة السوريين، أو كما لو أن عمليات توزيع مازوت التدفئة للأسر المكتتبة قد انتهت على خير ما يرام قبل حلول العاصفة.
أما الحقيقة ففي مكان آخر، شديد البرودة وحالك السواد. إذ انخفضت الكمية المعروضة من المازوت في مدينة دمشق وريفها هذه الأيام كما لم يحدث من قبل. ورغم الوعود المتكررة التي أطلقتها الحكومة لتأمين 200 ليتر من المازوت لكل عائلة، “لم تتجاوز نسبة توزيع المادة على العائلات أكثر من 30 في المئة” بحسب عضو المكتب التنفيذي المختص في محافظة ريف دمشق محمد هلال. هلال أقر بـ “نقص مادة المازوت في بعض المناطق الريفية منذ الأسبوعين الماضيين، بسبب انقطاع طريق حمص. لذا انخفضت كميات التوزيع، ونعتمد حالياً على مستودعات الفرع لتأمين الأهالي”.
يبقى أن عجز السوريين عن الوصول الى مادة المازوت ليس محصوراً بسوء وفساد إدارة هذا القطاع. بل يضاف إلى ذلك انخفاض القوة الشرائية مع الارتفاعات المتكررة في أسعار المحروقات. خصوصاً، الارتفاع الأخير قبل أربعة أشهر بمعدل تجاوز 70 في المئة، إذ كان ذلك بمثابة ضربة قاسية قطعت الخيط الرفيع الذي كان يربط الغالبية الساحقة من الأسر السورية بمادة المازوت كوسيلة للتدفئة.
وهو ما يؤكده مرعي بقوله أن شركة محروقات “فتحت باب توزيع مازوت التدفئة منذ نهاية فصل الصيف، وقبل أشهر من حلول البرد، ولكننا لاحظنا خلال الأشهر الماضية ضعفاً في الإقبال على التسجيل، وارتفاعاً بنسبة المعتذرين عن الاستلام”. إذ كيف لمن التهمت السياسات الحكومية الحربية دخله الهزيل، أن يلهث وراء مادة يرتفع سعرها أضعافاً عن قدرته الشرائية الضئيلة؟
هكذا، أصبح واقع السوريين موحداً أينما حلّوا، مع ارتفاع أكبر في نسبة المعاناة لدى الأسر النازحة داخل سوريا، أو اللاجئة إلى البلدان المجاورة. إذ يواجه السوريون في المناطق المحررة، بالإضافة إلى قذائف وصواريخ النظام، البرد القارس، في ظل شروطٍ بالغة السوء للمعيشة والسكن. فقد تضررت معظم المنازل في تلك المناطق، ولا يكاد يخلو منزل من حائط مدمر، أو فجوات واسعة في الجدران، أو من أبواب ونوافذ مهشمة. ويعتمد سكان المناطق المحررة في التدفئة، على حطب الأشجار أو الأثاث الخشبي المدمر المتناثر في الشوارع، وعلى ما تيسر لهم من المحروقات الشحيحة والمرتفعة الثمن.
في مناطق سيطرة النظام، تبدو الصورة أقل سوءًا وأكثر قدرة على العيش والاحتمال. برغم ذلك، يكابد السوريون هناك معاناة البرد والصقيع في ظل فقدان مادة المازوت للتدفئة، وانقطاع التيار الكهرباء لساعات طويلة.
أما في مخيمات اللاجئين في لبنان، فقد كست الثلوج في اليومين الماضيين، مناطق شمال لبنان وسهل البقاع حيث يتواجد نحو 200 مخيم غير رسمي لللاجئين السوريين. ومع ازدياد نشاط الرياح وارتفاع كثافة الثلوج إلى 15 سم، تسربت المياه إلى داخل الخيم الهشة التي عصفت بها الرياح واقتلعت العديد منها. وقالت ليزا أبو خالد، المتحدثة باسم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، لوكالة فرانس برس “نحن قلقون لأن البرد قارس في منطقة البقاع، ونحن قلقون خصوصا على اللاجئين الذين يعيشون في خيم، لأن بعض هذه الأمكنة تفتقر إلى الحد الأدنى من الحماية”. في حين ذكرت الوكالة الوطنية اللبنانية اليوم الخميس أن النازحين السوريين في عرسال امضوا ليلة قاسية بسبب البرد والصقيع نتيجة عدم تأمين التدفئة الكاملة لخيمهم، وسُجلت عشرين حالة مرض بسبب صقيع تم نقل اصحابها ليلا الى المستشفيات الميدانية في عرسال. كما سُجل اليوم مرض طفل من شدة الصقيع.
والحال ذاته في الأردن، حيث يواجه اللاجئون في مخيم الزعتري التي تضم 62 ألف لاجىء، انخفاضاَ شديداً في درجات الحرارة، وثلوجا غطت الخيم، بعدما اجتاحت مياه الأمطار مئات الخيم واقتلعت الرياح عدد كبير منها. في حين يعيش اللاجئون في مخيمات تركيا فوق الثلج، مع تحول المخيمات إلى ساحة معاناة كبيرة.
المدن