سوريا.. قراءة في الموقف القتالي
وفيق السامرائي
بعد مرور أكثر من عام على الأحداث، لم يعد من خيار «للطرفين» لحل المعضلة السورية غير خيار القوة. ففي بداية الأحداث وقبل أن تتحول المسيرات إلى مجابهة مسلحة كان ممكنا التفكير في خيارات سلمية، أما الآن فقد أصبح شعار «سلمية» من الماضي.
من الأشياء اللافتة أن الجيش الحر تطور خلال أشهر، من بضع عشرات من الفارين إلى المناطق الحدودية التركية السورية إلى فرض نفسه على رقعة واسعة، ويخوض عمليات قتالية هجومية ودفاعية في آن واحد على أكثر من محور، مما يعطي دليلا على اتساع نطاق الدعم اللوجيستي الخارجي وتزايد حالات الانشقاق عن الجيش النظامي، ولا شك أن لتركيا دورا دقيقا ومنظما في هذا. إلا أنه لا يزال يعاني نقصا في مقومات القيادة والسيطرة التي بدأت ملامح تطورها تظهر من خلال تشكيل قيادات مناطقية على مستوى المحافظات. ويفتقد الجيش الحر قيادات من كبار الضباط الذين لا يزالون متماسكين مع النظام لأسباب مختلفة.
ووفقا لما يمكن استنتاجه، فإن الحدود مع أكثر من دولة مجاورة أصبحت خطوط تهريب للسلاح والعتاد الفردي من بنادق ورشاشات متوسطة وقليل من القاذفات المضادة للدبابات، كما أن عمليات الانشقاق تعتبر من مصادر الحصول على السلاح والعتاد. إلا أن السيطرة الحكومية في تتبع المواد المهربة لم تفقد كل مقوماتها، ولا تزال قدرة القوات الحكومية فاعلة في الوصول إلى معظم المواقع التي يراد الذهاب إليها.
إن ارتفاع عدد أفراد الجيش الحر من عشرات الأشخاص إلى آلاف وربما أكثر، من جانب، واستخدام الجيش النظامي على نطاق واسع من جانب آخر، يدلان على أن الحرب لا تراجع فيها إلا بسحق أحد الطرفين. ولا مجال للقبول (والالتزام) بأي مبادرة عربية أو دولية لوقف الحرب، بما في ذلك مهمة أنان التي يصعب تخيل الالتزام بها. فمشروع قوة حفظ السلام لا يمكن تحقيقه إلا بإذعان النظام وهو احتمال مستبعد. وحتى لو قبل الجيش الحر والجماعات المسلحة التي فرضت الأحداث وجودها مبادرة سلمية فإن وجود قوات دولية لن يفرض وقف المظاهرات، بل سيؤمن لها غطاء دوليا ميدانيا، وعندئذ تنتشر انتشارا يقلب المعادلات خلال فترة وجيزة.
في مثل الحالة السورية، حيث انحازت معظم الدول العربية والغربية إلى جانب معارضي النظام، وهو ما عكسته قرارات مؤتمر أصدقاء سوريا في اسطنبول، فإن مرور الوقت غالبا ما يساعد في زيادة الانشقاقات، فتميل المعادلة تدريجيا لمصلحة المعارضين، لأن الاستخدام غير المقيد للقوة تترتب عليه إجراءات دولية، وتترتب عليه خسائر بشرية كبيرة يدفع ثمنها كل الأطراف، وهو ما لم يعد خيارا بل من المسائل المرتبطة بالواقع، في حرب استنزاف لا يزال نظام الحكم يمتلك مقومات الاستمرار فيها، لأنه يمتلك المال والموارد الخارجية والداخلية ولديه كميات ضخمة من السلاح ومصانع عتاد عاملة، ولديه عدد كبير من المسلحين، ولا تزال قياداته متماسكة.
أما الفريق الآخر فإن فرص تسلحه على نطاق «واسع» ترتبط بمرور الوقت، أو بوجود ممرات ومناطق آمنة، وهما عنصران حاسمان أعلن الغرب عدم استعداده حتى الآن لدعمهما. وإذ تعلن أميركا تقديمها أجهزة اتصالات للمعارضين فإن هناك دولا تسمح لها فلسفة قيادتها باتخاذ قرارات حاسمة بدأت فعلا بتقديم السلاح طبقا لما يمكن قراءته، وما تعهد المجلس الوطني بدفع رواتب للجيش الحر إلا دليل على تدفق كبير للمال.
ووفقا للمعطيات الحالية، فإنه من المستحيل تراجع أي من الطرفين عن نياته وتوجهاته. ويبدو أن معارضي الداخل وأجنحتهم المسلحة قطعوا شوطا من التنسيق مع نشاطات الخارج. وهنالك ملامح لتطور أدائي بالانتقال من النشاطات اللامركزية إلى عمليات تنسيق ميداني بين المناطق، وهو ما يدل على تطور نسبي في فلسفة القيادة والارتباط عززته الانشقاقات الأخيرة لعدد من ضباط الركن من مواقع مختلفة.
الشيء الواضح أن النظام أثبت قدرة عالية على التماسك حتى الآن، وتمكن من فرض سيطرة ميدانية على مناطق ساخنة لفترات ليست معلومة حاليا. إلا أن الأطراف المقابلة – إقليميا ودوليا ومحليا – تبنت نهجا يصعب توقع التراجع عنه. وهكذا تستمر الحرب السورية دموية وقد تكون طويلة، وفي النهاية ستكون نتيجتها حاسمة (جدا) على مستوى الشرق الأوسط.