سوريا في المبادرات الإقليمية والدولية: أوقـفـوا الـقـتـل!
فواز طرابلسي
بعد جولة اولى من المشاورات والمداولات، بما فيها لقاء مع الرئيس الاسد، عاد المبعوث العربي الاممي الاخضر الابراهيمي الى قواعده في القاهرة ولا مبادرة حلّ لديه. وفي القاهرة، انهت اللجنة الاقليمية الرباعية اجتماعا لها في غياب وزير الخارجية السعودي – بلا عذر مقنع البتة – من دون ان تتوصل الى اي قرار.
مبادرتان تستدعيان التوقف حول الجدوى من كل منهما. تفرّعت هذه وتلك عن مهمة كوفي انان بعد ان اعلن الرجل تنحيه عن مهمته. اخفق الرجل مطلع مهمته في إنجاح اتفاق لوقف اطلاق النار ومراقبته عن طريق مراقبين من الامم المتحدة. قفز، في مرحلة ثانية، مباشرة الى السعي لاطلاق «العملية السياسية» من دون نجاح هنا ايضا. لم يخف المبعوث الاممي التلميح اقلا الى ان النظام هو المسؤول الاول عن اخفاق مهمته لأنه الطرف الاقوى والاقدر على المبادرة.
في ظل مهمة انان، وبعيدها، انتقلت الازمة السورية الدموية الى اطوار اشد: حصلت اعلى مستويات من التصعيد العسكري في الازمة الدموية السورية المستمرة منذ سنة ونصف السنة. قفز معدّل القتلى يوميا الى ما فوق المئة قتيل، استقرّ فوق سقف اعلى، اذ دارت معارك طاحنة داخل المدن وجرى اللجوء المتزايد الى المدفعية والطيران المروحي والنفّاث، وارتفع منسوب نمط القنابل التي ترمى على مدنيين. والهدف هو ذاته: تحقيق انتصار عسكري لا تشخيص له. والنتيجة: القتل العبثي الصافي. كانت المعركة الفاصلة وعلامة «الانتصار» هي اقتحام بابا عمرو في حمص. دمّر الحي الشعبي على رؤوس سكانه ومعه وفوقه ثلاثة ارباع المدينة وجاءه «الفاتح» متفقدا معالم الانتصار برفقة المندوب الاممي. ولا نصر. بعد اسابيع، عاود الطيران النظامي قصف بابا عمرو في عداد الاحياء التي يقصفها. انتقلت المعركة الفاصلة وعلامة «الانتصار» الى اقتحام حي صلاح الدين في حلب. الحي قيد التنازع بين النظامي و«الحر» ولا نصر. منذ اسبوعين اعلن ضابط نظامي كبير ان تطهير حلب سوف يتم في غضون عشرة ايام. والدم ينتظر.
وافق النظام السوري على مهمة انان على وهم «الحسم». وها هو يوافق على مهمة الابراهيمي بناء على الوهم ذاته. والسؤال ما الجدوى اصلا من استبدال انان بالابراهيمي، اللهم الا اذا كان «المجتمع الدولي» يريد اقناعنا بأن الثاني اكثر كفاءة من الاول ربما بسبب هويته العربية؟ الجواب الوحيد المقنع هو ان الابراهيمي مزوّد باتفاق دولي يسمح له بأن يحقق ما لم يحققه الاوائل من الوسطاء. وهم كثر.
ليس ادلّ من عدم وجود ما يحمل على هذا الاعتقاد من وجود المبادرة المصرية الرباعية. واول ما يجب قوله انه لا وضوح على الاطلاق: ما الفارق في المهمات بين مبادرة الاخضر الابراهيمي ومبادرة الرئيس محمد مرسي، اللهم الا ان الاخيرة ذات طابع «اقليمي»، مع انها ملغومة بالنزاع السعودي – الايراني. طرف يسعى للتهرّب منها وطرف يسعى لكسب اكثرية فيها بضم فنزويلا والعراق. اللافت في الموقف الايراني هو اقتراح ارسال مراقبين من الدول الاربع الى سوريا للمساعدة على وقف العنف. وانه لمعبّر جدا ان يأتي مثل هذا الاقتراح بعيد الاعلان عن وجود قوات من الحرس الثوري في سوريا ولبنان. ومع ان الخارجية الايرانية نفت الخبر، والسفير الايراني في لبنان طمأن الرئيس سليمان الى ان الوجود المقصود يقتصر على سوريا، يكشف الاقتراح الايراني بُعدا جديدا كل الجدّة حول وجود قوات من الحرس الثوري في البلد الشقيق. ان وجود القوات يشكل استباقا ايرانيا من اجل الحضور الوازن في اي قوة دولية سوف تشرف على وقف اطلاق النار.
من جهة اخرى، لا يزال التحذير الروسي ضد التدخل العسكري الغربي مزحة سمجة تسمح للقيادة الروسية بالاستمرار في سياسة «اغراق السمكة» وتحوير الموضوع، خصوصا بعد ان اكتشفت القيادة الروسية ان ما يجري في سوريا «صدام حضارات» يحمل الخطر الاسلامي الاصولي الذي يهدد المسيحيين الذين تطمح روسيا الى ان تلعب بالنسبة اليهم دور «الام الحنون». وقد يتساءل المرء لماذا يقتصر خطر صدام الحضارات على المسيحيين من دون سواهم من مكونات الشعب السوري، لولا ان التحذير الروسي لا يخفي مقصده: الاعلان عن حلّ يقوم على اساس طائفي.
وفي المقابل، عالم غربي يعلي الصوت ويهدد بـ«التدخل» في حال استخدم النظام اسلحته الكيماوية والجرثومية وهو يعرف ان استخدامها في الحرب الحالية مستحيل. لكنه يغض الطرف، ومعه المجتمع المسمى دوليا عن: ربع مليون لاجئ خارج بلادهم في العراء او ما يشبهه، على ابواب الشتاء. وعشرات الالوف من الضحايا ومقدار اكبر من المعتقلين، وتصعيد في استخدام اسلحة الدمار. فبعد مدافع الدبابات والمدفعية الثقيلة والمروحيات صار قصف الطيران مشهدا يوميا، وآخر مبتكراته القاء البراميل الحارقة على الاحياء السكنية وهي معدّة طبعا لاقتناص «العصابات الارهابية المسلحة». الى هذا، الاعدام الميداني… للمدنيين. ودمار يزيد على دمار 24 سنة من الحروب اللبنانية. ناهيكم عن المآسي الانسانية مع تصاعد حالات الاغتصاب ونمو ظاهرة السبي للاجئات في المخيمات عبر الحدود تحت ستار «السترة» او بدافع العوز، بتزويج الفتيات بل القاصرات من رجال، خليجيين في معظم الحالات، وموسم دراسي يبدأ ولا يبدأ مع وجود ألفي مدرسة مدمّرة قبل ان نتحدث عن مصير الاساتذة والتلامذة والطلاب.
بعد كل هذا، ما أهمية التحليل والتوقع؟
المطلوب امر واحد: أوقفوا القتل!
هي صيحة ليست موجهة لأحد على الارض او في السماء.
السفير